الثامن من مارس ..هناك من تنتظر في هذا اليوم وردة وكلمة رقيقة في حقها، وهناك من تعتبره مناسبة لإنصافها، وهناك من لا تنتظره لأنها لا تعرف بوجوده أصلا ...لكن الأكيد ، أنه ليس مناسبة احتفالية بقدر ما هو محطة لرصد واقع المرأة ووضعه تحت المجهر، لفرز المكتسبات التي تم تحقيقها على مر عقود ومحاولة ترتيب الأولويات والرهانات التي يجب مواصلة النضال من أجلها مستقبلا . 

ما يجب أن يكون فعلا هو أن تخلد النساء هذا اليوم لأجل تفجير القضايا المصيرية للمرأة في المغرب وجعلها تطفو على السطح والتعريف بها بكشل أوسع وأعمق لا من أجل التطبيل لمكاسب فئوية حققتها نساء المجتمع المخملي لا يعود ريعها إلا لهن فقط ، لأنهن تناسين وهن يخضن حربهن الضروس للوصول إلى مراكز القرار والسلطة أن يُشِرن ولو مجرد إشارة إلى معاناة نساء القاع والأدغال المغربية....كان ولا يزال كل همهن وهنَّ يُسخرن "طاقاتهن" هو الوصول إلى أعلى المراتب والمناصب في سباق محموم بينهن ...بالنسبة لهذه العينة من النساء ليس هناك أولوية في قضايا المرأة من أن تتبوأ إحداهن منصب نائبة برلمانية _حتى لو كان بالكوطا المُهينَة_ أوزيرة أو والية أو قاضية أو حتى رئيسة مفوضية الشرطة ، كل هذا في كفة ومطالبة بعضهن بالحريات الجنسية في كفة أخرى ... هذا فقط _بالنسبة لهن_ ما يمكنه أن ُيؤَشّر على أن المرأة في المغرب قد قطعت أشواطا مهمة نحو الحداثة وربحت "معركتها" من أجل المساواة مع الرجل ،غير ذلك هو مجرد حقوق هامشية يمكن أن تتذيل قائمة المطالب...يا لبؤسهن .

لا أحد من النساء "عاليات الهمة والشأن" اللواتي يحملن ألقابا "نبيلة" ومشهورة ، وينتمين إلى جمعيات نسائية بأسماءَ رنانة تحظى برضى الدولة وعطاياها ، اقترحت وناضلت لأجل مشروع إنساني في ظاهره وباطنه يرفع الحيف والمعاناة عن نساء الضفة الأخرى : عن نساء الموقف والمعامل ومستخدَمات الضيعات الفلاحية..، عن حوامل تلدن أمام أبواب مستشفيات/خرابي وهمية وبين ممراتها أو بين قطيع غنم وسط الحقل ...عن أراملَ يُطعمن أبنائهن لقمة مغمسة بالمهانة..، عن أمهات يفقدن أبنائهن الواحدَ تلو الآخر بسبب البرد والجوع والمرض ...عن امرأة أمية لأنها تسكن المداشر البعيدة ، عن أم ترتجف خوفا من أن يتهاوى كوخها على صغارها بعد ليلة ممطرة ...عن نساء يقطعن الكلومترات ليجلبن الماء والحطب على ظهورهن للأسرة والدواب ... عن امرأة ترى في الرجل رفيق درب السعي والنضال من أجل لقمة عيش تغنيهما مهانة السؤال لا غريما/خصما يجب محاربته والوقوف في وجه "جبروته" ...باختصار ، عن نساء مناضلات حقيقيات لكنهن "نكرات" ، يستحيل أن يرد اسم إحداهن في قائمة المرشحات للفوز ب خميسة الذهبية ولا تعرف الدولة بوجودهن إلا يوم الاقتراع ... 

هذه هي أولويات المرأة في هذا البلد ، التعليم والصحة والكرامة ، عفوا ، قلت المرأة فقط ؟؟ .كلا ، المرأة والرجل على السواء ، لأنها رهانات تنتظر المجتمع في كليته لا نصفه فقط ، وواهم من يعتقد أن معركة النضال لأجلها تعني المرأة فقط والرجل معفي منها لأنه في غنى عنها ..يجب أن نتجنب الوقوع في شرك المعارك الجانبية المفتعلة تاريخيا بين قطبي المجتمع ، فلا معنى لتحرر المرأة بالمعنى الذي تروج له تلك الفئة من النساء "المناضلات" والمواطن في هذا البلد لا زال يرزح تحت ثقل الفقر والمرض والمهانة وتُخسَفُ بكرامته الأرض ...النضال يجب أن يكون على أساس ترتيب الأولويات الملحة لا على أساس الهواجس والمصالح الشخصية الضيقة ، لهذا فإن أول ما على المرأة المناضلة في المغرب أن تستوعبه جيدا هو أن تتفادى السقوط في فخ اختزال معركتها في الصراع مع الرجل ...القضية أعمق بكثير ، إنها قضية الإنسان بالدرجة الأولى وما عدا ذلك من مطالب فئوية سيتحقق تلقائيا .

