أثار الفيديو السيئ الذكر للمسمى عبد الحميد أبو النعيم موجة من السخط لدى فئة عريضة من المغاربة.  ليس بالضرورة تعاطفا مع الضحايا المستهدفين٬ وإنما بالمستوى غير المسبوق لحدة التهجم على شخصيات عمومية٬ بتعابير اقل ما يقال عنها أنها لاحضارية ٬تفتقر إلى اللياقة٬ ولا يجوز أن تصدر عن أي مواطن يحترم نفسه٬ فبالأحرى عمن يدعي أنه حريص على الإسلام و الشريعة .لقد سقط المعني بالأمر بسذاجة٬ وتلقف الطعم الذي مد إليه من طرف السيد لشكر.و هذا في الحقيقة يبين الفرق الشاسع بين المحترف والهاوي في بحر السياسة الذي لا قعر له.لذلك  لا يجب قراءة هذه الخرجة في معزل عن السياق الذي أفرزها ٬إن هي إلا تتويج لتراكمات ٬ ليس ما وقع سوى بداية نتائجها التي نخشى أن يؤدي المغرب و المغاربة ثمنها غاليا.

أولى سمات هذا السياق هي غياب رؤيا شاملة وواضحة المعالم في ما يخص الحقل الديني في البلاد .ففي الوقت الذي تتظاهر فيه الدولة بتبني المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي٬ نجدها٬ و في ازدواجية صارخة٬ تتشبث بمفاهيم تقليدانية عتيقة٬ و مؤسسات ضاربة في القدم٬ ابتداء من إمارة المؤمنين ٬الأوقاف ٬وصولا إلى وظيفتي الشيخ و المقدم. الوجه الثاني لهذه الازدواجية يتجلى في الدستور الجديد للمملكة٬ حيث يقر من جهة سمو القانون الدولي على التشريعات الوطنية ٬لكنه من جهة أخرى يشهر سلاح الخصوصية والهوية المحلية .دون أن ننسى أن الدستور ينص على أن الفتوى من اختصاص المجلس العلمي الأعلى٬ لكن في الواقع يتم غض الطرف على بعض الفتاوى وياليتها كانت فتاوى منضبطة ٬بل هي شطحات كلها جنس٬ انفعال٬ و كراهية٬ فتاوى جعلتنا مسخرة العصر أمام العالم الذي أصبح يتفرج علينا٬ كما يتفرج على آثار العصر الوسيط .فالمخزن ارتأى ٬وعن وعي مدروس٬ اللعب على الحبلين٬ مبتغيا في ذلك الحفاظ على مصالحه .لكن السؤال المطروح هو هل ثمة اعتبار لمصلحة الوطن والمواطنين فيما يجري ؟وهل فعلا حسمت الدولة في تبني الاختيار الديمقراطي؟ إنهما شرطان أساسيان للوصول بالبلاد إلى مصاف الدول التي تعيش عصرها بالطول و العرض ٬وتساهم في إغناء الحضارة الإنسانية بدل أن تقبع في الدرك الأسفل لترتيب الأمم.  

        هذا الوضع المتخبط نتجت عنه فوضى عارمة. ولعل من مظاهرها الجلية ٬معاناة المواطنين من استهداف أمنهم الروحي٬ خاصة في المساجد .فقد ألف المغاربة أن تكون بيوت الله ضمن المتفق عليه بينهم٬ و أن لا تكون ساحة لتصفية حسابات ضيقة ٬أو مشتلا لأي شائبة تنغص عليهم إقامة شعائرهم في كل هدوء وطمأنينة.لكن استقالة الدولة من القيام بواجبها في الإشراف  الايجابي والرقابة المعقولة على ما يجري في المساجد و غيرها׃ دور القرآن ٬اجتماعات غير مرخصة ٬مراسيم اجتماعية (زواج٬ عقيقة٬ حج ٬تأبين.. .)فأصبحنا معتادين على نشوب نزاعات غريبة في عدة مناسبات٬ لان هناك من عمل مثلا  على فرض التكبير في الأذان ست مرات عوض أربع٬ أو فرض الأذان لصلاة الجمعة مرة واحدة بدل ثلاث مرات. . .  زد على ذلك أن أبا النعيم وأمثاله وجدوا الساحة فارغة٬ واستفادوا من البؤس المادي و الفكري للإسلاميين التنويريين وللمثقفين الحداثيين ٬ وضيق ذات يدهم ٬ليضربوا بأطنابهم في مفاصل المجتمع العميقة. استغلوا بساطة المواطن و حسن نيته وارتباطه الوطيد بدينه. بل انتهزوا فرص الفقر والأمية والهشاشة٬ ونقروا بقوة على هذه الأوتار الحساسة ٬لينشروا العقائد الوهابية المهربة٬  ويكرهوا الناس في كل ما هو محلي بشكل مرضي اقل ما يقال عنه انه مازوشية مستفحلة.

