كانت آخر قلعة اقتحمها إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، هي جرائد الحزب ومطبعته التي ادعى خيرات أنها في اسمه، هكذا استطاع لشكر أن يأتي بوزير الشوكولا في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، الحبيب المالكي، لكي يتربع على كرسي إدارة تحرير الصحيفتين الناطقتين باسم الاتحاد الاشتراكي.
كما لو أن راتب وتعويضات المالكي السخية على رأس المركز المغربي للظرفية والشباب والمستقبل لا تكفيه، فكان ضروريا أن يضيف إليها راتبه كمدير لشركة الاتحاد الاشتراكي.
ومن يتابع معارك إدريس لشكر اليومية من أجل فرض سيطرته الكاملة على الحزب بأذرعه النيابية والنقابية والإعلامية، يعتقد أن لشكر يقود فعلا حزبا حيا، والحال أن منظره يشبه كثيرا منظر الحاجب السلطاني باحماد، الذي عندما مات السلطان الحسن الأول أركبه على فرسه وسار به كاتما الخبر عن الجميع، إلى أن فاحت رائحة جثة السلطان واضطر با حماد إلى إعلان وفاته.
والواقع أن حزب الاتحاد الاشتراكي مات عمليا عندما أطاح إدريس جطو بعبد الرحمان اليوسفي من حكومة التناوب، وجلب وزراء تكنوقراط لا معاطف سياسية لهم من خريجي مدرسة الطرق والقناطر، لكي يتقاسموا الحقائب الوزارية مع الوزراء الاتحاديين الذين خذلوا عبد الرحمان اليوسفي وتشبثوا بالبقاء في الحكومة للعب دور الكومبارس.
ومنهم كثيرون، كالأشعري، لديهم الجرأة لكي يفتحوا أفواههم اليوم ويتحدثوا عن الردة السياسية والسكتة القلبية التي تضرب حزب الاتحاد الاشتراكي، بينما يشهد التاريخ أنهم كانوا سبب تسريع هذه السكتة بجشعهم وطمعهم في عسل الوزارات وامتيازاتها، رغم أن زعيمهم التاريخي تم إبعاده بشكل لا يخلو من إهانة. 
وعندما نبحث عن أصل المشكل داخل الاتحاد الاشتراكي نعثر دائما على رجل اسمه محمد اليازغي ظل عبد الرحيم بوعبيد، بسبب حدة ذكائه ومكره، يسميه «زيزوار فالقطن»، فقد كان، وتحت وطأة عقدة «الرجل الثاني» في الحزب، مع البقاء في حكومة جطو من أجل ما سماه آنذاك «مواصلة دور الحزب في حكومة جطو ودعم الإصلاحات التي تقوم بها في مختلف الميادين».
والواقع أن اليازغي كان متشبثا بحقيبة إعداد التراب الوطني والبيئة أكثر من أي شيء آخر، فضلا عن الحقائب الثماني التي كان الوزراء الاتحاديون يسيرونها.
وخلال المفاوضات التي خاضها اليازغي بعد ذهاب اليوسفي غضبان أسفا إلى بروكسيل، حيث ألقى محاضرته التي تحدث فيها عن المس بالمنهجية الديمقراطية، كان إدريس لشكر ينتظر نصيبه من الكعكة الحكومية، غير أن محمد اليازغي الذي أخذ بزمام الحزب، أخبر لشكر بأن هناك اعتراضا على اسمه في الدوائر العليا، ولذلك فلن يكون ممكنا في الوقت الراهن منحه حقيبة وزارية.
مرت مياه تحت الجسر، واستقصى لشكر الخبر من مصادره الخاصة فكان هناك من أخبره بأن الدوائر العليا لم تعترض على اسمه، ففهم لشكر أن اليازغي «دار ليه الصابونة» فقرر إعلان الحرب عليه، ودفعه إلى الاستقالة من الكتابة الأولى للحزب وحل مكانه عبد الواحد الراضي الذي أخذ حقيبة وزارة العدل، والذي في عهده وصل لشكر إلى منصب وزير العلاقات مع البرلمان، وكانت هذه الفترة أعنف مرحلة في الحرب بين لشكر واليازغي.
