بعض المسؤولين والوزراء وكبار المدراء يتصرفون مثل الأطفال الصغار تماما، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتغطية على فشلهم وقصورهم في تدبير القطاعات والإدارات التي أسندت إليهم مسؤوليتها.

وهناك مسؤولون لا يقدرون خطورة الكلام الذي يتلفظون به لتبرير فشلهم، وآخر مثال على ذلك ما قاله مندوب وزارة الصحة بعمالة مقاطعات عين السبع الحي المحمدي بالدار البيضاء، حين كان يتحدث حول فضيحة وضع سيدة لمولودها أمام بوابة المركز الصحي حي جمال بالدار البيضاء، أن الأم غير متزوجة وأنها تلد للمرة الثالثة.

ماذا كان يريد السيد المندوب أن يفهم الناس من هذه المعلومات الضافية التي أوردها بخصوص الملف الشخصي والطبي للسيدة؟

لقد كان يريد أن يقول إن هذه السيدة التي تعاطف مع قضيتها الإعلام وتداول مئات الآلاف الفيديو الذي تلد فيه بالمباشر أمام باب مؤسسة للرعاية الصحية، ليست سيدة شريفة وأنها امرأة شوارع، تحمل بعد علاقات جنسية غير شرعية وتضع أبناءها في الشارع مثل أية قطة.

وبالتالي فإن قضية وضعها لمولودها أمام باب المستشفى أعطي لها اهتمام لا تستحقه، فهي في النهاية امرأة غير متزوجة ولديها «سوابق» في الولادة.

ما نعرفه أن الأطباء عندما يؤدون قسم أبو قراط يلتزمون بتقديم المساعدة الطبية لأي مخلوق بشري بغض النظر عن ديانته أو جنسيته أو انتمائه. ولذلك فحديث سيادة مندوب وزارة الصحة، الذي يشتغل بالمناسبة تحت إمرة وزير شيوعي ينحدر من أيديولوجية حزبية تدافع عن الأمهات العازبات، عن الحياة الخاصة لهذه المرأة يثير حقا الاستغراب.

ولعل السيد المندوب أراد أن يغطي على قصور مؤسسات الاستشفاء التابعة له بالحديث عن الحياة الخاصة للسيدة التي وضعت مولودها أمام باب المركز الصحي الذي كان فارغا من أطره وطبيبه المداوم، حتى يحول الأنظار المصوبة نحوه إلى جهة أخرى.

تماما مثلما أراد أن يفعل علي الفاسي الفهري عندما رمى بكرة الاختلالات التي عرفها المكتب الوطني للماء والكهرباء إلى مرمى سلفه يونس معمر، خصوصا عندما قال، بعدما «تحل ليه الفم» وتأكد من أنه أفلت من المحاسبة بعدما ضخ بنكيران في ميزانية المكتب 45 مليار درهم، 15 مليون درهم سيدفعها المواطنون من جيوبهم على شكل زيادات في الفواتير سيتوصلون بها مع متم هذا الشهر، إنه غادر المكتب سنة 2001 في وضع جيد، وتركه يتمتع بفائض مالي، وإنه بعد عودته إليه سنة 2008 وجد أن وضعيته أصبحت صعبة.

يعني أن المدير السابق للمكتب الوطني للكهرباء هو سبب ما يعيشه هذا المكتب حاليا من عجز، وأن ست سنوات قضاها علي الفاسي الفهري على رأس هذا المكتب كانت فقط سنوات إصلاح الكوارث التي خلفها سلفه.

علي الفاسي الفهري لديه الجرأة لكي يلقي بمسؤولية الوضع المأساوي للمكتب الوطني للكهرباء على عاتق سلفه، لكن ليست له الجرأة لكي يعترف بما حدث تحت مسؤوليته في العيون في آخر أسبوع من رمضان.

فقد شهدت مدينة العيون والمدن المجاورة لها، كلميم السمارة بوجدور اخفنير، انقطاعا شاملا للتيار الكهربائي يوم الأحد الأخير من رمضان خلال صلاة التراويح حتى حدود الساعة الثالثة صباحك من يوم الاثنين. ولقد عرفت مدينة العيون أعمال الشغب وهجوما على بعض المقاطعات الأمنية.

والسبب يعود أساسا إلى صفقات مشبوهة آخرها أبرمها قسم الاستغلال مع شركة TDC بما مجموعه مليون و300 ألف دولار أمريكي، حيث أعطت هذه الشركة في المقابل قطع غيار فاسدة للمكتب الوطني للكهرباء.

أضف إلى ذلك أن الأسلاك التي تنقل التيار الكهربائي للضغط المرتفع إلى منطقة العيون وما جاورها هي الآن ومنذ أشهر خلت في أشدّ الحاجة الى أعمال الصيانة المبرمجة لكن، ونظراً لكون المولدات الكهربائية الخمسة توجد خارج الخدمة للأعطاب العميقة التي تعرفها، وبالتالي فإن المحطتين الحراريتين للعيون غير قادرتين على إنتاج حاجيات المنطقة من طاقة كهربائية تسمح بذلك قطع التيار الكهربائي للضغط المرتفع وتمكين فرق الصيانة من الاشتغال عليها.

