المكتب الوطني للكهرباء في أزمة، إذن هيا لننقذه من جيوب المغاربة. هكذا قال رئيس الحكومة وهو يوقع على عقد البرنامج الذي يصل غلافه المالي إلى 45 مليار درهم وسيمتد ما بين 2014-2017 والذي سيخرج مكتب علي الفاسي الفهري من أزمته المالية الخانقة.

فمن جهة ستساهم الحكومة بسبعين في المائة من هذا المبلغ، طبعا عبر اللجوء إلى الاقتراض من السوق الخارجية، فيما سيمول دافعو الضرائب من جيوبهم ثلاثين في المائة المتبقية من هذا المبلغ، أي 13.950 مليار درهم، عبر تحملهم للزيادة في الفواتير التي ستدخل حيز التنفيذ مباشرة بعد رمضان.

ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن لكل من سمع وزير الحكامة يقول إن الحكومة لجأت إلى هذا القرار حتى لا يضطر المكتب لقطع الكهرباء على الناس، هو لماذا سيعهد رئيس الحكومة لمسير فاشل كعلي الفاسي الفهري بتنفيذ خطة إنقاذ المكتب الوطني للماء والكهرباء.

إن الجريمة التي يجب أن يحاسب عليها علي الفاسي الفهري ليست فقط هي إيصال المكتب الوطني للماء والكهرباء إلى حافة الإفلاس بسبب تسييره الفاشل، وإنما تهديده لحرية مسيري 1400 شركة ومقاولة مهددة بالإفلاس بسبب عدم صرف الفاسي الفهري لمستحقاتها المالية منذ عشرة أشهر، مما يعرض هذه الشركات المتعاملة مع المكتب الوطني للماء والكهرباء للحجز على حساباتها وممتلكات مسيريها من طرف موردي السلع.

لذلك فالعمل الحقيقي الذي يجب الانكباب عليه الآن هو إصلاح الوضع المتعفن الذي تسبب فيه قرار إسناد تسيير المكتب الوطني للماء والكهرباء لفاشل كبير اسمه علي الفاسي الفهري، الذي لم يضع رجليه في هذه المؤسسة، منذ تعيينه على رأسها، إلا مرات قليلة.

الجميع بات يعرف أن سبب وضع علي الفاسي الفهري على رأس هذه المؤسسة الحيوية كان لمصلحة اللوبي الفرنسي، فالرجل يعتبر أحد «وليدات» فرنسا المرضيين والأكثر حرصا على مصالح شركات طاقتها العاملة في المغرب، خصوصا شركة «ألستوم»، التي بمجرد ما جلس فوق كرسي رئاسة المكتب الوطني للماء والكهرباء حتى وقع لها قرار إبراء الذمة وتسلم مشروع محطة «أفورار» الحرارية، رغم أن المحطة تعاني من اختلالات تقنية تتحمل الشركة الفرنسية مسؤوليتها وتسببت في توقف المحطة وضياع المغرب في حوالي 472 مليون أورو.

ولعل السبب الرئيسي، الذي كان وراء الإقالة الغامضة للمدير السابق للمكتب الوطني للكهرباء، يونس معمر، كان هو رفضه منح صك إبراء الذمة لشركة «ألستوم» الفرنسية بسبب عدم إكمالها محطة «أفورار»، ورفض يونس معمر تقديم المشروع ناقصا لكي يفتتحه الملك.

لقد جاء علي الفاسي الفهري إلى المكتب الوطني للكهرباء من أجل إنجاز مهمات محددة لمصلحة شركات عالمية كبرى لدى بعضها شراكات مع شركات مغربية محظوظة. ولعل أول «خبطة» أنجزها علي الفاسي الفهري بمجرد هبوطه بالمظلة على منصبه الجديد هي منحه صفقة الجرف الأصفر دون مناقصة لشركة «طاقة» الإماراتية بملياري دولار.

وإلى حدود اليوم، نجحنا في تسليم رقبة المغرب إلى الأجانب في مجالين حيويين هما الاتصالات والطاقة. وعوض أن يحتفظ المغرب لنفسه بإدارة هذين القطاعين الحيويين، باعهما من أجل صرف أموالهما على ميزانيات الإنفاق العمومي.
وكل مرة يشعر فيها الاقتصاد المغربي بالأزمة، يبيع قطاعا حيويا من قطاعاته. وهكذا، باع وزير الخوصصة السعيدي شركة «لاسامير» للسعوديين، مع أنها شركة تتحكم في قطاع حيوي بوسع فقدان التحكم في أسعاره أن يشل حركة الاقتصاد المغربي. وكان جزاء السعيدي على إنجاح هذه الصفقة هو تعيينه على رأس إدارة الشركة البترولية بعد مغادرته للحكومة، فأصبحت الشركة السعودية تجني الأرباح في تكرير البترول بينما سكان المحمدية يجنون الأمراض والعاهات بسبب التلوث القاتل التي تلفظه مداخن الشركة، وأطنان الرماد الذي تلقيه في البحر.

