يسدل المنتدى الدولي الثاني لحقوق الإنسان ستاره على أرض المغرب الكبير  بعد أربعة أيام من الندوات والورشات والتكوينات والمرافعات ...عرس حقوقي نظمته الدولة المغربية عبر ذراعها الحقوقي المتمثل في المجلس الوطني لحقوق الإنسان ... مهرجان "ناضل" المغرب لانتزاع حق استضافته ودعت إليه الدولة شخصيات عالمية من القارات الخمس إضافة إلى شخصيات وهيئات حقوقية وغير حقوقية مغربية لمناقشة وضع حقوق الإنسان بالمغرب وفي العالم ..هناك من ذهب ونيته صادقة لمناقشة الوضع الحقوقي الدولي والوطني ، وهناك من انتهز فرصة السياحة الراقية التي توفرها الدولة بالمجان فشد الرحال إلى هذا "العرس" هو وعياله، وهناك من ذهب لكسب التجربة والتواصل مع باقي الفاعلين في المجال الحقوقي .

وبما أن المغرب راكم تجربة "غنية" جدا في تنظيم المهرجانات الدولية في الموسيقى والسنيما والرقص والطبخ وأشياء أخرى فإن رصيده هذا أسعفه في إنجاح  تنظيم المنتدى بحسب التقديرات الرسمية طبعا ، وذهب الضيوف وهم راضون عن المأكل والمشرب والمبيت والترفيه الذي رافقهم طيلة مدة "الاشتغال"..ولم يكن ينقص سوى التعبير عن إعجابهم وإشادتهم بالمنسوب المرتفع لحقوق الإنسان بالبلد المضيف ليكون المهرجان قد حقق الغاية من إقامته ، وليبتهج المجلس الوطني بإنجازه ويرفع شارة النصر مهللا بنجاح مهمته في إسقاط الصورة الملطخة للمغرب في مجال احترام حقوق الإنسان وبالتالي إعادة تكوين ملف حقوقي بمعايير الدولة المغربية ...ملف لا تشوبه شائبة ويُفند ما يستنكره "العدميون وأعداء الوطن وعملاء الأجندات الأجنبية" من انتهاكات تمس المغاربة في قوتهم اليومي وفي كرامتهم وحريتهم ومستقبل أبنائهم ...لكن للأسف ، الضيوف كانوا ناكرين للجميل ولم يسعفهم "الضمير الحي"  في نفاق الدولة المضيفة.

لو كانت نية الدولة المغربية فعلا صادقة في الانخراط الفعلي والجاد في بناء صرح العدالة الانتقالية كما صرح بذلك السيد الصبار أكثر من مرة لما كانت بحاجة لتوظيف كل هذه الملايين في تنظيم منتدى بهذا الحجم والذي كان أقرب إلى معرض للمنتوج السياحي المغربي منه إلى لقاء للتداول بشأن وضعية حقوق الإنسان ومحاولة إيجاد سبل كفيلة للارتقاء بها   ...لما كانت بحاجة للتعاقد مع متعهدين ومنهم شركات عملاقة هي أول من ينتهك حقوق العمال ويضرب بمطالبهم عرض الحائط !!! 

لم تكن الدولة في حاجة إلى كل هذا، فالأمر بسيط جدا، كان عليها لإثبات حسن نيتهافيما تصرح به أن تدرك بأن المواطن المغربي ينتظر منها السهل الممتنع :

_أن تنظر في قضية تشغيل الأطفال في أعمال تهلك صحتهم وتقضي على مستقبلهم ...أن تعالج الأسباب التي تجعل طفلا يغادر مقاعد  المدرسة في سن الثامنة ليلتحق بالمدابغ وورشات الميكانيك والنجارة وبالبيوت بالنسبة للإناث ليشتغلن كخادمات مقابل أجور مخجلة ..

_أن تسائل المسؤولين عن نعي التعليم المغربي وحرمان المواطن البسيط من حقه في تعليم عمومي بجودة تبني الإنسان وتضمن له العبور الآمن نحو المستقبل...

_أن تعيد ثقة المواطن البسيط في المستشفيات العمومية وتفتح له أبوابها للتطبيب لا للتعذيب والإهانة أو الموت بين أجنحتها

_أن تضمن له كرامته بين أروقة الإدارات العمومية وأقسام الشرطة حتى لو دخلها مذنبا..

