الزهرة إبراهيم - مكناس / جديد أنفو

الجموح الأول

القلم ومايسطرون

القلم كما المُهَنَّد، كما الخيل، لم يٌخلق لينكسر.. أو لينحني.. أو يسكب حبره رخيصا... القلم خُلق في البدء لِيَخُطَّ الحقائق والمصائر.

لكن ما كل الأقلام سواء!

مِنَ الأقلام ما بجرَّتها أغرقت البشرية في مستنقع ويلات لا قرار لها: حروب، وخيانات، وتواطؤات، ونهب لخيرات الخلق ومقدراتهم المادية والرمزية...

ومن الأقلام ما غير وجه التاريخ الإنساني، ورسم له طريقا نحو العدالة، والحرية والكرامة، والمحبة!

للقلم أسطورته...

بدءا، أنوه إلى أن الأسطورة ليست هي الخرافة أو القصة الكاذبة كما يعتقد كثيرون!

الأسطورة هي حكاية وقعت في الزمن الأول.. زمن البدايات (انظر كتابات مرسيا إلياد حول الأسطورة)

يرى د. محمد عجينة في كتابه "موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية ودلالاتها" أن القلم يَرِدُ ضمن أول المخلوقات، في هذا التصور الثقافي الذي اختلفت تأويلاته حول أساطير الخلق والأصول. فمن قائل بأن الماء هو أول الخلق (الطبري)، ومنهم من قال بأنه النور والظلمة (وهب بن منة)، ومنهم من قال بأنه العقل (الحسن البصري).

وتُنسب إلى ابن عباس الأسطورة التي تحكي قصة الخلق الأول:

« وأول ما خلق الله من شيء القلم، فقال له: اكتب.

فقال: وما أكتب؟

قال: اكتب القَدَر.

فجرى القلم بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة...» (المرجع المذكور- الجزء الأول- دار الفارابي- بيروت، لبنان- الطبعة الأولى، 1994- ص ص 116-136 )

القلم الرباني تمت مطالبته بكتابة كل شيء، وبما هو كائن، منذ الأزل حتى الأزل. من هنا يحوز هذا القلم قُدْسَتَهُ، قلم لا ينطق بغير الحق.

القلم البشري دنيوي أي مدنس، لكنه يهفو نحو الكمال والمثال، قلم ينبغي أن يُخْلِصَ، في ظلال القلم الرباني، إلى تكريس الخير، وتدبير عالم مشحون بالمزالق للسير به نحو الأفضل. قلم لرصد ذبذبات الانحدار، والتجرؤ على قراءة هذا الكشف الدماغي أو القلبي للظواهر العليلة.. تحديدا، في مغربنا العميق، مغرب الخلفية المعزولة، في المدن كما في القرى والمداشر، عن الواجهة المزينة لعرضها أمام العين الأجنبية التي تراقب دون كلل أو ملل... لكن هذه العين النفَّاذة، تعرف أكثر منا حقائق المغرب العميق، وكثيرا ما وظفت هذه الواجهة المخادعة لمحاكمتنا، وفضح نفاقنا.

لكن، ليكون القلم البشري بمثل هكذا مواصفات، سيصير وبالا على مُتَقَلِّدِهِ، لأن الأبجديات التي ستنسكب من جوفه لن تكون إلا جامحة، ونافرة، ورافضة لواقع ينز جروحا، لكن ثمة أقلام فيه ترسم له، بأبجدياتها اللعوب المراوِغة، وجها بشكل البدر، وتُضَوِّعُه بأريج الخزامى لغاية وحيده هي تغيير الوجه الحقيقي للأشياء والأحداث، إن لم نقل مسخها (Métamorphose) ولتداوم تكرار أغنية ممجوجة: "المغرب بخير".

"أبجديات جامحة": ميثاق شرف بيني وبين قارئ هذا العمود، لأنني حين قبلت الدخول في تجربة الكتابة الصحفية الرقمية، خدمة للزوايا المظلمة في مغربنا العميق الذي ننتمي إليه بوجداننا وبمسؤوليتنا المواطِنة، كنت أعي جسامة هذا الاختيار، لأنني لم أتعود قول الأشياء إلا كما هي... وكما ينبغي أن تكون.

وقبل أن أتوقع لقراء هذا المنبر عاما جديدا بمشاريعه التي أتمناها سعيدة للجميع، أقول: ماذا تحقق للمغرب العميق سنة 2013؟ ما هي الحصائل المنجزة في مجالات البنى التحتية التي لا زالت تكرس، بهشاشتها وبطء إنجازها، مقولة "المغرب غير النافع" الذي سيكون من الهدر ربطه بشبكة الطرق السيارة، وسيكون من التبذير فتح بعض مطاراته للرحلات العامة لا سيما في وجه مغاربة المهجر؟ وماذا عن مخططات الصحة والسكن والتعليم بشقيه المدرسي والمهني؟ وماذا.. وماذا؟

تهل سنة 2014 تحمل عبر هذا العمود، كل الحب لكم ولمغرب لا نريده إلا سليما، ومتقدما، ورائعا... ورفقة "أبجدياتي الجامحة" لن أرسم لكم وللوطن الحبيب إلا الصدق والحب والخير.

 

دمتم وسلمتم.