أكثر من يجب عليهم احترام المبادئ الدستورية هم الوزراء. واحترام مبادئ الدستور يبدأ عندما يتحدث الوزراء اللغة الرسمية للمملكة في المناسبات الرسمية ويقدموا استقالتهم عندما يتورطون في فضائح.
يحدث هذا في الدول الديمقراطية التي تحترم فيها الحكومات نفسها وتحترم الدولة ومؤسساتها وتقيم للشعب اعتبارا.
أما عندنا في المغرب فقد لطخت سمعة وزراء فضائح متوالية، اعتبرها رئيس الحكومة مجرد تشويش من جهات معادية ترغب في إفشال تجربته.
وزير الشوكولاته استفاد من شوكولا الدولة واستفاد والده من أراضي الدولة بنصف ثمنها، ومع ذلك استمر في منصبه وكأن الأمر لا يعنيه.
وزير العدل والحريات اتهم زميله وزير الداخلية علانية بخرق القانون، ومع ذلك يستمران معا في الحكومة، الوزير خارق القانون والوزير الوصي على احترام القانون.
لا بل إن وزير العدل يعترف بأن هناك برلمانيين من حزب الاستقلال يوجدان في حالة فرار، علما أن وزير العدل هو رئيس النيابة العامة وإليه يعود أمر إحضار هاذين البرلمانيين الفارين من العدالة بالقوة. وكيف سيفعل وهو عاجز حتى عن إحضار رئيس جماعة عين عودة، الذي «هلك» القاضي بالشهادات الطبية لكي يتخلف عن حضور الجلسة، وعندما «حرافت ليه» مع الشهادات الطبية أصبح محاميه هو من يدلي بشهادات طبية لتبرير غياب دفاعه.
ومن بين الأمثلة على قلة احترام المبادئ الدستورية للمملكة، مطالبة الكاتب العام لوزارة التعليم العالي السفير الروسي بتقديم مداخلته بالفرنسية، غير أن السفير الروسي بالرباط فضل أن يقدم للحكومة المغربية معروفين، الأول عبارة عن هبة مالية قدرها 1.5 مليون دولار لتحسين جودة التغذية المقدمة للتلاميذ في المدارس، والثاني عبارة عن درس في الاعتزاز بالوطنية، عندما رفض تقديم مداخلته بالفرنسية كما طلب منه وقدمها باللغة العربية الفصيحة، اللغة التي بالمناسبة لا يجيدها رشيد بلمختار وزير التربية والتعليم.
ويبدو أن مطالبة المسؤول المغربي للسفير الروسي بتقديم مداخلته بالفرنسية، رسالة مبطنة  للوبي الفرنسيين للروس بأن المغرب هو الحديقة الخلفية لفرنسا، وعلى روسيا أن تبحث لها عن حديقة أخرى تلعب فيها.
ويمكن أن نتفهم رد فعل السفير الروسي الذي اعتبر مطالبته بالحديث بالفرنسية من طرف مسؤول مغربي في بلد كالمغرب ينص دستوره على أن اللغة العربية والأمازيغية هي لغته الرسمية، بمثابة تراجيديا.
فالعلاقات الروسية- الفرنسية وصلت إلى أعلى نسب التوتر، إذ يكفي متابعة ما يبثه الإعلام الرسمي والخاص الفرنسي حول روسيا لكي نفهم حساسية مطالبة السفير الروسي بالحديث بالفرنسية، إنها بمثابة شتيمة دبلوماسية بالنسبة إليه.
لذلك فأبسط ما كان يجب أن يتخذه وزير التعليم وقبله رئيس الحكومة، هو إقالة هذا المسؤول الذي ضرب عرض الحائط بمبدأ دستورية اللغة الرسمية للمملكة، خصوصا في هذه الظروف التي تفعل فيها فرنسا كل ما بوسعها لتسميم علاقات المغرب مع محيطه.
أما المثال الأوضح لتحقير المبادئ الدستورية، خصوصا مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فهو ما قام به وزير الشباب والرياضة طوال الأسبوع الماضي.
فقد افتتح تصريحاته بخصوص شوهة ملعب مولاي عبد الله، باعتبار ما وقع خيانة عظمى وكارثة بكل المقاييس. لكي يرد عليه رئيس الحكومة أمام وزرائه بأن ما وقع ليس كارثة والحمد لله.
وهكذا فالمبدأ التي تشتغل به الحكومة منذ ثلاث سنوات هو «شي يشرق وشي يغرب».
وعندما يقول الوزير الرباح بأن التحالف مع حزب الاصالة والمعاصرة أمر ممكن، وأن السياسة ليس فيها صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، نسمع بوليف يقول شهرا بعد ذلك إن التحالف مع الأصالة والمعاصرة خط أحمر.
هذا مع العلم أن الوزيرين يتعايشان في وزارة واحدة وحزب واحد، ومع ذلك «كلها يلغي بلغاه».
