بطريقة قد تبدوا مقصودة ومفتعلة اصبحنا لا ننسى " فضيحة " إلا و وتظهر اخرى تتداول في المواقع الاجتماعية والصحافة الالكترونية عن قطاع التعليم ورجالاته، للتشهير بالأستاذ الذي لم يعد قادرا على ضبط الامور بالفصل، وغير قادر على التحكم في ما يقع في فصله، من خلال ما قدمته مجموعة من الفيديوهات عن فوضى وسب ورقص وانحلال وتدخين وسكر داخل فصول التعلم. الغريب أنه في كل مرة وبطريقة منظوماتية يشار بأصابع الاتهام الى الاستاذ والمعلم "الناقص تربية" والذي لا يستحق ان توكل له هذه المهمة الشريفة.
معذرة ايها السادة ومعذرة ايتها الصحافة ومعذرة ايها الاباء ومعذرة ايها المجتمع، إنكم كلكم/كلنا مسؤولون مع الاستاذ، بل والاستاذ بنفسه ضحية لنظام ساهمتم كلكم/كلنا في خلقه. الاستاذ جزء من هذا المجتمع وعيوبه في مستوى تمثيلية العيوب بمجتمع نحن مسؤولون عنه. نعم هناك استاذ فاسد لكن في مستويات تمثيلية الفساد في مجتمعنا. وأستاذ يشكوا من امراض نفسية لكن في مستوى تمثيلية مصغرة لانتشار مثل هذه الامراض بمجتمعاتنا. و و و و...
هذا التشهير الممنهج بوظيفة الاستاذ عامة وبالأستاذ في القطاع العمومي خاصة يدفعنا لطرح أكثر من فرضية وأكثر من تساؤل، خاصة في هذه الظرفية بالذات :
أولا، لماذا كل هذا التشهير بالتعليم العمومي على الخصوص، ولماذا في الوقت الحالي بالذات ؟ حيث يعيش لحظات احتضار ناتج عن شح مادي وبيداغوجي وعلمي ومؤسساتي لا سابق له. الغريب أن هناك عملية للتشهير من جهة بالقطاع العمومي وللإشهار بالقطاع الخصوصي من جهة ثانية. من جهة صورة نمطية سيئة عن التعليم العمومي وأساتذته وتلامذته، ومن جهه أخرى صورة امريكية وهليودية بقطاع مندمج ومدمج ومساهم وناجح من خلال مهرجانته وحملاته المواطناتية ونسب نجاح تلامذته ووو. حذاري ثم حذاري, لان الصورة والفيديو تؤثران في تشكل صور نمطية ستكون مدمرة من حيث قدرات التعليم العمومي على الاندماج في مغرب الغد.
ثانيا، هل معنى هذا ان القطاع الخصوصي سليم البدن ومتعاف. ام أن في المسألة حملات اشهارية وتشهيرية لهذا على حساب ذك. وإذا كان الأمر كذلك فإننا ننتظر الأخبث بخصوص التعليم العالي، بعد اعتراف الحكومة بدبلومات وشواهد الجامعات الخصوصية ببلدنا. إن عمليات التشهير هذه لا تعمل في الحقيقة إلا على تعزيز اعادة الانتاج المجتمعي بعديا A postériori ، لأن الصورة التسويقية للقطاع العام ستكون قد تضررت، وساهمنا جميعنا في ضرب مصداقيتها وقيمتها (حوتا وحدا تتخنز الشواري-كما يقول المثل المغربي). مع العلم أن كل الدراسات، والواقع كذلك، تؤكد قوة المدرسة والجامعة العمومية بالمغرب في الادماج والنجاح، ولا ننكر كوننا جميعا منتوجا لهما.
ثالثا، كيف يجرؤ أب، ومجتمع من خلاله، على محاسبة الآخر على وظيفة يتقاسمونها بل وهو أساسها، واقصد وظيفة التربية. إن ما يقع اليوم في المدرسة، وما حملته تلك الفيديوهات، ليس في حقيقة الامر سوى انعكاس درامي لواقع بيوتنا وشوارعنا من انعدام التربية وانزلاق وانحطاط شامل. ألم يقل الشاعر يوما: إنما الأمم الأخـلاق مـا بقيـت * * فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. إن الأستاذ في هذا النسق، يعتبر مغسلة لأوساخ مجتمع غير قادر على تربية ومرافقة وتأطير أبنائه. فإذا كان الاب والأم غير قادرين على ضبط ابنهما فكيف للأستاذ ان يضبط المئات من أمثاله في الفصل ؟
رابعا، هل الاستاذ ضحية ام جلاد ؟ اظنه ضحية لإمكانيات قليلة, وفي بعض الاحيان منعدمة, ولازدحام وضعف تاطير داخل المدرسة وفي الحي والمدينة التي يشتغل فيها. هو ضحية كذلك لعولمة ودمقرطة تكنلوجيا لا يجيد مجتمعنا ولا يعرف كيف يستخدمها لصالحه، حتى لا تكون وسائل اثبات ضده. هو ضحية كذلك لمجتمع فقد بوصلته ولم يعد قادرا على التمييز الصائب لمعرفة الصالح من الطالح. واتحدى أن يقوم من يعمل على تصوير مثل تلك الافلام بفعل نفس الشيء في بيت عائلته, حتى يكون شاهدا على اصل ذاك الفرع المنحدر من تلك الشجرة، وأية شجرة.
اتمى ان لا نقتاد مع هذه النزعة "الفضاحوية scadalisme" التي اصبحت اليوم تعصف بالأخضر كما اليابس ببلادنا، وأن نغلب الحكمة في تعاملنا مع الاشياء، فغالبا ما يتخفى الداء من وراء الأعراض ومن العيب أن نقف عند مستوى الاعراض ونترك المرض يفتك بمجتمعاتنا حتى لا اقول متعمدا مجتمعنا.