عبد العالي حبران / جديد أنفو

تكتسي الأخلاق باعتبارها مفهوما وظاهرة أمبريقية أهمية بالغة، لكونها ترتبط بالمجتمع ومختلف الرهانات المحايثة له ،سياسية كانت أم اقتصادية ومنذ أن وطأت قدما بني آدم الأرض والأخلاق احتلت مكانة متميزة وفريدة .يعكس ذلك بجلاء حجم المؤلفات التي ألفها المفكرون والفلاسفة والعلماء حول ذينك الموضوع.فلماذا مركزية الّأخلاق في الحياة الإنسانية؟       

إن الإنسان باعتباره ذاتا عاقلة ،حرة وفاعلة ،لا يمكن إلا أن يكون كائنا أخلاقيا لأنه لا يملك إلا أن يكون كذلك . فمنسوب الأخلاقي فيه قد ينعكس- سلبا أو إيجابا-على ذاته وعلى مستوى المجتمع ومصائر أفراده.فلا غرابة أن نجد شاعرا من طينة "أحمد شوقي" ينزل الأخلاق منزلة العلة الوجودية بالنسبة للإنسان عندما يقول:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.....فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

هاهنا لا تحضر الأخلاق فقط، باعتبارها جوهر كينونة الإنسان، فهي التي تحدد وجوده وصيغة ذالك الوجود، وحتى أبعاده ومدى امتداده في الزمن أيضا.فكل مجتمع يتطلب مبادئ أخلاقية تؤطر آلية الاشتغال داخله ، وهي مبادئ لا يمكن أن تستمد شرعيتها إلا من داخل العقل الإنساني الذي بدوره لا تكتمل إنسانيته إلا إذا أدرك، وبشكل مطلق، أنه كائن أخلاقي، عاقل، يتحرك وفق نسق دقيق من المبادئ والقوانين.فأزمة القيم التي صارت ملازمة لعصرنا  ماهي سوى نتاجا لفقدان البوصلة الأخلاقية .تلك هي الرسالة التي قرأها الفيلسوف كانط قراءة استشرافية حينما نبهنا إلى أن" نمط عيشنا اللا عقلاني مصيره أن يدمر نفسه بنفسه ".فلم يعد للأخلاق بريقها الذي يشكل الماهية الإنسانية .وذلك مرده إلى الاجتياح البراغماتي الذي تعرض له العقل الإنساني فجرده بشكل تدريجي من روحانيته .. فالأخلاق بماهي مبادئ وقوانين إنما تتسع رقتها وتضيق بحسب ضيق أواتساع وزيادة منسوب الروحانية فيه .فالظلم والجور ويبس المشاعر والجشع الذي طال العلاقات الاجتماعية وكل العلل التي تنخر كيان المجتمع .إنما هي نتيجة مباشرة للفقر الروحي الذي يغذيه وهم الحرية المطلقة .الذي تحول إلى كابوس العصر نظرا للنتائج السلبية المترتبة عنه في مختلف المجالات .لأنه كابوس أطلق العنان للذات لتتصرف وفق ميولاتها وأهوائها وهو التصور الذي حاول وول ديورانت  خلخلته في -قصة الفلسفة-  بتنبيهنا إلى"أن الحرية الحقة تكمن في سيطرة العقل وفاعليته.إنها التخلص من أغلال العواطف العمياء التي لا تسترشد بهدي العقل" .

إن جنوح البعض إلى التغاضي عن الأخلاق ،والركمجة على أمواج الحداثة بما هي نتاج القالب الغربي ، يشكل سباقا نحو الانهيار القيمي.لأن الأخلاق عصب الحياة الإنسانية وإذا مااستأصل استأصلت شأفة الإنسان من الوجود لأنها بتعبير الفيلسوف طه عبد الرحمانهي "مابهيكونالإنسانإنسانا"إذهي التي تعرج بالإنسان إلى المستوى الذي يليق بإنسانيته.إنها إشارة تلقفها العقل الغربي خاصة مع هابر ماس وألان توربن حيث تنبهوا إلى مخاطر الحداثة الغربية فتعالت أصواتهم بضرورة الحاجة الماسة "لاستعادة الضمير الأخلاقي للحداثة".فهل نركن نحن إلى الأصوات التي انغرست في وحل الإديولوجيا تنهل منها أفكارها وأدبياتها التي تقوم على الدعوة وبشكل صريح إلى التخلص من القيم الأخلاقية  تحت ذرائع  الحداثة ،التحرر... ؟

لقد حاول المفكر الراحل المهدي المنجرة التنصيص على مركزية الأخلاق في أي نهضة حضارية ،ولذلك تجد في ثنايا مؤلفاته :أن القيم تشكل قطب الرحى في أي عمل نهضوي متكامل. فعجلة التنمية الاقتصادية والسياسية وكذا الثقافية ومنظومة العدالة وكل مايمكن أن يسهم في تحقيق إقلاع حضاري لأمة ما ،كل ذلك ،لايمكن أن  يثمر ويكتمل صرحه ،إلا إذا كانت الأخلاق  منطلقا وأساسا له. وهي أخلاق تمتح من العقل وتغترف منه ،باعتباره ملكة تنسحب حصرا على الإنسان دون غيره من الموجودات الأخرى.وإنه لأمر محبط أن تجد من يسعى لتحييد الأخلاق عن المجالات الحيوية الأنفة الذكر بدعوى أنها قلاع محصنة بمنطق السوق والرأس المال.أو بدعوى الماضوية والتقليد.