اعتبر وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، أن ما تضمنته العريضة التي أصدرها مجموعة من المثقفين والإعلاميين والفنانين، والذين كنت واحدا منهم، والتي وجهنا له فيها تحذيرا بسبب محاولته فرض الوصاية الدينية على القطاع السمعي البصري، اعتبر أن مضمون العريضة يعكس "خطابا إيديولوجيا وتمييزيا وتحريضيا معاديا للديمقراطية"، وأن مضمون العريضة حسب زعمه "يفرغ المؤسسات المنتخبة من مصداقيتها وصلاحياتها، ويصادر حقها في التعبير، ويعمل على أدلجة قضية وطنية هي قضية دور وسائل الإعلام في محاربة الجريمة وعدم التطبيع معها، ومحاولة التشويش على مساءلة أداء الإعلام العمومي إزاءها، وافتعال قضايا هامشية من أجل خدمة هذه الأجندة".

ولنا ردّ على هذا التصريح فيما يلي:

إن محاولة تصوير المثقفين والفنانين التواقين إلى الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية على أنهم "أعداء الديمقراطية"، وإظهار من يبذل قصارى جهده لتنميط المجتمع في إطار عقيدته السياسية على أنه من أبطال الديمقراطية ودعاتها، هو منتهى التضليل للرأي العام، والتعتيم على حقيقة ما يحاك ضدّ الانتقال السلمي نحو التحديث والدمقرطة ببلادنا.

إن عطب الوزير، الذي طالما نبهنا إليه، والذي هو أيضا عطب التيار الذي ينتمي إليه سواء في المغرب أو في مصر أو تونس، هو اختزال الديمقراطية في آلية التصويت، وإنكار قيمها ومبادئها في المساواة والحرية والعدل واحترام الحق في الاختلاف. حيث يعتقد الوزير أنه بحكم تواجده في حكومة منتخبة يصبح من حقه أن يفرض ذوقه وتوجهاته الدينية والأخلاقية المتشدّدة واللامتسامحة على الناس كافة، بينما وسائل الإعلام هي ملك عمومي للجميع، وإذا كان من حق الوزير أن يطالب ببرمجة المواد الدينية في الإعلام، وهو ما كان موجودا دائما قبل توليه منصب الوزارة، فإنه ليس من حقه مطلقا أن يسعى إلى جعل الدين مرجعية وحيدة للإعلام في دولة عصرية، لأن هذا لا يصحّ إلا في إطار الدولة الدينية القائمة على الشريعة الدينية، وحيث الدين وحده نظام شامل يؤطر الدولة والمجتمع، وهو ما تجاوزه المغرب منذ أزيد من قرن كامل، ولا يمكن العودة إليه بأي حال من الأحوال، لأن التاريخ لا يعود إلى الوراء إلا في لحظات الفتن والطوارئ والأحكام العسكرية، وأنظمة حالة الاستثناء الظالمة مثل إيران الخمينية والسعودية والوهابية والسودان العسكرية..

ومن بين ما قاله أيضا وزير الاتصال إن موقعي العريضة "حرفوا مضمون الجواب عن طريق اختزاله وانتقاء جمل وعزلها عن سياقها ومحاولة تأويلها بطريقة سلبية"، وذلك للحيلولة دون مواصلة مسلسل تنزيل الجيل الثاني من الإصلاحات في القطاع السمعي البصري، والقائمة على الاستقلالية والتعددية وتكافؤ الفرص وضمان المنافسة وإرساء الشفافية والحكامة الجيدة".

