يوم الخميس 26 ماي 2011 توجهت إلى المحكمة الابتدائية ببوعرفة – بحكم مسؤوليتي الحقوقية - لمتابعة محاكمة تسعة من الشبان اعتقلوا على اثر الإحداث التي عرفتها مدينة بوعرفة يوم 18 ماي 2011 فيما بات يعرف بالأربعاء الأسود .
انتظرت ومجموعة من المناضلين - بمعية اسر و عائلات المعتقلين- بباب المحكمة من الساعة التاسعة صباحا والى غاية تقديم المعتقلين في الجلسة العامة على الساعة الخامسة مساء .

بتنسيق مع هيأة الدفاع طلبنا تأجيل جلسة المعتقلين إلى غاية إعداد الملف ، ولقد استجابت المحكمة لهذا الملتمس .
غادرت المحكمة بصحبة المحامي الأستاذ بنعيسى الذي طلب مني أن أرافقه على متن سيارته بحكم أنه يسكن بجواري .
لما هممنا بركوب السيارة ، استوقفنا أربعة رجال من الأمن بالزي المدني وسلموا علينا بحكم معرفتنا السابقة بهم ، لكن لما أردت التقدم لصعود السيارة اخبروني بأنه توجد مذكرة للبحث عني ، عبرت عن استغرابي من الأمر خاصة أنني عقدت لقاءات مع العامل والباشا والمسؤول الأول عن الأمن بعد الأحداث مباشرة ؟؟؟؟

اختطفني العناصر الأربعة في سيارة غير تابعة للأمن وتوجهوا بي بسرعة جنونية إلى مركز الأمن ، حيث وجدت في انتظاري مختلف أجهزة الأمن ( الأمن الوطني – إدارة التراب الوطني – الدرك الملكي ) .
استمر التحقيق معي لأزيد من عشر ساعات ، وقد انصب حول انتماءاتي و مواقفي السياسية ، وعلاقتي بالأحداث التي عرفتها بوعرفة ...الخ وقد أجبت عن أسئلة المحققين بموضوعية وبثقة كبيرة في النفس .
طلب مني المحققون- أو الحجاج كما ينادون بعضهم البعض - التوقيع على المحضر ، وقد فعلت ذلك بعد القراءة ، وطلب مراجعة أو إضافة بعض الأشياء إلى المحضر .

بعد انتهاء مدة الحراسة النظرية – يومان بمخفر الشرطة – تم تقديمي للمحاكمة ، وقد كنت أتابع بمحضر مغاير وهذا ما سأكتشفه بعد مغادرتي السجن ، فقد نسبوا لي في المحضر أنني صرحت بوفاة احد المحتجين ، وطلبت من المحتجين أن نقتحم عنوة مقر العمالة وإذا أوقفتنا القوات العمومية يجب أن نقاومها بشراسة وأشياء أخرى لا يقبلها العقل إطلاقا .
بعبارة أدق فان الأحكام تصدرها الضابطة القضائية في مخافر التحقيق ، وأن أغلب القضاة في المغرب لا يجتهدون ، ولا يعتدون بما يروج أمامهم بل يعتبرون محاضر البوليس والدرك نصا منزلا غير قابل للمس أو الطعن .

قدمت للمحاكمة رفقة المحجوب شنو الذي اعتقل في نفس اليوم، فتم ضم ملفينا إلى ملف المعتقلين التسعة فأصبحنا نحاكم بنفس التهم : تنظيم مسيرة بدون ترخيص – الاعتداء على القوات العمومية – تخريب ممتلكات معدة للمنفعة العامة – التحريض على العنف – التجمهر المسلح .....الخ
كانت المحاكمة ماراطونية ، فقد استمرت من الثانية مساء والى غاية السادسة والنصف صباحا ، وقد كان القاضي رئيس الجلسة مستفزا ، ولا علاقة له بمهنة القضاء الشريفة ، فقد رفض السماح لنا بالجلوس لمدة طويلة فاقت العشر ساعات .
كانت المحاكمة ابتدائيا غير عادلة ( رفض علنية الجلسة – رفض استدعاء الشهود – رفض إحضار المحجوزات – إجراء الخبرة على المعنفين من المعتقلين - ملأ القاعة بعناصر القوات العمومية مدججين بالسلاح والدروع الواقية للحجارة ...)
في الصباح نطق رئيس المحكمة بالأحكام والتي كانت عبارة عن ثلاثة سنوات بالنسبة للشبان وسنتين ونصف بالنسبة لي والمحجوب .
استأنفنا الحكم فتم نقلنا إلى وجدة للمحاكمة بمحكمة الاستئناف ، حيث كانت أجواء المحاكمة مغايرة تماما للمحاكمة ببوعرفة ، وهذا ما جعل الجميع يعتقد أنه سيتم إخلاء سبيلنا وتبرئتنا استئنافيا ، لكن هذا لم يقع فقد كانت الأحكام عبارة عن سنتين لي وللمحجوب وسنة ونصف للشبان .

قضينا تسعة أشهر بالسجن المحلي بوجدة ، وفي الأخير سيصدر عفو ملكي في حقنا ، وهو ما اعتبرناه تصحيحا للمحاكمة ورد الاعتبار لنا ، وانتهى بذلك مسلسل إحدى المحاكمة الجائرة .
في الأخير أغتنم هذه الفرصة لأوجه التحية لهيأة الدفاع سواء من حضر أو من سجل الإنابة ، فقد وصل عدد المحامين المؤازرين 103 وكانت المرافعات جد قوية وأظهرت الطابع السياسي للمحاكمة .
اغتنم الفرصة لأوجه الشكر للجان الدعم على المستوى الوطني والدولي، فلولا هذه اللجان لاستمرت محنتي ولكنت أعيش ظروفا غير الظروف وأحوالا غير الأحوال .

اغتنم الفرصة لأوجه الشكر لكل الهيئات التي ساندتني على اختلاف مشاربها بعيدا عن أية حساسيات أو خلفيات ضيقة .
اغتنم الفرصة لأوجه الشكر لكل من كان يشارك في الوقفات والمسيرات ومختلف الاحتجاجات ليصدح مدويا ضد الظلم و الاستبداد ، أو حتى كان في قرار نفسه غير راض عن هذه المحاكمة .

أغتنم الفرصة لأوجه الشكر للأسر والأصدقاء والرفاق والتلاميذ الذين لم يهدأ لهم البال ، ولم يرتاحوا حتى تأكدوا أنني أصبحت خارج الأسوار . .
اغتنم الفرصة لأقول للجميع إنني أحبكم فردا وفردا ، وجماعة جماعة ، وتنظيما تنظيما ، وأنني ممتن لكم جميعا ، وسأستمر على درب النضال كما عهدتموني من أجل تحقيق مغرب الكرامة والعدالة والحرية للجميع .

الصديق كبوري / بوعرفة 26 ماي 2014