اعترف رئيس الحكومة بعظمة لسانه بأن حكومته ليست عبقرية، والحال أنه كان يجب أن يكون شجاعا ويقر بأن حكومته ليست عملية بل مجرد ظاهرة صوتية.
ومنذ أكثر من ثلاث سنوات ووزارة تحديث الوظيفة العمومية، التي يقودها مبديع الذي يعوزه الإبداع تثرثر حول الموظفين الأشباح والموظفين الكسالى. وكل ما وجد مبديع لكي يبشر به المواطنين اليوم، هو أن يحذر هؤلاء الكسالى ويتوعد الأشباح منهم بالتشطيب.
والحال أن الوزير غير المبدع كان عليه أن يأتي أمام وسائل الإعلام ويعلن عن لائحة بأسماء كل الموظفين الأشباح الذين تم التشطيب عليهم نهائيا من أسلاك الوظيفة العمومية، مع الكشف عن الأموال التي تم توفيرها في خزينة الدولة بفضل هذه العملية.
ونحن نتحداه أن يقترب من هؤلاء الموظفين الأشباح، لأنه لو فعل فسيرى وجهه في «المرايا» جيدا، فهؤلاء الموظفون الأشباح الذين يعرفهم رئيس الحكومة ووزيره واحدا واحدا، ليسوا من طينة الموظفين البسطاء الذين يسهل التشطيب عليهم بجرة قلم.
وشخصيا أعرف بعضا من هؤلاء «الأشباح» المتحدرات بعضهن من صلب عائلة وزير الداخلية القوي إدريس البصري، وبالضبط من الناحية «السليمانية»، يتقاضين من وزارة الداخلية ستة ملايين في الشهر دون أن يكن قد حضرن يوما واحدا للعمل.
فهل يستطيع الوزير الذي يفتقر إلى الإبداع أن يوقف رواتب هؤلاء؟
نتحداه أن يغامر بحقيبته.
والمدهش في بعض وزراء بنكيران ليس كونهم يفتقرون إلى العبقرية بل في كونهم يتمتعون بـ«صنطيحة» كبيرة، ففي الوقت الذي يتحدث فيه مبديع عن الموظفين الكسالى نرى كيف أنه في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى توحيد القوانين الأساسية لفئات الموظفين، بادر زميله «الميني شيوعي»، الصديقي وزير التشغيل، الذي أنقذ زوجته من المتابعة القضائية بعد دهسها شرطي مرور في القنيطرة، إلى  الموافقة على وضع قانون أساسي خاص بهيئة مفتشي الشغل ضدا على التوجه العام للدولة، بل وأكثر من ذلك فسعادة الوزير متع هؤلاء الموظفين بواسطة مرسوم يمنحهم بموجبه تعويضات سمينة تتعدى 2550 درهما عن جولات التفتيش.
وحتى إن كان العاملون بالمصالح الخارجية يستحقون هذه المنحة، فإن ثلث مفتشي الشغل، أي حوالي 120 مفتشا، قابعون بالإدارة المركزية، بعضهم منتشرون بمقاهي الرباط يتوصلون شهريا بتعويضات عن جولات بين المقاهي ومقر العمل داخل المكاتب المكيفة.
ولم يكتف الوزير الصديقي بذلك، بل إنه عين مؤخرا الكثير منهم في مناصب المسؤوليات الإدارية وزادهم تعويضات على تعويضات حتى أصبح موظفو وزارة المالية يطلبون الالتحاق بوزارة التشغيل بسبب سخائها. 
وهذا طبعا لم يمنع الوزير التقدمي من التباكي في البرلمان بسبب قلة مفتشي الشغل، مع أن جلهم يتواجدون بالإدارة المركزية بدلا من التواجد على أرض الواقع، لتفقّد المعامل والشركات من أجل تطبيق مدونة الشغل لتفادي الكوارث كالتي حصلت في «روزامور» وغيرها من الشركات والمصانع التي يحتجز فيها المستخدمون مثل العبيد.
ويبدو أن بعض وزراء بنكيران أصبحوا يتحلون بالشجاعة فقط عندما يتعلق الأمر بالبسطاء الذين يقفزون فوق حائطهم القصير، كوزير التعليم العالي الداودي الذي يقفل فمه كلما تعلق الأمر بالاقتطاع من أجور أساتذة التعليم العالي المضربين خوفا من نقابتهم، فيما يستأسد على طالبة قادمة من المغرب العميق ويهددها بالمتابعة القانونية بسبب تجرئها على إثارة فضيحة استفادة الوزير الشوباني من امتياز متابعة دراسته الجامعية بسلك الدكتوراه في وقت تمنع فيه الحكومة الموظفين من متابعة دراستهم الجامعية.
ما أثارته هذه الطالبة بخصوص تسجيل الوزير الشوباني في سلك الدكتوراه يستحق أن يثار نقاش حوله عوض ترهيبها بالمتابعة القانونية، لأن المعتاد هو أن مختبرات البحث تحدد بشكل قبلي مواضيع البحث، ويتقدم المرشحون بحسب قرب تخصص الماستر وكذا بحسب قرب البحث الذي أنجزوه في الماستر من الموضوع المختار، وهذا واضح في دفاتر التحملات الخاصة بسلك الدكتوراه، لذلك وفي حالة الشوباني، فأطروحته منتهية قبل أن يبدأها لأنه هو من اختار الموضوع.