في هذا اليوم يجب أن نعلن فيه رفضنا لسلوكات ومواقف تتنافر مع البعد الإنساني الذي يجب أن يطبع علاقاتنا...يجب تدبير وبحث ونشر ثقافة العيش المشترك المؤسَّس على قواعد المواطنة المغلفة بمنظومة القيم الإنسانية المتعارف عليها بين الشعوب المتحضرة لا على ثنائية الرجل والمرأة وصراعهما الأزلي المفتعل/المبتذل ، وتكمن أهمية النظر إلى قضية المرأة بشكل عام من هذه الزاوية بالذات في التأكيد على أن خصم المرأة ليس هوالرجل كرجل/ذكر ..الأمر أكبر من هذه الصورة المختزلة ..في بلد كالمغرب الخصم المشترك بينهما هو ثلاثي جهنم الأرض : الفقر والمرض والأمية ومن يتسبب فيهم أو يرعاهم بأي شكل من الأشكال وكيفما كانت منزلته في هرم السلطة ..لا فرق ، ما دام يسمح أو يغض الطرف أو يتسبب من قريب أو بعيد في حدوث كوارث إنسانية يُفترض أن تكون قد اختفت في القرن الواحد والعشرين ، وعلى من يُشكك في كلامي هذا ، أن يُراجع أرقام الإحصائيات الرسمية فما باله بغير الرسمية أو الدولية.

في يقيني الشخصي أن المثقفات والمفكرات والنفسانيات وقيادات الجمعيات النسائية مدعوات أكثر من أي وقت مضى إلى المرور إلى الفعل عن طريق حراك ثقافي وإعلامي يُنهي المهزلة التي انخرطن فيها وهن يُطالبن عن وعي أو عن اندفاع أحمق بحقوق/كماليات كان لها أن تتحقق تلقائيا وللجميع بعد الانتصار أولا للأولويات البانية لكرامة الإنسان ، ولأجل ذلك فإن المرأة والرجل مدعوان معا في هذا اليوم وبقية أيام السنة إلى خوض عمل تشاركي لِقَلبِ هرمية/نمطية المحطات التنموية عن طريق بناء وعي مجتمعي يقطع علاقته المشوهة/المرضية مع ثنائية الصراع المفتعل بينهما تارة باسم الدين ، وتارة باسم العادات والتقاليد والموروث الثقافي ، وتارة أخرى باسم صراع وهمي مبني على الإقصاء غير المبرر لطرف على حساب آخر... لا مناص إذن من خوض هذا الرهان : الاشتغال على الوعي المجتمعي لكل من المرأة والرجل لتحطيم الخرافة القائلة بتفوق طرف ودونية آخر ، لا بد من تحطيم الوهم السائد بأن نجاح طرف يتطلب بالضرورة فشل الطرف الآخر ، أن انتصارات المرأة لا بد أن تأتي بمذاق هزائم الرجل ، وأن ما يعيق مسيرة المرأة نحو كسب "حقوقها" هو هذا الرجل ....إنها مجرد كذبة كبرى ، لا شيء يُعيق مسيرتهما معا نحو المستقبل أكبر من هذه الصورة النمطية/الوهمية/ والمعششة في ذهنيتهما عن حتمية صراع/حرب تاريخية بينهما ..

لا يُجادل إثنان في أن المدخل القانوني له دور المُحصن للمكتسبات والمُقَلِّص للفجوة الفاصلة بين وضعيتي الجنسين وبأن الترسانة القانونية التي ناضلت من أجلها النساء عبر التاريخ يمكن أن تكون قد أهلتهن لتبوء مناصب مهمة ومكنتهن من بعض الحقوق ، لكن الأكيد أيضا أنه لا وجود لمؤسسات وقوانين يمكن أن تصنع من الرجل _أبا كان أو أخا أو زوجا_ شخصا داعما/مشاركا وعن إيمان واقتناع لقراراتهن ومسارهن...نستنتج إذن أن الجانب التشريعي وحده غير كاف ، لابد من خوض/إنجاز تمارين تمس عقلية المجتمع ككل ، هذا فقط ما سيقلص من الهوة القائمة بين الاعتراف بالحقوق رسميا على الورق وبين ممارستها فعليا على أرض الواقع ، لهذا فإننا مدعوون جميعا إلى أن نغلق باب جبهة هذا الصراع التاريخي المُفتعل والذي استنزفنا وقتا وجهدا دون أن نحقق من ورائه نتائج في مستوى تطلعاتنا ...هذا هو الرهان الحقيقي للمجتمع ككل

إن إعادة بلورة موقف حازم وواضح من علاقة الرجل بالمرأة هو في حد ذاته تقدير لحجم المسؤوليات والرهانات التي تنتظرنا بدل تبادل الاتهامات والتراشق بالشعارات الجوفاء التي تباعد بيننا وبين فرصة العيش المشترك في ظل قيم إنسانية داعمة للفرد والمجتمع ...الخيار واضح إذن ، إما أن نصنع وطنا للجميع أو نتحامق ونحكم على مستقبل جيل بلد بأكمله بالتقوقع مجددا تحت مظلة خرافة صراع وهمي لم يحقق طموحات أي طرف بقدر ما أعمى بصيرتنا عن جبهة الصراع الحقيقي.