رحل الحكيم و غيبت الموت حكيما من حكماء حزب العدالة و التنمية، و خسر الوطن رجلا نبيلا و متواضعا، تلك بعض ما تداولته ألسن المغاربة بُعيد وفاة وزير الدولة في حكومة عبد الإله بنكيران المرحوم عبد الله بها.

الموت قدر محتوم فوق الجميع، إذا بلغ الأجل و أراد الله فالموت حق لا يستشير العباد في موعده. و إذا كنا جميعا متفقون و مؤمنون بالقضاء و بالقدر فرحيل الفقيد عبد الله بها قدر لا يحتمل المزايدات.

بعد الحزن على رحيل الرجل الهادئ الحكيم أثارتني شدة الحزن الذي خيم على وجوه من عرفوه من قريب و من بعيد و من عاشروه و من سنحت لهم الفرصة للقائه و سماع مواعظه و حكمه التي كانت في غالبها دقيقة و بالغة الأهمية و كذا هيبة جنازته و كل هذا تجسد من خلال شهادات كل الذين عبروا عن رأيهم في الرجل إبان تأبينه و كذا تفاعل الشارع المغربي على إثر فاجعة موته. هذا الزخم من الكلمات و التعابير التي قيلت في حقه دفعني للتساؤل عن دور و حكمة الراحل و و هدوئه و حاجة المشهد السياسي المغربي لأمثاله في زمن طغى عليه الصراخ و الجعجعة و العويل و كل أشكال التهريج الذي يعتمد على الهجوم اللفظي و اللغوي باستعمال ألفاظ نابية في بعض الأحيان لا تليق بالممارسة السياسية النبيلة و الهادفة التي نحلم بها كمواطنيين غيورين على صورة بلدهم و مكانته على الصعيد العالمي.

للرجل خصال لا يمكن إنكارها حتى ممن لم يعاشروه عن قرب، فمجرد متابعة أنشطته الحكومية و الحزبية تعطي انطباعا بأن للرجل حنكة قل نظيرها و تظهر بالملموس أن الممارسة السياسية التي كانت تميزه لا تحتاج في عمقها لمن يهاجم و يخيف بطريقة حديثه و استعماله لقواميس "سوقية" و للسب و الشتم و تبادل اللكمات اللفظية مع خصومه للوصول إلى أهدافه، و إنما تحتاج لمن يتقن فن الحوار و تغليب ثقافة النقاش و الإستماع للآخر و محاولة تقريب وجهات النظر ما دام الهدف الأسمى واحد يبتغي تحقيق المصلحة العامة بعيدا عن خدمة مصالح سياسيوية و شخصية ضيقة.

ففي يوميات الممارسة السياسية بالمغرب لا يمر يوم دون أن نسمع عن زلة لسان و انزلاقات لفظية لسياسيينا في حق منافسيهم و في حق الوطن والمواطنين، الأمر الذي يقوي يأس المغاربة من السياسة و تذبل انتظاراتهم من المستقبل السياسي لبلادهم، و هو أمر ستكون لا محالة نتائجه وخيمة على المستقبل الديموقراطي لبلادنا الذي طال انتظار تكريس معالمه و تمظهراته مع أن تدشينه تم منذ زمن طويل. و رغم التعثرات و الإختلالات التي تعتري المشهد السياسي المغربي فالمغاربة قاطبة و هم يفقدون رجلا هادئا و حكيما كالراحل عبد الله باها يتحسرون على خسارته و خسارة أمثاله ممن يلعبون أدوار الحكماء و العقلاء في أحزابهم على وجه الخصوص و في الممارسة السياسية ببلادنا بصفة عامة في الكواليس بعيدا عن جعجعات و شعبوية من يحتلون بأبواقهم الإعلام المغربي.

لقد أكد رحيل السيد عبد الله بها بما لا يدع للشك مجال بأن المغاربة يحتاجون لحكماء سياسيين يُغٓلبون لغة الهدوء و الحكامة السياسيين في تعاملهم مع بعضهم البعض و في تعاملهم مع المواطنين قاطبة و أكدت كذلك عبر التأثر الكبير الذي أبدوه و هم يتابعون حيثيات موته أنهم يفضلون رجالا يشتغلون في صمت و يسعون لإنجاح تجربتهم في خدمة الوطن برزانة سياسية تجمع بين الحنكة السياسية من جهة و الحوار و التعاون مع مختلف الفرقاء السياسيين أغلبية كانوا أو معارضة في إطار هادئ يغلب عليه طابع التعاون لا الصراع و المواجهة المتوحشة.