(رسالة مليكة مزان إلى أحمد عصيد وهديتها لنساء المغرب بمناسبة 8 مارس)

ــــــــــــــــــــــــ

نص الرسالة :

عزيزي أحمد عصيد ..

أمس عرفكَ بيتي مناضلاً كنت أفاخر به الشعب والقضية.

اليوم وقد اكتشفت أنك فقدت تماماً أخلاق ذاك المناضل لتعتنق الماكيافيلية التي هي "فن البقاء في حضن الضحية" لم تعد سوى ذكرى موجعة لن تساهم سوى في تأجيل تقدم نساء هذا البلد في اتجاه كل كرامة وحرية.

عزيزي..

تقول إحصائيات جراحي أن عنفك في حق نساء هذا الوطن قد تزايد، وبشكل يجعل إمكانيات حمايتنا منك ضئيلة، فعقليتك التي لا تستطيع (في غياب قانون تجريم العنف ضد المرأة) إلا أن تبقى ذكورية همجية، هذه العقلية صارت تبدو معها جميع أشكال عنفك مقبولة وطبيعية.

ففي الوقت الذي ما تزال فيه منشغلا بأكاذيبك التي لم تعد تسلينا، لا شيء يبدو قادراً على إيقاف عنفك ضدّ نساء هذا البلد، عنف كان قد تجاوز طوري ( كحالة معزولة) ليصبح ذهنية لك سائدة.

أمام هكذا ذهنية لك ذكورية لا تخجل من التطبيع مع كل عنف، تطبيع يساعدها عليه ذاك الغياب الفظيع لديك لكل عقل وضمير وذوق، أقول، أمام هكذا ذهنية لا أستطيع، عزيزي، إلا أن أحملك مسؤولية كتابات ها أنت تراها تتناسل لمحاسبة مناضل مثلك أخلف موعده مع التاريخ ومع الطموحات المشروعة لنساء هذا الوطن.

وقبلها لا أستطيع إلا أن أرفض بشدة أن تجعل من مرجعيتك العلمانية التحررية إطاراً عاماً للتعامل مع جسد كل امرأة ساقها قدرها إليك، لأن الجسد لا يمكن أن يكون تابعاً لأي تيار، خاصة إذا كان هذا التيار يسعى إلى "تنميط الجسد"، لأن التنميط يتعارض مع ضرورة حماية الجسد من كل استغلال حتى ولو كان يتم باسم الحق في التمتع بكل الحريات الفردية.

عزيزي..

إن مشكلتك هي مشكلة الرجل الشهواني الذي يعجز عن التعايش مع كل جسد يحترم نفسه، ومشكلتك أيضاً أنك لا تفهم الحب إلا في إطار من الوصاية والهيمنة. فما يدعو إليه نزوعك الشهواني هو الحب وهو عين الحرية والكرامة، وما تريده المتمردات من النساء فينا عليك وعلى مفاهيمك الخاطئة هو فقط بقاؤهن وفيات لقيودهن وعبوديتهن، أو هو فقط هوسهن المرَضي بالطعن المقيت في مصداقية مناضل من وزنك، ذاك الوزن.

عزيزي..

لم يغضبني سلوك منك بقدر ما أغضبني كونك توظف دائماً الأهداف النبيلة لكل علمانية لتحقيق مآربك الشهوانية ليس إلا، توظيفاَ أفرغ علمانيتك من مصداقيتها وصلاحياتها، مما بدت معه خطاباً يعمل على أدلجة الجسد بشكل معاد لحقه في كل تقدير وكرامة وصون.

مشكلتك، عزيزي، أنك داعية استبداد بديل باسم الحق في المتعة، داعية ينسى أننا في عصر غضب نساء نادين بالحرية وبالكرامة وبإسقاط أي نوع من الاستبداد، داعية ينسى بأن الكثير من الحريات التي ينادي بها (وهو في موقع المثقف العلماني) ليست حريات تساهم في التغيير الحقيقي، بقدر ما هي (في كثير منها) حريات نكوصية تشمل تراجعات كبيرة عن مكتسبات الجسد في نضاله الطويل المرير من أجل الكرامة.

بل داعية ليس له أن يمثل الحب ولا النبل، وعندما أسمعه يلقي مزيداً من قصائده أو محاضراته أو أراه يدعو النساء إلى مواصلة تمردهن على كل أشكال العنف الممارسة في حقهن أشعر بمقدار نفاقه وخداعه.

عزيزي..

بسبب سلوكاتك العنيفة المتوالية ها قد دفعتني إلى الشروع في إنهاء حكاية مناضل نسائي كانت ما تزال في بدايتها، دافعي أنه مناضل غريب الأطوار يستنكر كل سلوك وحشي شبيه يرتكبه رجل غيره، ولكن يصعب عليه أن يستنكر نفس السلوك حين يصدر منه، لا هدف له من تناقضاته الصارخة تلك سوى تكريس مزيد من العبث والقبح والظلم.

ـــــــــــــــــ

إشارة : سترد هذه الرسالة ( منقحة ) في روايتي بكل جوعي إليك ...