أما رئيس الحكومة بنكيران فقد كان يقول طيلة السنوات الماضية، إن باها نصفه وروحه وعقله المدبر، واليوم يفاجئنا عندما نسمعه يقول إنه يجب أن لا نغلط، فجميع القرارات يتخذها هو بنفسه لكنه كان يعرضها على باها من أجل المشورة فقط، وأنه لا يجب أن نقدس باها.
أما محمد يتيم فقد أدلى بدلوه أيضا في هذه المسألة، عبر مقال نشره بموقع الحزب الإلكتروني قال فيه إن بنكيران ولد ولادته الثانية بعد موت باها وإنه أصبح أكثر وضوحا من السابق.
فهل يريد القوم أن يقنعونا بأن بنكيران تحرر من ثقل كان يشده إلى الأرض؟
وإذا كان بنكيران قد ولد ولادته الثانية مباشرة بعد دفن باها، فمتى سيقيم «السبوع»، وهل سيحافظ على اسم ولادته الأولى أم أنه سيعطي نفسه اسما جديدا؟
وبالعودة إلى فضيحة أوزين، التي تعتبر التجسيد الحي لعدم احترام الرأي العام والدستور، فإنه منذ اندلاع الفضيحة ظهر أوزين يزبد ويرغي، متهما الطابور الخامس وأعداء الوطن والخونة الذين يحركونهم من الخارج، بحثا عن تعاطف مفقود وتسييسا للفضيحة. قبل أن نسمع رئيس النقابة الوطنية للصحافة الاستقلالي يدافع عن الوزير الحركي ويتهم وزراء من داخل الحكومة بتحريك الحملة ضد أوزين.
بعد «التكشكيش» وعندما هدأ روعه، أعلن أوزين عن تشكيله للجنة تحقيق، منزها نفسه بعدما نصب سعادته نفسه قاضيا، عوض أن يقبل بوضعه ضمن قائمة الذين يتحملون مسؤولية ما وقع. ثم بعد ذلك ألقى باللائمة على الشركة واتهمها بالخيانة.
وفي حمأة المعمعة تدخلت حماته حليمة التي عادت إلى عادتها القديمة، وأقحمت الملك في الموضوع عندما قالت إن أوزين «حطو الملك ماشي هيا اللي حطاتو»، وإنه وزير وليس «طاشرون».
بعدها اتخذ أوزين قرار إعفاء الكاتب العام ومدير الرياضات لكي يبعد النار عنه.
ووسط هذا المشهد المضحك المبكي، ظهر رئيس الحكومة وقال إن ما حدث ليس كارثة وطنية وبشر وزراءه بأخبار سارة سوف يسمعونها. وظهر بمظهر المدافع عن وزيره، ضاربا عرض الحائط بالرأي العام والشوهة العالمية التي تعرض لها المغرب في القنوات الأجنبية.
ثم سمعنا العنصر يقول في بيان إن الأمانة العامة لحزبه تتضامن مع أوزين، رغم أن ابن وزير التعمير ظل طيلة الأزمة يتبادل مع أصدقائه في صفحته بـ«الفيسبوك» الصور الساخرة من أوزين.
ويبدو أن الحزب كان يستعد لعقد ندوة صحافية يهدد فيها بالانسحاب من الحكومة، غير أن القرار الملكي داهم «الحركيين» فكيفوا موقفهم إلى إدانة لما اعتبروه حملة ضد أوزين، قبل أن يعتبروا قرار تعليق أنشطة الوزير من طرف الملك قرارا صائبا جاء استجابة للشارع المغربي .
مما يدل على أن الوزير، الذي أظهر مهارات كبيرة في «هزة الكتف والتزغريت وضريب الرش»، أصبح هو أيضا في قفص الاتهام، وأن مصيره في الحكومة رهين بنتائج التحقيق.
الحاصول الزين يحشم على زينو وأوزين غير إلى هداه الله، وأوزين إلى مشا يبقاو حفاريه.
إن أخطر ما أظهرته هذه الفضيحة، هو أن رئيس الحكومة لم يتصرف مثلما يجب أن يتصرف رجل دولة، بل تصرف كأي رئيس حكومة يبحث لكي ينقذ وزيره بأية طريقة، مقللا من حجم فضيحة أضحت عالمية لأنها تتعلق بكرة القدم التي تحرك مئات الملايين من الجماهير عبر العالم.
كما أن هذه الفضيحة أظهرت أن الاستثمار في البنيات التحتية الضخمة في المجال الرياضي، والذي أشرف عليه الملك شخصيا منذ عشر سنوات، تعرض لضربة قوية في الظهر. فقد أصبح من الصعب جدا إقناع المؤسسات الرياضية الدولية بتنظيم مواعدها الرياضية العالمية فوق أرض المغرب.
فما اقترفه أوزين حطم كل الأحلام التي بني عليها هذا المشروع ووضعها موضع شك.
تماما مثلما حاول البعض إفشال مشروع طنجة المتوسط، ومثلما حاول البعض الآخر إفشال مشروع بادس، ومشروع تأهيل المدينة العتيقة بفاس ومشاريع أخرى أطلقها الملك شخصيا.