وقد وجب توضيح رأينا الذي حرفه الوزير بدوره وخرج به عن القصد، فنحن لا ننتقد في عريضتنا كل تصريحات الوزير وكل ما عبّر عنه من مواقف، بل إن سبب توقيع العريضة هو التصريحات التي أخطأ فيها وجنى على الإعلام العمومي، ولهذا فلسنا ضدّ أية إصلاحات ينوي الوزير إجراءها إن استطاع إلى ذلك سبيلا، شرط ألا يمس بحق المغاربة في الاختلاف والتنوع اللغوي والثقافي والقيمي. إن "الاستقلالية والتعددية وتكافؤ الفرص وضمان المنافسة وإرساء الشفافية والحكامة الجيدة" هي أمور يتوق إليها كل الديمقراطيين بالمغرب، وكذلك " ضرورة الالتزام بالحياد والنزاهة والمسؤولية والمحاسبة واحترام القانون والشفافية والمصلحة العامة" و"احترام الدستور واحترام القانون" وكل ما جاء على لسان الوزير بهذا الصدد لا يمكن أن نعاكسه لأي سبب كان، لكن الوزير يخلط بين هذه الأهداف النبيلة، وبين مآربه الإيديولوجية الخاصة بحزبه وتياره الدعوي، وهي مآرب تتحقق في وسائل الإعلام في الإذاعة والتلفزيون من خلال البرامج الدينية، غير أن الوزير يسعى إلى اختزال دور الإعلام في هذا النوع من الاهتمامات، دون مراعاة لبقية المواطنين ولا لمجالات الإعلام الأخرى.

إن مشكلة الوزير هي مشكلة الإسلام السياسي عموما، أنه لا يستطيع التعايش مع سواه، وأنه لا يفهم تسيير الشأن العام إلا في إطار الوصاية والهيمنة والإقصاء. فما يدعو إليه الإسلام السياسي هو الحق المبين، وما يريده الغير ضلال وانحراف. وإذا كانت هذه الذهنية مسموحا بها في المجتمع لأنها تدخل ضمن حرية الرأي والموقف، مع ما قد تسببه من اضطرابات وفتن، فإنها لا يمكن أن تكون منطلقا لتدبير شؤون الدولة من مواقع القرار.

وعلى ذكر "الجيل الثاني من الإصلاحات" الذي يعتبر الوزير أننا نسعى إلى عرقلته فنحن نسأله قبل ذلك عن "الجيل الأول" من هذه الإصلاحات وعن مصيره، لأن كل الانتقادات التي وجهناها لوسائل الإعلام غير ما مرة، وكل النقائص التي تمّ رصدها، ما زالت مستمرة.

وعلى ذكر "الهاكا" نذكر وزير الاتصال بأن من حقه اللجوء إلى هذه المؤسسة طبقا للقوانين والمساطر المعمول بها، وليس هذا هو بيت القصيد، بل الأهداف المتوخاة من ذلك والتي ينبغي أن تكون متناغمة مع التوجهات الديمقراطية والإصلاحية المعلنة.

إننا لا نصادر حق الوزير في التعبير عن رأيه وموقفه، ولا في اختياره لأسلوبه في التسيير والتدبير، ولكننا بدورنا لنا حق التعبير عن رأينا في مواقفه وسياساته، ولا نسمح له بأن يعتبر مرجعيته الإيديولوجية إطارا عاما لتوجيه وتدبير قطاع الإعلام، لأن هذا القطاع لا يمكن أن يكون تابعا لحزب سياسي معين أو تيار بعينه، إذ من واجبه إرضاء جميع الأذواق والميولات والحاجات، وخلاف ذلك لن يكون إلا مثارا لصراعات وفتن نحن في غنى عنها.

ونذكر الوزير أنّ رأينا هذا مخالف تماما لما زعمه من أننا نسعى إلى "تنميط الإعلام"، لأن التنميط يتعارض مع رعاية التنوع وحماية الاختلاف الذي ندعو إليه، خلافا لمساعي الوزير الذي يسعى إلى فرض الوصاية الدينية والأخلاقية المتشدّدة على الإعلام كله، وجعله على نمط "القناة السادسة" و"إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم" اللتين يعتبرهما نموذجا، ونعتبرهما قناتين متخصصتين في الدين لا غير، ولا تمثلان نموذجا إعلاميا عاما