مولود بوفلجة - جديد انفو

احتفالية الفقر

إن ثقافة المهرجانات الدولية و البهرجة و كرم المجاملة و بريق الأضواء و الزرابي الحمراء و موائد الطعام التي تنهجها الدولة المغربية مع ضيوفها الأجانب تشبه تماما بهرجة أعراس الفقراء الذين يجتهدون في إكرام المدعو وين فيَكترون من أجل ذلك القاعات أو يستعيرون الأواني و الأفرشة و يقدمون طعام المباهاة و "العْرَاضَة" ثم يحملون أهلهم تابعات حفل ليلة صاخبة بأعوام من الشح و التقتير ووجبات سد الرمق الحافية.

مناسبة هذا الكلام

لازالت المهرجانات المتناسلة في وطننا السعيد تستنزف المال العام و تغدق في العطاء الجزيل "للدْخْلاَني و البْرَاني' على حساب فقر الفقراء ..آخر هده المناسبات الاحتفالية الاستعراضية التي تطمح إلى تقديم صورة لامعة و" بيع الغش" للداخل و الخارج هو مهرجان الفيلم الدولي بمراكش و الذي نال حظا وفيرا من التغطية الإعلامية الرسمية على أنه حدث فني مشهود و كأننا نمتلك فعلا ماضيا و حاضرا مجيدا في فن السينما، نحن الذين لا ننتج إلا أفلاما معدودة على رؤوس الأصابع في السنة، أغلبها لمخرجين محظوظين لقربهم من السلطة التي جعلت منهم لسانها و مداحيها،يُدعمون بملايين الدراهم المدفوعة من المال العام لإنتاج رداءة و سخافات تحت مسمى الفن و الانفتاح و الإشعاع العالمي دون التفات إلى القضايا الحقيقية لعامة الشعب المغربي. و لكم في نبيل عيوش الذي ينال الدعم تلو الأخر نكاية في الجميع رغم موجة الرفض الذي أثارها فيلمه المعلوم الزين اللي فيك نظرا لغياب آليات واضحة في دولة "الحكامة" لمراقبة أوجه صرف المال العام.

فالمفارقة العجيبة أن المغرب الذي أغلقت فيه جل القاعات السينمائية و لم يتبق منها سوى 40 قاعة، ينظم ما يقارب 30 فعالية سينمائية في كل سنة يتلقى منها مهرجان مراكش لوحده ريع دعم صاف يناهز 10 مليون درهم.فأصبح المهرجان مناسبة لتكريم السينمائيين من كل أنحاء العالم في بلد يعيش فيه الفنانون الجادون ،على قلتهم، التهميش و الإقصاء المقصود و لسان الحال يقول في وجه المسؤولين "كَاع ما شْبّْعْتوا وْلاَدكم دّيرُوا الصَّدَقة"

إن ما يحكم مثل هده المهرجانات المسماة عالمية هو "عقدة و أثر الاستعراض" في دولة مازالت محكومة بالصورة التي سوقتها عنها فرنسا المستعمرة التي " تفننت في تسويق المغرب ،بما أفرغت عليه من التسميات من قبيل المملكة السعيدة و كاليفورنيا الإفريقية لاجتذاب رؤوس الأموال و المهاجرين إليه" كما قال بيير فيرمورين .

إن الدولة المغربية منخرطة في لعبة إلهاء كبرى "بواسطة طوفان مستمر من الترفيهات" مسخرة من أجل ذلك إعلامها الرسمي الذي تحول إلى مختبر للتجميل لإخفاء تجاعيد الفقر و دمامة التخلف و كدمات الجوع التي تغطي وجه الوطن لذلك فمهرجانات اللهو و البهرجة حاضرة بيننا حتى في ظل الاحتقان الاجتماعي و الاحتجاجات المتنامية و في ظل الحديث عن التهديدات الإرهابية. قد يجوع الشعب و قد يعرى و قد تستفحل الأمراض و تعم العطالة و الفساد لكن "فْلُوس القْصَارى و فلوس النصارى كاينا فالشكارة"

وقد تنطلي كذبة البلد الجميل و الشعب المضياف على الأجنبي لما يناله من العطايا و ما يستفيد منه من ترحيب و خدمات ما حل منه و ما حرم، فالهدايا تضلل حتى العقلاء ،لكنها حتما لن تنطلي علينا لأننا نعرف خروب بلادنا و نعرف الغرض الحقيقي وراء هذا السيل من المهرجانات و نعرف المستفيد منه.