ففي شبه اتفاق غير معلن بينهم و بين الدوائر المخزنية العليا ينص٬ كما نتخيل ٬على أن الدولة تتركهم يصولون ويجولون٬ يسبون٬ يكفرون ويفعلون الأفاعيل٬ شريطة أن لا يتوقفوا عن التبشير بحرمة الخروج على الحاكم ٬وتوعد المتظاهرين السلميين بان لهم سوء العذاب في الدنيا و الآخرة. لذلك لا يتوانون في توجيه غضب المواطنين٬ الذين طفح كيلهم من الأداء السياسي لكل المؤسسات ٬نحو بعضهم البعض ٬بل نحو أنفسهم٬ وذلك بإقناع الإنسان المغربي أن إحساسه بالغبن والظلم و الحكرة وضيق العيش ليس بسبب فشل المؤسسات ٬والنكوص عن الوعود الانتخابية٬ إنما بسبب قلة صبره على حكم الله تعالى ٬الناتج عن قلة إيمانه ٬وعدم تكفيره المحيطين به و هجرتهم. مما ينتج لنا نوعا من الأشخاص٬ يتلذذون بقهر الذات وتعذيبها٬ تصل أوجها في العمليات الانتحارية٬ مما يبين إلى أي حد كان على صواب٬ في الماضي و الحاضر٬ هؤلاء الذين حذروا من  توظيف الدين الذي يفترض(بضم الياء) أن يكون طاهرا٬ في معترك السياسة القذرة. فلكي تتم معالجة هذا «الفينومين»٬لا يكفي التعامل مع هذا الشخص أو  ذاك٬ فهم ليسوا إلا أعراضا لمرض عضال .نحن لا ندعو إلى استئصالهم٬ بل إلى تهيئة الجو الديمقراطي السليم. و إنه لكفيل بتعرية ادعاءاتهم ٬وتجفيف مصادرهم٬ بل وتحويلهم إلى اعتناق قيم الديمقراطية٬ وما مثال الإسلاميين الذين أصبحوا  علمانيين في تركيا ببعيد .

إن آخر ما جادت به قريحتهم في الأيام الأخيرة٬ هو استفزازهم للمصلين الآمنين  في المساجد عن طريق التشهير و التعريض بإحدى المناسبات الحضارية للمغاربة و المغاربيين٬ ألا وهي مناسبة رأس السنة الأمازيغية المعروفة ب «حكوزة» أو «الناير»٬ حسب المناطق. فيها يحتفي  الناس بالأرض و بارتباطهم بها. لكن التكفيريين يستكثرون علينا أن نفرح ولو مرة في السنة ٬فرحة غير مستوردة٬ لا شرقية و لا غربية٬ نابعة من صميم الأرض و التاريخ .يظنون أنهم بزعيقهم وزمجرتهم في المساجد ٬ سيوقفون طقوسا لصيقة بالإنسان المغاربي عامة٬ نفسيا ٬اجتماعيا ٬اقتصاديا وعلى كل الأصعدة. لكن  هذا الإنسان يحتفل هذه المرة بالسنة2964 ٬وسوف يعمل على نقلها للأجيال القادمة ٬بمزيد من التشبث و الإصرار .

يقول شهيد الفكر الحر  فرج فودة׃« إذا نكدوا عليكم بفتاوى التحريم و التكفير نكدوا عليهم بالرقص و الغناء».