وبما يجهل السيد علي الفاسي الفهري، الذي يوزع الأموال الطائلة على شكل إعلانات ملونة على الصحف في عز الأزمة، أن المحطة الحرارية للعيون تكتسي استراتيجية قصوى من الناحية الأمنية للبلد، أكثر من كونها فقط لإنتاج الطاقة الكهربائية. بحيث في حالة وقوع عطب لا قدّر الله في الأسلاك التي تنقل الكهرباء من طانطان الى تلك المنطقة، مع عجز المحطة الحرارية بالعيون عن القيام بمهمتها في هاته الحالة وذلك بتزويد المنطقة بالطاقة الكهربائية اللازمة فإن انقطاع التيار الكهربائي عن كل تلك المنطقة سيكون هو النتيجة، وهذا بالضبط ما حدث خلال الأسبوع الأخير من رمضان. ولنا أن نتصور ماذا يمكن أن يكون رد فعل الانفصاليين الذين يشتغلون بحرية من أجل خلق الذعر والهلع في صفوف المواطنين.
فهل المدير العام السابق يونس معمر هو المسؤول عن هذه الانقطاعات الشاملة في التيار الكهربائي بالأقاليم الصحراوية؟
ويبدو أن ظاهرة إلصاق التهم بالمدراء السابقين للهروب من تحمل المسؤولية أصبحت رياضة وطنية في المغرب، فعندما زار وزير الداخلية مطار محمد الخامس ووقف بنفسه على الاختلالات الأمنية الخطيرة التي يعرفها المطار، كانقطاع التيار الكهربائي، وتعطل المصعد المخصص للضيوف الكبار، وغياب السور الواقي المطل جهة غابة بوسكورة حيث مدرج نزول الطائرات، لم يجد بعض مسؤولي المكتب الوطني للمطارات سوى تعليق الجرس في رقبة المدير الأسبق عبد الحنين بنعلو الذي يوجد في السجن.

وكأن دليل كندوز المدير العام السابق أو المدير الحالي محمد العوفير ليست لديهما أية مسؤولية في هذه الاختلالات الخطيرة التي يعرفها مطار محمد الخامس، وهي الاختلالات التي دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إرسال خبراء لتفقد شروط السلامة والمراقبة في المطار لتفادي تسلل إرهابيين إلى أراضيها عبر بوابة مطار محمد الخامس.

إنه لمن المخجل أن يحصل انقطاع في التيار الكهربائي داخل أول مطار في المملكة، وإنه لمن المخجل أن يتعطل السلم الكهربائي الخاص بالضيوف الكبار، وأن تكون أرضية المطار «مترعة» أمام كل من فكر في دخول المطار.

إن أخطاء مثل هذه لا تستوجب محاسبة المسؤولين عليها فقط بل محاكمتهم، لأنها أخطاء تهدد سلامة البلاد وسمعتها أمام العالم.

عندما يعود الواحد منا من إحدى الدول الخليجية أو الأوربية يكتشف أن مطار محمد الخامس ليس سوى محطة طرقية لا تختلف عن «القامرة» سوى في الحجم. فالحمالة بكراريسهم يقفون بانتظار المسافرين أمام الأدراج الكهربائية، ومكيفات الهواء لا تعمل والجو ثقيل وعوض أن يعلقوا اللوحات الإلكترونية التي تعطي المسافرين المعلومات التي يحتاجون إليها تكتشف أنهم يعلقون في الرفوف منتجات العطرية والصناعة التقليدية، مع أن مكان ذلك هو المحلات وليس جدران المطار.
أما عندما تدخل المراحيض، على قلتها، فعليك أن تقف في الصف بانتظار دورك، وإذا لم تطلب «الكاغيط» مسبقا من المنظفات «بقيتي بلاش».

والمضحك أنك عندما تصل إلى حاجز شرطة المطار تقرأ لافتة صغيرة مكتوب عليها «ابتسم أنت في المغرب»، علما أن الذي يجب أن يبتسم هو الشرطي الذي يطبع الجوازات بعصبية بسبب طول ساعات العمل وليس أنت. «بنادم واصل مصهوط تالف ليه النص فحوايجو ومعطل بنص نهار ومن الفوق خصو يفرنس».

كل الدول التي نجحت سياحيا، مثل إسبانيا التي استعادت الرتبة الأولى عالميا في السياحة بعدما أخذتها من فرنسا، راهنت على مطارات بمعايير دولية، ومطار «براخاس» بمدريد أكبر شاهد على هذا الاستثمار السياحي الذي بدأ يعطي أكله.
لذلك فقد كنت دائما أقول إن أول شيء يجب التفكير فيه لإنجاح مشروع القطب المالي للدار البيضاء هو بناء مطار دولي جديد يقطع مع منطق «اللقيج» الذي عرفه توسيع مطار محمد الخامس.

الدار البيضاء تحتاج إلى ميناء دولي ومطار دولي ومحطة طرقية دولية، وكل من يعتقد أن تحويل الدار البيضاء إلى قطب مالي واقتصادي وسياحي بدون هذه المشاريع الثلاثة فحاله سيكون مثل حال من يسكب الماء في الرمل.