ثلاثة أيام بلياليها والطوفان يضرب في جنوب المملكة ويكشف عورة تجهيزات وزير التجهيز المهترئة، ومع ذلك لم نر رئيس الحكومة يعطي ندوة صحافية يشرح فيها ماذا فعلت أو ستفعل حكومته لإنقاذ أرواح الناس. 
إنهم مشغولون بالأهم، فهم يعدون العدة للمعركة الحاسمة التي بدأت طبولها تدق منذ مدة.
إنهم معذورون، هؤلاء الوزراء المساكين، فهم ينتشرون نهاية كل أسبوع على الجهات الأربع للمملكة لإلقاء خطبهم الرنانة وحشو آذان مستمعيهم بالوعود، وليس لديهم الوقت لسماع الشكاوى، فقد قضوا نصف أعمارهم في مقايضة الشكاوى بالأصوات وهم اليوم يريدون أن يعيشوا عيشة «الألبة» عوض عيشة «الدبانة فالبطانة» التي كان يعيشها أغلبهم.
اليوم جاء زمن الفيلات في منتجع الهرهورة، والأكل في فنادق الخمس نجوم بالشوكة والسكين عوض زلايف البيصارة وركوب الطائرات الخاصة عوض الكونغو. 
أينك يا وزير الطرق والقناطر لكي ترى كيف جرفت المياه قناطرك منذ السيل الأول كما لو أنها مبنية بالخنونة وليس بالإسمنت المسلح، أينك لترى كيف طوت المياه الطرق كما كنت تطوي البطبوط وتأخذه نحو فمك في صور البيصارة التي كنت تنشر. فها هي البيصارة الحقيقية قد حلت بالجنوب الجريح والمقصي من تجهيزات وزارتك التي تعرف جيدا أين تذهب بها.
أينك يا علال قاهر القواديس لكي تأخذ الكار وتذهب إلى أرفود وزاكورة والرشيدية وتزنيت وأوريكة لكي تسرح  قناطر وزارة التجهيز التي اختنقت وانهارت مثل قطع لعبة ليكو.
وزيرنا في التجهيز مشغول بإعطاء نصائحه البائخة للمغاربة، فهو أسوة بزميله «يتيم في العيد» الذي طلب من المغاربة أن يسافروا في ذواتهم خلال العطلة قبل أن نكتشف أن ابنه يسافر كل أسبوع إلى كازينوهات مراكش للعب القمار، يطلب من المغاربة التخلي عن سياراتهم إذا قهرتهم الزيادة في ثمن الكازوال، وإذا كان ولا بد من استعمال السيارة فسعادة الوزير ينصحكم بالاستعمال المشترك لسيارات بعضكم البعض. 
هم يتناوبون على المقاعد الوزارية ويركبون أفخم السيارات على حسابنا ونحن عندما نشتكي من حماقاتهم يطالبوننا بالتحلي بالصبر وبالتناوب على سيارات بعضنا البعض. والحمد لله أنهم اكتفوا بالسيارات ولم يطلبوا منا أن نشرك بعضنا البعض في أشياء أخرى.
أينك يا رئيس الحكومة لكي ترى الشاحنات وسيارات الأجرة تلعب السورف فوق أمواج الوديان الهادرة التي انجرفت من حولها الطرقات وانهارات من فوقها القناطر.
مسكين رئيس حكومتنا، فهو أولى بالتضامن والعطف من عائلات الشهداء والمفقودين في مجاري وديان مغربنا العميق، ألم تسمعوا الخبر الرهيب الذي تناقلته المواقع الشقيقة والصديقة؟ لقد كاد رئيس حكومتنا أن يموت عندما هبت ريح شريرة وكادت تطوح بالطائرة التي كانت تقله نحو وجدة لكي يلتقي بإخوانه في الحزب الذين يعدون العدة لمعركة الشرق الانتخابية. 
ريح شريرة نفثها عفريت من تلك العفاريت التي يخشاها بنكيران في وجه الطائرة المباركة التي كانت تقله، لكن نية بنكيران الصافية ردت ريح العفريت على أعقابها خاسئة واستطاع أن يحل ببيت مضيفه بوجدة الذي أعد على شرفه وليمة باذخة، تلذذ سعادته بأكلها فيما عائلات ضحايا الطوفان تتضور ألما بسبب فقدان ذويها وبسبب هذا الاستخفاف والإهمال الذي أظهره وزراء حكومتهم المنشغلون بالإعداد لحملاتهم الانتخابية الموعودة. 
لكن لا عليكم، فمجرد نجاة رئيس الحكومة لوحده خبر سعيد يستحق أن يكون يوم عيد لنا أجمعين.
ولولا أن عمر رئيس حكومتنا طويل لحدثت الكارثة، لذلك يجب علينا جميعا أن ننسى أخبار البسطاء الذين جرفت جثثهم الأنهار والسيول، وأن نحمد الله ونشكره لأنه تعالى أحاط رئيس حكومتنا بألطافه وأنجى طيارته من السقوط، تماما كما أنجى مصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم بنكيران من الغرق في تزنيت التي ذهب إليها مع وزير البيصارة لكي ينشطا هناك لقاء حزبيا، بصفتهما الوزارية كما تقول ذلك اللافتة اليتيمة التي علقوها على جدار المؤسسة التي احتضنت اللقاء.
الآن أصبحنا متيقنين أن ما قاله بنكيران من كون حزبه هدية من السماء إلى المغاربة صحيح، وها هو الدليل أمامكم، بنكيران تعصف بطائرته ريح صرصر عاتية ومع ذلك تهبط به الطائرة بردا وسلاما دون أن يمسها أذى. 
وها هو الخلفي، تلميذ بنكيران النجيب مخترع الدفاتر وعدو مواخير المسلسلات المكسيكية الذي لا يحب عروض الأزياء ولا يستطيع مع ذلك منع زوجته الموظفة في ديوان الوزيرة حقاوي من حضور أحدها حول القفطان بمراكش، ها هو ينجو بدوره من الموت غرقا في السيل الذي خسف بتزنيت وقطع عنها الطريق. فقد ورد عليه خاطر فجأة جعله يؤجل قليلا سفره، فكان ذلك سبب نجاته من الهلاك كما وقع لأحمد الزيدي تحت قنطرة قطار الرباح.  
فهم يريدون أن يقنعونا أن عين الله تحرسهم من دون الخلق والعناية الربانية تحيطهم بألطافها، إلى درجة أنهم يتنبؤون بموعد حمل الأنهار وساعة هبوب الرياح الهوجاء. إنهم أولياء الله الذين لا يليق بأحد معاداتهم ولا مؤاخذتهم لأنهم لا يخطئون ولا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم، رغم أنهم يأكلون البيصارة ويمشون في الأسواق.
إنهم ببساطة يقولون لكم أن ما يهمهم ليس شيئا آخر سوى نجاتهم ومصلحتهم ومصلحة حزبهم، وبعد ذلك ليأت الطوفان وليجرف الجميع إذا أراد.