لذلك فالشوباني استغل هذا الامتياز، وإلا لماذا لم يسجل في دكتوراه مفتوحة في كلية الحقوق بسلا وهي قريبة، أما لماذا كلية الحقوق بأكدال بالضبط، فالمسؤولون هناك لطالما اعتبروا كليتهم استثناء، وقد زاد الشعور بهذا الاستثناء عندما ذكر الملك في خطاب 20 غشت 2013 الكلية عندما قال إنه يفتخر بكونه أحد خريجيها.
التلاعب في سلك الدكتوراه يشمل كل الشعب وكل الكليات بدون استثناء، صحيح أن كلية الحقوق تستفيد من كون طبيعة المستفيدين من التدخلات في الدكتوراه والماستر أغلبهم كبار رجال الأمن والقضاة ووكلاء ملك ورجال الإدارة الترابية، وهذا أمر معروف وشائع، فمثلا أعرف شخصيا وكيلا للملك عنده شهادتا دكتوراه وماستر ثالث ينوي أن يسجل به دكتوراه ثالثة، كما أنه يدرس في السنة الأولى كطالب في السوسيولوجيا بكلية الآداب بجامعة ابن طفيل.
وطبعا لا يحضر، و«شكون اللي يقدر يهضر معاه»، مع أن الباكالوريا التي تسجل بها تعود لسنة 1998، بينما تم رفض كل تسجيلات أولاد الشعب الذين لديهم باكالوريا ترجع إلى ما قبل 2012. هل هذه هي المساواة في الحظوظ التي تدعون يا رئيس الحكومة؟
إذن المشكلة لا توجد في كليات الحقوق، ولكن أيضا في جميع الكليات، بما في ذلك كليات العلوم، فمثلا في كلية الطب والصيدلة هناك علاقات خطيرة بين بعض صناع الأدوية وبعض البحوث المنجزة، حيث تفتح المختبرات في وجه هؤلاء الباحثين بشرط أن ما يتوصلون إليه من نتائج تعود ملكيته لهذه المختبرات.
وهكذا فالجميع مستفيد، وفي كلية العلوم هناك علاقات زبونية حقيقية بين شعب البيولوجيا مثلا وبعض كبار الفلاحين، مثل ضيعات زنيبر الشهير بإنتاج النبيذ بمكناس وبعض مختبرات كلية العلوم وكذا مدرسة للفلاحة. كما أنه في شعب الدراسات الإسلامية هناك علاقة مشبوهة بين بعض مسالك الدكتوراه وتمويلات خليجية وخاصة السعودية.
أما الوزير الداودي الذي يهدد الطالبة بالمتابعة القانونية، والذي يدعي الشفافية، فهل نسي سعادته أنه شارك في لجنة مناقشة لدكتوراه في الاقتصاد بكلية الحقوق بسطات، ومنح لصاحبها «ميزة مشرف جدا» بينما هو سرقها، وبعد فضحه من أحد زملائه في نفس الكلية اعترف بذلك واعتذر، لكنه ما يزال يدرس في الكلية.
وكل الطلبة الباحثين في مجال العلوم الاقتصادية والاجتماعية والقانونية يعرفون كيف اختفت الأطروحة الجامعية لوزير التعليم العالي لحسن الداودي من مكتبة آل سعود، إذ اكتشفوا أن اسم الوزير بصفته «مؤلفا» وكذا اسم أطروحته الجامعية والتي تحمل اسم l’intégration de la communauté islamique» une exigence actuelle» موجودين في فهرسة المكتبة، وعند طلب الحصول على الأطروحة يجيب النظام الآلي المعمول به هناك بكونه «غير موجود»، وهو ما يفسره البعض بشيء واحد، وهو أن الداودي سحب أطروحته.
عندما يسحب أستاذ أطروحته من المكتبة فبسبب اكتشافه لعيوب منهجية أو معرفية يمكن أن تسيء إليه، أو  بسبب رغبته في عدم اطلاع الباحثين المتخصصين عليها، وهي ظاهرة «جاري بها العمل» في جامعاتنا عند الباحثين عندما يصبحون في مناصب كبيرة.
ومما يزيد من الشكوك حول «علمية» أطروحة الوزير الداودي، هو أن اسم الأطروحة بالرغم من ادعاء صاحبها بكونها تنتمي للاقتصاد، فهي لا علاقة لها لا بالاقتصاد ولا بعلم الاجتماع.
ثم إن الأطروحة ذاتها «مختفية» من البوابة الإلكترونية لـ «المعهد المغربي للإعلام العلمي والتقني»، أو ما يعرف بـ «IMIST»، والذي من مهامه وضع الوثائق العلمية والتقنية رهن إشارة كل من يحتاجها في الأوساط العلمية والصناعية ومختلف دوائر صناع القرار، مما يفسر حسب هؤلاء أن الداودي لم يضع أطروحته رهن إشارة هذا المعهد. وبغض النظر عن دوافع الداودي في «إخفاء» أطروحته، فإن ما قام به من سحب لأطروحته وكذا عدم إتاحتها للعموم، يعد نموذجا سيئا لعدم الشفافية المفترض أن يحرص عليها وزير لا يكف عن «الإفتاء» حول مزايا وميزانية البحث العلمي على عهده.