"لن ندعهم يحرقوننا بسبب آرائنا لأننا لسنا مطمئنين كل الاطمئنان إلى صحتها.
ولكننا قد ندعهم يحرقوننا لكي يكون لنا حق في إبداء آرائنا أو تغييرها"نيتشه

العودة إلى التاريخ من اجل استشراق المستقبل أمر ضروري ، ليس فقط من أجل الفهم بل بغية التدبر و أخد العبر . فالسؤال السياسي يظل حاضرا بقوة في الزمن الراهن للحركة الثقافية الأمازيغية بالمعنى الحديث لكلمة "الحركة" ، فقراءة تاريخ الصراع السياسي على معطيات القضية الأمازيغية يساعد على فهم سياقات الصراع و أبعاده المختلفة ، فللجميع الحق في معرفة كل شيء حول حيثيات الاعتقال السياسي فإلى جانب الجدال السياسي والقانوني و الحقوقي فهو جرح نفسي غائر من الصعب جدا الإطاحة به أو تفكيك أوصاله فنحن مطعونين من الخلف ومظلومين و منغرس في الوجدان واللاوعي و موشوم في الذاكرة حيث لا يمكن أن ينطفئ ومن يستهين بقوة المظلوم و المهان فإنه لم يستوعب حركة التاريخ بعد.

إن الاعتقال السياسي يندرج في إطار دينامية المجال السياسي و الحقوقي فالتاريخ السياسي عرف تجاوزات أخلاقية و قانونية و انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان فكرونولوجية الأحداث 2007 بدءا بالاختطاف إلى التحقيق و التفنن في التعذيب إلى السجن يعطي الانطباع و الوجه الحقيقي للجبروت و طغيان السلطة . فالمقاربات القمعية لم تختلف و سنوات الرصاص التي كان الاعتقال و السجن مقابل من أبدى رأيا أو عارض الحكم. فالنظام اعتمد سلطة الترهيب و الاعتقال فمن آلياته لضبط و ضمان استمرارية و لحفظ البقاء في الحكم نهج سياسة الإقصاء السياسي للامازيغية وقمع المناضلين الأحرار واحتكار المجال السياسي بخلق أحزاب إدارية و حضر حقوق الإنسان بتأسيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، وتنظيم حملات الاعتقال وتلفيق التهم وتقديم محاكمات صورية في غياب كل الضمانات القانونية وقضاء لا يتمتع باستقلالية حقيقية .أما من الناحية الاقتصادية فيحتكر الثروة والامتيازات ويتعامل مع باقي المجتمع بالحيف والتهميش و التحقير والعيش بدون كرامة (ضحايا الفيضانات الأخيرة ، ضحايا الثلوج ...) في المقابل يتم التسويق للمغالطات و طمس الحقيقة بالاعتماد على إيديولوجية محكمة التوظيف من ماكنات الاستبداد و التسلط و الخنوع حيث أن المؤسسات تتكلف بإنتاج الرموز وبثها في الجسد الاجتماعي بطرق مختلفة كالمدرسة و المسجد ...لاغتيال العقل على نحو دوري و منظم ، و الأجهزة القمعية من مخابرات و بوليس ودرك و حراس السجون للرعب و القهر وتدمير الكيان الإنساني .

إن التفكير و النقاش وتدقيق الإشكاليات و الاطروحات الخاصة بالزمن الراهن يستدعي الانطلاق من البيت الداخلي للحركة الأمازيغية فالمناضل الحر و الذكي لا يسعى إلى إشباع فضول معرفة الماضي فحسب بل أن يعرف كيف ولماذا أصبحت الأمور على ماهو عليه ألآن و إلى ما ستؤول ، لمادا لم نتمكن من بناء تاريخنا الذاتي؟ لماذا فرضت علينا التحولات التاريخية ؟ كيف تفاقمت الأزمة الداخلية ؟ لماذا أصبحت الحركة الثقافية الأمازيغية مشتتة وعديمة الفعالية في اجرأة الميدان ومتخمة بجراح الانقسامات. ..؟ واقع الحال المتفرق والمؤلم يتطلع إلى مستقبل مجهول, واقع أصبحت فيه الإشاعات المدسوسة عنوان الحقيقة و تصفية الحسابات الشخصية فالعلاقات تتعرض للدمار بعد انحباس روافدها الأخلاقية ، فالحركة الثقافية الامازيغية تبقى ببقاء أخلاقها وأدبياتها وتتأسس على قيم الحرية و الديمقراطية و المساواة ، تجنب الإقصاء والتهميش و الاحتكار والتفرد ، فهي تهدف إلى تحطيم الأغلال التي كبلت الحرية الفردية والى التحرر . فباس مالنا الراهن يستدعي منا إعادة النظر في مفهوم المناضل ،في مبادئ و الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المناضل , فالضرورة تحتم علينا أيضا إعادة النظر في دواتنا ، في تقديم النقد الذاتي والتسلح بالنقد التاريخي لاستخلاص ما هو ذاتي و اديولوجي وسياسي و اجتماعي . الفراغ الفكري هو السائد اليوم و يجعل الصراعات الشخصية عوض الأفكار هو الهدف و الأساس في التدافع النضالي ، عوض تحديد الخصم الحقيقى والوعي بتحديات ورهان المرحلة فلا بد من التخلي عن هوس القيادة والطموحات الشخصية الضيقة و الابتعاد عن النجومية و الانزواء وراء النزوات الأزلية الذاتية و سلك طريق العاطفة . الأشخاص لا يمثلون القضية الأمازيغية و التاريخ يطمح إلى أن يكون علما تطبعه الموضوعية ، التحريض في المنابر المكتوبة و المسموعة و الافتراضية و التعبئة لشحن الجماهير ضد شخص أو تنظيم أو قضية تمثل الحرب النفسية من اجل إلحاق الهزيمة المعنوية ، فان كان البعض يرى الأمر بديهيا في ميدان النضال و الصراع الفكري/السياسي أو الشخصي فهدا ليس صحيحا إلى في المجتمعات التي تفتقر إلى الأخلاق النضالية الحديثة ، فهو تنافس غير سلمي وغير شريف ووعي انتهازي بالنضال فالعدوان على الأشخاص تكتيك غير محسوب .

لقد أهدانا السجن الصمت و الانتظار و الصبر ، عشر سنوات من القهر و القسر فعمق في وجداننا قوى الخيال أهدانا القسوة و التعذيب و الخطر الجاثم ، فيما نضع آمالنا نحن الدين نرى في النخبة الأمازيغية شكلا فاشلا ، بل شكلا منحطا ليس لنا خيار فأملنا في جيل جديد في عقول نشيطة و مبتكرة قادرة على توحيد الصفوف و تقعيد النضال في العمل العلمي و السياسي و الاحتجاجي في الاندماج العضوي لإنتاج وعي مجتمعي قادر على التغيير . فلا بد من أن تكون مرجعية امازيغية متماسكة و الدفع بدماء جديدة لتحمل المسؤولية في الخطاب و الفكر و الالتزام بقيم و أخلاق النضال فالتنوع سبب التكامل وثمار النضال لا تطيب بين عشية و ضحاها و إنما قد تطول مدتها و تستغرق أجيالا فنحن نرضى عن الحياة رغم ألامها بل و من اجل ألامها نفكر و نبحث و نتقدم و سنضل أبدا عقلا حرا.

وصفوة القول نحن ايمازيغن رغم جميع الاكراهات و التحديات و العقبات و الآلام نحيا و نموت بقيم تيموزغا ، وهدا هو معنى أن تكون امازيغيا

حميد أعطوش
المعتقل السياسي للقضية الأمازيغية