وفي كل مرة يختار الزعيمان الاتحاديان المتشاكسان شخوصا معينة لكي يخوضا عبرهم الحرب بالوكالة. وقد وجد اليازغي في الراحل أحمد الزايدي الشخص المناسب للعب هذا الدور. خصوصا بعدما اتفق «رجال اليازغي» في الحزب مع إدريس لشكر إبان المؤتمر الأخير للحزب، على إدخال لائحة أسماء حررها اليازغي في المكتب السياسي للحزب، فقبل لشكر الصفقة قبل أن ينقلب على الزايدي وخيرات ويخبرهما بأن الطريقة الوحيدة للوصول إلى المكتب السياسي هي صندوق الاقتراع في المؤتمر. فقد فهم لشكر أن اليازغي خطط من أجل وضع رجاله في المكتب السياسي بالشكل الذي سيصبح به إدريس لشكر رهينة بين أيديهم لا يفعل شيئا دون إذنهم، بمعنى أن الكاتب الأول للحزب الحقيقي سيكون هو اليازغي وليس لشكر.
وطبعا فإدريس لشكر كان يعرف أن الانتخابات ستحمله هو ورجال ثقته نحو سدة الزعامة، وأن لائحة اليازغي لن تحصل على الأصوات المطلوبة للصعود إلى المكتب السياسي، وهذا ما وقع بالضبط.
ومن ذلك اليوم أعلن اليازغي، عبر أحمد الزايدي ورجاله، العصيان ضد لشكر، إلى أن غرق الزايدي في ضاية جماعة واد شراط ومات، ووضع خيرات السلاح وسلم جرائد الحزب للشكر وغادر. 
ووسط غبار هذه المعارك الضارية بين ورثة حزب بوعبيد، كانت روائح جثة الحزب تملأ المكان، لكن لشكر الفائز بمنصب الكاتب الأول للحزب، ظل يحمل جثة الحزب ويطوف بها فوق الحصان، تماما كما فعل با حماد، لكي يقنع الجميع بأن الحزب حي يرزق، والحال أن الجميع يعرف أن الحزب مات منذ أعلن عبد الرحمان اليوسفي ذلك من بروكسيل بقراره اعتزال الحياة السياسية.
واليوم مع شعور لشكر بالعزلة السياسية إلى جانب شبيهه في المحنة شباط، يحاول هذا الأخير التلويح بآخر الأوراق التي في يده لكي يخيف الدولة ويذكرها بأنه لازال قادرا على إحداث الألم بتحريك السكين في الجرح، وذلك باللجوء إلى سياسة «تغليض الهضرة».
فقد التقط لشكر وشباط رسالة عزيز رباح الذي قال في حوار له إن العدالة والتنمية منفتح على كل الممكنات، وإن إمكانية التحالف مع الأصالة والمعاصرة واردة.
فكان أن حذر لشكر من عودة المغرب إلى سنوات الرصاص والانقلابات، وتلته تابعته النائبة البرلمانية بفضل بركات لائحة الشباب، ماء العينين أبو زيد، زوجة عامل الداخلية بورجوازية فيلا الهرهورة المدافعة عن الفقراء، وطالبت بتوفير الحماية لبوليساريو الداخل مباشرة بعد خطاب المسيرة الخضراء الذي طالب فيه الملك بإنهاء عهد ابتزاز الدولة بوضع رجل في المغرب ورجل في تندوف.
وتبقى الضربة القاضية التي سددها لشكر إلى ما تبقى من رفات الحزب، هي عندما طالب بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، فانبرى له أبو النعيم وكال له من التهم والشتائم فاشتكاه لشكر إلى القضاء، فصدر في حقه حكم مخفف جدا، مما يفيد أن مطالب لشكر ذهبت بعيدا.
اليوم هناك توجه نحو تأسيس معارضي لشكر لحزب جديد سيخرج من رحم الاتحاد الاشتراكي، وهذا ليس جديدا، فنظرية «أرض الله واسعة» التي أطلقها اليوسفي عندما غادر السفياني والساسي ورفاقهما الحزب، لازالت سارية المفعول إلى اليوم.
وقدر الاتحاديين أن ينشقوا ويتفرقوا بحثا عن الزعامة، فالمشكلة الحقيقية داخل الاتحاد لم تكن أبدا في يوم من الأيام حول الأفكار والمواقف بقدر ما كانت حول الزعامة والقيادة.
ولهذا السبب أصبح الاتحاد الاشتراكي يبدو مثل «شيبس ديال درهم، عامر من برا وخاوي من لداخل».