عبد العالي حبران -تنغير/جديد أنفو 

ألف الناس من ساستنا لعقود منطقا في السياسة قائما على مبدأ سياسة "العام زين" ،حيث يمارس الفاعل السياسي- باعتباره مسؤولا وزاريا-   هروبا نحو الأمام بما هو تجاوز للأسئلة الحارقة حول السياسات الفاشلة .

    وعوض مواجهة المواطنين والمواطنات بالحقيقة ،فإن تدبير السياسات العمومية في ربوع المملكة كان يلفه الكثير من الغموض. نظرا للتعتيم الإعلامي الذي كان يسم المرحلة و الذي مارس الوصاية على الشعب .فتراه يبدي لهم ما يراه مناسبا وخادما لتوجهات الحكومات وسياستها الفاشلة فيصبح الكذب حقيقة والحقيقة كذبا.

  والغريب في الأمر أن هذا النوع من الخطاب ينال قبولا لدى أطراف عدة ،بدعوى أنه خطاب  صادر عن حداثي متنور فترى ملكة النقد معطلة ، فتزداد ثقوب الغربال اتساعا ،تمهيدا لقبول خطاب "علمي" رصين يفيض "موضوعية" إذ هو صادر عن حداثي متنور. فليس ها هنا مجال للوهم ولا للاستبداد ولا للاستحمار. لأن الحداثي لا يبيع الوهم  ،وديمقراطي بالفطرة حتى وإن تربع على عرش تنظيم وعمر فيه طويلا .في غياب مبدأ التعددية والتنافس الشريف  و التداول على السلطة ...

    إلا انه ومع تنامي ثقافة الشعب يريد ،أدركنا أن الحداثي "المتنور" ليس سوى ظلاميا غائصا في أتون الظلامية بماهي :امتيازات اقتصاد الريع ،استغلال النفوذ ،الترامي على حقوق الغير ،المتاجرة بقضايا البسطاء العادلة ،الشطط في استعمال السلطة...فما كان لخطاب التنوير إلا أن تهاوى لأن وراءه مآرب ثاوية أشد سوادا من ليلة ليلاء  تفوت فيها المناصب تحت الطاولة، وتقضى فيها الحاجات خارج الأضواء ،يحجبها منطق  ارتباط السياسة بجبر الخاطر. إذ يتحاشى الفاعل السياسي الإقدام على الإصلاحات الحقيقية لأنها ستأتي على شعبيته .فكان الوفاء للمكاسب الإنتخابية أشد واحرص من الوفاء للوطن.

   إنها ممارسات ضاق الشعب درعا بها ،لأنها قائمة على ممارسات ميكيافيلية بلغ فيها منسوب الخداع والتموييه أوجهما على حساب الإصلاح الذي كان مطمحا ومطلبا شعبيا ،فكان من نتائج ذلك  عدم وضع المغرب على السكة الصحيحة ،وبالتالي تأجيل الإلتحاق بمصاف الدول المتقدمة .إلا أنه ومع إفرازات الربيع الديموقراطي برزت قوى بوأها الشعب  مكانة خولت لها مسألة تدبير الشأن العام  فكانت هناك محاولات إصلاحية عميقة بوشرت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .لأن التركة الإقتصادية هشة انعكست سلبا على الجوانب الإجتماعية ،فكان هناك سعي حثيث لإصلاح ما يسمى صندوق المقاصة الذي أغنى الأغنياء وأفقر الفقراء .بيد أن قوى الردة من الأحزاب ومن منظار انتخابوي صرف رأت في المبادرة مكسبا انتخابيا لحزب العدالة والتنمية فما كان منها إلا أن قاومت بشدة هذا المشروع بمساومة منطقها إما العدول عن ذلك وإماالإنسحاب  من الحكومة فكان ما كان ولله الفضل والمنة ..

 

   والغريب في الأمر أن أقلاما عدة تجندت لإفراغ أي إصلاح من محتواه .وإعلامنا الذي كان إلى عهد قريب يصور المغرب كما لو كان جنة فوق الأرض والذي كان مخموراوابيضت عيناه فأصبح ضريرا في تغطية  الواقع المزري للمغرب ،عاد إلى صحوه بعد أن ألقي عليه بقميص يوسف

    فترى النشرات الإخبارية تحوي جوانب من الهشاشة في جميع المستويات وكأنها هشاشة ولدت من رحم هذه الحكومة ....

   نحن حقيقة بين مفترقي طرق بين أن نضع الوطن على سكته الصحيحة وهذا يتطلب خلخلة بعض البداهات الراسخة ويستوجب الرؤية البعيدة المدى عن طريق بلورة رؤية استراتيجية و سياسة احترازية مجدية.وبين أن نشتغل كما كنا في السابق حيث اقتصاد الريع والإمتيازات ....أما الطريق الأول فيفترض أن يدرك الجميع أننا جميعا جزء من الدولة  وليس في مقابلها ويفترض تباعا أن الإصلاح له كلفة وفاتورة لأننا أمام وضع اقتصادي مزر وحالة اجتماعية بئيسة  موروثين.أما الثاني فمساوؤه تكمن في كونه لا يؤسس لأرضية صلبة  لبناء الوطن لأنه مكلف سياسيا وغير عادل اجتماعيا .

نحن هنا لسنا في وارد الدفاع عن الحكومة لأننا ندرك أن لها إخفاقات ولها نجاحات لكن ندعو فقط إلى تبني رؤية موضوعية  تبرز ما للحكومة وما عليها بعيدا عن التحليلات المؤدلجة ،والمزايدات السياسوية الضيقة ،والإتهامات الجزافية.