وبعده، باع بنهيمة محطة الجرف الأصفر للأمريكيين «بطاطا برطل»، ثم باعها الأمريكيون بأضعاف ثمنها للإماراتيين الذين يبيعون المغرب اليوم الكهرباء بـ«دقة للنيف». والأدهى من ذلك أن شركة «طاقة» الإماراتية التي دخلت البورصة مؤخرا لم تكتف فقط بمحطة الجرف الأصفر، وإنما طمعت في المحطتين الخامسة والسادسة لكي تتحكم في أربعين في المائة من سوق الكهرباء الذي يستهلكه المغرب. وعندما رفض يونس معمر أن يبيع المحطتين لشركة أبو ظبي الوطنية للطاقة بدون اللجوء إلى مزاد علني دولي، واعترض على السماح لها بإخراج سبعة مليارات درهم كأرباح في صيف 2008، دفع ثمن «قصوحية الراس» ووجد نفسه مجبرا على ترك مكانه ل»الرطيطب» علي الفاسي الفهري الذي فوت المحطتين إلى الشركة الإماراتية.

عندما نعرف أن المغرب يستورد 97 في المائة من حاجياته للطاقة من الخارج، نفهم أن الحكومة لا تتحكم في إنتاج الطاقة، رغم أنها تريد أن تعيش فوق «طاقتها».

وحتى ثلاثة في المائة من الطاقة التي ينتج المغرب يمثل إنتاج محطة الجرف الأصفر حوالي خمسة وسبعين في المائة منها. وهي طاقة يؤدي المغرب ثمنها، لأن المحطة لم تعد منذ سنوات في ملكه بعدما أصبحت في يد شركة «طاقة» الإماراتية. بمعنى أنه حتى ثلاثة في المائة من الطاقة التي ننتج نشتريها من محطة كانت في ملكنا وبعناها للأجانب.
لذلك فالتحدي الأخطر الذي يواجه المغرب والذي سيتفاقم بدون شك، هو مشكل الطاقة.

الكارثة أن المغرب رغم توفره على مؤهلات طبيعية كبيرة لإنتاج الطاقات البديلة فإنه لا ينتج الآن سوى واحد في المائة من حاجياته للطاقة من هذا المجال. ويرمي البرنامج المستقبلي إلى الوصول إلى تغطية عشرين في المائة من حاجيات المغرب للطاقة انطلاقا من الطاقات البديلة.

ويكفي أن نعرف أن المغرب يتوفر على معدل سنوي لضوء الشمس يتراوح بين 2.800 و3.400 ساعة، لا تفيد أغلبها سوى في إصابة المواطنين بسرطان الجلد وضربات الشمس. كما يتوفر المغرب على 3.500 كلم من الشواطئ القابلة للاستغلال كحقول لإنتاج الطاقة الريحية يمكن أن تزود المغرب بـ50.000 ميغاوات، لا نستعملها سوى لرمي مياه الواد الحار.

وعوض أن يكتفي رئيس الحكومة بمنح علي الفاسي الفهري 45 مليار درهم لإنقاذ مكتبه من الإفلاس، كان عليه أن يطلب من وزيره في العدل أن يعطي تعليماته للفرقة الوطنية لكي تفتح تحقيقا مع الرجل حول شركتين من تلك الشركات التي أسسها عبد الحنين بنعلو سنة 1990 وباع أسهمه فيهما سنة 2006.

وفي سنة 1990 أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية برنامجين لتطوير تصنيع الطاقة بالألواح الشمسية. هذان البرنامجان هما GEM أو «برنامج تسيير الطاقة في المغرب» الذي مولته وكالة التعاون الأمريكية USAID بغلاف مالي قدره تسعة ملايين دولار، وبرنامج PVMTI أو «برنامج تطوير المبادرات الشمسية»، بغلاف مالي قدره 20 مليون دولار، ممول من طرف الولايات المتحدة الأمريكية. وبمجرد تشمم رائحة هذين المشروعين الكبيرين، سارع عبد الحنين بنعلو، الذي كان آنذاك مديرا لمركز الطاقات المتجددة CDER، إلى تأسيس شركتين متخصصتين في مجال الطاقة الشمسية للاستفادة من المنحتين الأمريكيتين. ولأن علي الفاسي الفهري كانت تجمعه صداقة متينة ببنعلو منذ أيام مدرسة المهندسين بالرباط التي كان يشتغل بها مع هذا الأخير، مسؤولا عن الدروس التطبيقية، قبل أن يشغل منصب المسؤول عن التنمية داخل مركز الطاقات المتجددة، فقد أسس الصديقان الحميمان معا شركتين تحمل الأولى اسم sigmatch، أي «شركة الدراسات التقنية لمشاريع الطاقة الشمسية والألواح الشمسية وسخانات المياه»، فيما الثانية تحمل اسم sunlight، أي «شركة تنمية وتمويل المشاريع الفردية للألواح الشمسية». وهاتان الشركتان هما اللتان فازتا بصفقتي المشروعين الأمريكيين وتحملتا مسؤولية التوصل بالدراسات، حيث إن الشريكين أعطيا الانطباع بأن الدراسات أنجزت على أرض الواقع، في حين أنه لا يوجد أي أثر لهذه الدراسات أو المشاريع لا داخل الشركتين ولا على أرض الواقع. وبعد استنفاد الشركتين لدوريهما واستفادة بنعلو وعلي الفاسي الفهري من عائدات الصفقتين الأمريكيتين، باع الفهري أسهمه فيهما سنتين بعد تعيينه على رأس المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، فيما باع بنعلو أسهمه فيهما سنة 2006، وحينها كان قد جلبه الراحل مزيان بلفقيه من مركز الطاقات المتجددة إلى المكتب الوطني للمطارات. وإذا كان الجميع يعرف أين يوجد اليوم عبد الحنين بنعلو، فإن الجميع أيضا يريد أن يعرف مصير علي الفاسي الفهري.