ثمة فرق واضح جدا بين الخطأ والجرم، يستدعي الأول التنبيه والتوبيخ ولربما التحذير، في حين يستدعي الثاني الجزر والعقاب  بقدر فداحته والأثر الذي يُحدثه... كان لابد من هذا التوضيح كي نفهم الكثير من اللغو والسفسطة الذي قيل ولا يزال في ما بات يُعرف بنكتة الأستاذ أبو زيد، هذه النكتة السيئة الذكر وكلمة "عرق" التي أوردها المقرئ في محاضرته قبل ثلاث سنوات طفت على السطح  الآن وفي هذا التوقيت بالذات لتثير زوبعة في فنجان الهوية المغربية.

قول الادريسيكان خطأ فادحا وليس زلة لسان عفوية كما يحاول أن يروج لذلك معسكر المدافعين عنه، ولم يكن جرما خطيرا يهدد الهوية المغربية في وحدتها كما يدعي معسكر الهجوم/"حماة الهوية"، هذا الخطأ لم يكن يستدعي أكثر من تنبيه من ذوي الاختصاص في الفكر وعلوم الدين ولابأس ببعض الاحتجاجات الخفيفة الظريفة على مواقع التواصل الاجتماعي ثم ينتهي الأمر بنسيانه ...


فلنكن صادقين على الأقل مع أنفسنا، ليس من عادة أبو زيد ولا من أخلاقه ولم يكن في نيته بتاتا احتقار أحد مكونات الهوية المغربية، هذه مسألة يجب أن يفهمها خصومه الفكريين قبل مؤيديه ومن يقول بغير هذا هو مجرد ظلالي أفاق ولا يميز بين المفكر والعطار ...ما حدث أن الرجل  تهور أمام أولئك القوم ولم يقدر عواقب الأمور، فأغلب الحضور كان من الخليجيين الذين يستعصي عليهم التمييز بين البخل وحسن التدبير وبين الكرم والتبذير، لهذا ، فإن تأويلهم للنكتة سيكون حسب عقليتهم ونظرتهم الضيقة لهذا الأمر ، كما أن المقرئ لم يستخضر وقتها  الفرق بين أن يتداول النكتة في جلسة للأصدقاء حول فناجين الشاي والكعك وحبات الجوز واللوز  وبين الوقع والصدى الذي سيحدثه توظيفه لها في شرح وجهة نظره خلال إحدى محاضراته والتي تداولتها وسائل الإعلام المختصة في الصيد في المياه العكرة واقتناص الهفوات وفي النفخ  في الرماد ...

كان على الأمر أن ينتهي عند حد التنبيه والمطالبة بالاعتذار من قبل "رعاة " الهوية والاختلاف على أكثر تقدير لينتهي هذا اللغو الذي مُطط أكثر مما يلزم ، لم يكن يستدعي هذه الحملة الهوجاء ضد الرجل والتي وضفت فيها وسائل قذرة وصلت حد تهديده وأسرته في سلامتهم الجسدية إن صح فعلا ما أفصح عنه للصحافة وآخر "تخربيق" روجت له بعض الصحف المحسوبة على "الحداثيين" أن رجل أعمال مغربي سوسي ومقيم بالدانمارك قد خص جائزة مالية قدرها 75 ألف يورو لمن يأتيه برأس المقرئ في إشارة واضحة منه _من التيار_ إلى الخطر الذي يُشكله الإدريسي والتيار الذي ينتمي إليه على النموذج المغربي الغني باختلافه  وعلى فسيفساء الهوية المغربية ..وا انتم سييييرو تلعبو بعيد ، السوسي ماشي سفيه ولا أحمق مندفع  ولا أهوج ليرتكب هذه الحماقة ، والمغرب ليس إيران وأبو زيد ليس سلمان رشدي ... منين تبغيو تلفقو لفقو شي حاجة معقولة وسهلة الهظم ولا لاستحمارنا وتهييج عواطف البسطاء والنفخ في الفتن النائمة ...


كل شيء بات واضحا : الحملة والقضية برمتها سُيست ووضفت لاغراض خسيسة بعد أن أُحيطت برداء العنصرية والتفرقة البغيضة ، هي حملة  بعيدة كل البعد عن حماية وحدة الهوية المغربية ، هذه الاخيرة هي آخر ما يهم مديرو هذه الحرب/تجار مصالح ، أكثر من ذلك  ،هم يسعون إلى تقويض أسسها المتينة خدمة لأجندتهم المسمومة  المتمثلة في إشغال الناس بالجزئيات وفي إثارة معارك هامشية بئيسة_ بعيدة عن نبض وأولويات الشارع وعن متطلبات المرحة الراهنة_  بين أطراف المعادلة المغربية  كمقدمة لتحوير النقاش الفعلي حول الإصلاح الحقيقي وعن مآل الصراع بين الديموقراطية ومعاقل الاستبداد والفساد بالمغرب ...


وللأمانة كان علينا منذ البداية أن نطرح السؤال التالي لتجنب هذه المهزلة : من له مصلحة في إثارة هذا الموضوع بعد ثلاث سنوات من إلقاء المحاضرة وفي هذا التوقيت بالذات ؟ من له مصلحة في شرقنة المغرب بإذكاء صراعات عرقية بئيسة لا وجود لها على أرض الواقع تشعل نارا تأتي على أخضرنا ويابسنا ؟؟ من ينفخ في صراعات هامشية فارغة من أي محتوى لتحويل وتحوير النقاش حول الإصلاحات العميقة والجذرية التي تؤسس للاستقرار الحقيقي ...إنهم دعاة وحماة الاستقرار الملغوم ...


فلنستمر بطرح الأسئلة الحارقة والمزعجة لنفوت عليهم فرصة الزج بنا في حرب لا تُبقي ولا تذر ...هذا الوطن لنا وليس مزرعة ورثها أحدهم عن جده ليعيث فيه هو وفئرانه فسادا..