_أن تمنع استغلال النساء والرجال  في معامل العار وفي الضيعات الفلاحية الأقرب إلى "وسية" تُسَيَّرُ وفق ثنائية العبد والسيد

_أن تجلد المسؤولين عن قتل أحلام الشباب الذين فضلوا الارتماء في أحضان الموج وتقديم أنفسهم قربانا للحيتان بدل البقاء في ظل دولة تُنكر على المواطن حقه في الشغل والعيش الكريم

_أن تُسائل المسؤولين عن نمو أحزمة الفقر واتساعها على هوامش المدن وفي قرى المغرب المنسي ...المسؤولين عن جيش المتسولين وأطفال الشوارع والمعطوبين الذين يتخذون من الأرصفة والبيوت المهجورة وتحت القناطر مأوى لهم..

_أن تحارب الرشوة المتغلغلة في مفاصل القضاء المغربي الذي يتحرش بجيب المواطن ويذبح حق البسطاء في العدالة بدل أن يُحييها...

_أن ترى أبعد من الحاضر وتوقف نزيف البيئة التي يستنزفها كل من يجعلون من تنمية رصيدهم البنكي أولوية الأولويات ولتذهب الأرض ومن عليها إلى الجحيم...أن تحمي حقنا المشترك في الموارد الطبيعية وحق الأجيال القادمة في تربة حية وشربة ماء نقية

_أن تفك قبضة الفساد المالي على عنق الاقتصاد المغربي الذي أصبح يُسيَّرُ ب "قوانين" المافيا لا بنظم وتشريعات وضعتها دولة ينص دستورها على ربط المسؤولية بالمحاسبة وعلى الشفافية والحكامة

_أن توقف إهدار المال العام وتبذيره في مشاريع لا تجلب إلا الخراب والموت للمواطن المغربي..

_أن تضيق الهوة العميقة بين فآت المجتمع المغربي التي تتسع وتتعمق يوما عن يوم بسبب الجشع والغياب شبه التام للقانون وتخلق آليات تضمن بقاء الطبقة المتوسطة على قيد الحياة وتحميها من التآكل والانقراض

_أن تُعيد ثقة المغاربة فيالسياسة والسياسيين بعدما تكفل جماعة من المقاولين والسماسرة والوصوليين بتحويل الساحة السياسية المغربية إلى سيرك رديء وإلى حلبة صراع على المصالح المادية والمناصب التي تحمي أملاكهم وتورث الكرسي لذريتهم

_ أن تقف في وجه "العفاريت والأشباح" الذين يضيقون الخناق على حرية التعبير والتظاهر وحرية تأسيس الجمعيات والأحزاب التي ترفض تقديم فروض الولاء والطاعة.

_ أن تقف في وجه المخزن العتيق الذي لا يزال يشتغل بآلية تلفيق التهم والاعتقال السياسي كمنهج لتصفية الأشخاص "الضالين"  وتفكيك الهيئات والتنظيمات الحقوقية المغضوب عليها ..

كان على الدولة المغربية أن تضمن وتدافع عن جودة الحياة نفسها على أرض المغرب وبكل ما يعنيه هذا التعبير لتتكلم بدلا عنها الأرقام والمعطيات والشهادات

مهما اتسع المجال هنا فإنه يضيق على سرد كل المجالات التي على الدولة أن تتدخل فيها لطي صفحة الانتهاكات التي تفسد المشهد الحقوقي المغربي وطنيا ودوليا وتحاسب المسؤولين عن هذه التجاوزات التي رهنت مستقبل المغرب والمغاربة للمجهول..الشعب كان ولا يزال وسيظل يطمح إلى أن تعترف الدولة بحقوقه ومواطنته وتفسح المجال لتزهر أحلامه لا أن تنصب محكمة تكون فيها هي المُتَّهَمة والمترافعة عن نفسها والقاضية بنفي الإدانة عنها وإصدار حكم البراءة لصالحها أمام المنظمات والهيئات الدولية التي لم تقتنع لا بالمرافعة ولا بالحكم ، لأن الواقع الذي تعاينه والأرقام التي تطالعها كفيلة بإثبات فشل حقوقي على جميع المستويات....