وديع سكوكو- جديد انفو

تعتبر الفكرة التي اتخذناها عنونا لمقالنا، فكرة عامة وشاملة للرأي والرأي الآخر، وبإمكاننا وضعها في أي سياق، عاما كان أو خاصا، يتأسس على الحوار والنقاش، الذي قد يكون إما عقلاني – عقلاني، وإما عقلاني – لاعقلاني، يتناول فكرة قبول أو رفض رأي لرأي آخر، والرفض على حسب اختلافه وتمثله من طرف الآخر، الذي قد يعجز على الإقناع بالأدلة والحجج، من أجل الدفاع عن رأيه وموقفه، مما قد يدفعه للجوء إلى وسائل أخرى، أهمها الانسحاب، أو الخضوع، أو اللجوء إلى العنف بنوعيه: الرمزي والمادي …

 تأتي الفكرة الملخصة أعلاه، في سياق الاغتيال السياسي الذي عرفته الساحة الجامعية بمراكش، التي لم تعد ساحة للمقارعة الفكرية والسياسية، بالحوار والنقاش البناء… بل هي ساحة للعنف الأحادي الطرف، بوجود فصائل طلابية، لا تؤمن بالتعدد والاختلاف، الذي أصبح ضرورة ملحة داخل الجامعية المغربية، من خلال إعادة النظر في الخطاب السائد، وتقديم إجابات موضوعية ونقدية للخطاب المهيمن داخل وخارج أسوار الجامعة، غير أن أي خطاب لا يتوافق مع خطاب تلك الفصائل، يواجه بالرفض والعنف الرمزي والمادي … كما وقع مع الحركة الثقافية الأمازيغية منذ بروزها داخل الساحة الجامعية إلى يومنا هذا، باعتبار خطابها خطابا نقديا، يرتكز على مبدأ النسبية، والعلمانية، والعقلانية، والاختلاف … وكل القيم الإنسانية النبيلة، التي اتخذتها الحركة الثقافية الأمازيغية سلاحا لها، في احترام تام للباقي مكونات الساحة الطلابية، رغم الاختلاف الفكري والسياسي… الشيء الذي لم يرق لتلك الفصائل الأحادية الفكر والإطلاقية الرؤية، فلا صوت يعلو على صوتها، ولا خطاب يسود غير خطابها … سلاحها الأول والأخير هو العنف الثوري، العنف ولا شيء غير العنف، في تغييب تام لأدبيات الحوار والنقاش العقلاني.

 هكذا، عجزت هذه الفصائل على مقارعة الحركة الثقافية الأمازيغية بسلاح الفكر والعقل، فلجأت إلى التعنيف الرمزي باتهامات مجانية وعبارات قدحية، إن دلت على شيء فإنما تدل على تدني فكرها، ثم تعنيف مادي بالسيوف والسكاكين والمزابر… من أجل تبرير رفضها لأي فكر يختلف معها، ظنا منها أن العنف قد يحد من خطاب الحركة داخل الساحة الجامعية، غير أنها – الحركة الثقافية الأمازيغية – استطاعت بتبنيها لمبدأ الحوار ونبذ العنف داخل الساحة الجامعية، أن تستفز – فكريا- كل الفصائل والمكونات الطلابية لإعادة النظر في خطابها ومرجعيتها الفكرية والسياسية، لكن دون جدوى، بل إن رد هذه الفصائل هو العنف المادي، من خلال إقدامها على مجموعة من الاعتداءات التي راح ضحيتها مناضلون أمازيغ بمجموعة من المواقع الجامعية، آخرها كان الاغتيال السياسي الذي تعرض له المناضل عمر خالق الملقب بـ : ” إزم” (الأسد)، وذلك من طرف مجموعة من الطلبة المحسوبين على “فصيل” الطلبة الصحراريين الموالين لجبهة البوليزاريو الانفصالية، والذين يعتبرون أنفسهم طلبة أجانب بالمغرب، أعلنوا وبشكل رسمي تبنيهم لحادث الاغتيال بجامعة القاضي عياض بمراكش.

 إن حادث اغتيال عمر خالق، أعاد إلى الواجهة نقاشا كان في الأمس القريب من الطابوهات السياسية، هو نقاش الريع والامتيازات التي يحصل عليها مجموعة الطلبة الانفصاليين، من منح جامعية، ونقل مجاني، وولوج لمسالك الماستر والدكتوراه … رغم مواقفهم الانفصالية، والتي تَعتَبر المغرب دولة مستعمِرة للأقاليم الصحرواية … ومع ذلك لم تتدخل الدولة المغربية من أجل الحد من هذه الامتيازات من جهة، والسلوك الانفصالي من جهة ثانية… عوض أن ينخرط هؤلاء الطلبة الصحراويون في نقاش الموضوع داخل الساحة الجامعية، بشكل موضوعي وعقلاني، ينبني على الرأي والرأي الآخر، وعلى الحوار الجاد، اختاروا كعادتهم اللجوء إلى العنف المادي، من أجل التهريب والتهديد والتصدي لكل من يختلف معهم… بأسلحة مختلفة من سيوف، وسكاكين، ومزابر … في هجوم همجي (حوالي 40 فردا) على مجموعة من الطلبة الأمازيغ، دون سابق إنذار، لينهالوا عليهم بالضرب والجرح … لا لشيء سوى لأنهم أمازيغ لهم مواقفهم ورؤيتهم للعالم، لما يعيشه المغرب عامة والساحة الجامعية خاصة، ليختتم هذا الهجوم الجبان باغتيال سياسي بامتياز أمام أعين رجال الأمن (الواقفين أمام الحدث دون تدخل لإيقافه)، اغتيال طال جسد عمر خالق ولم يطل فكره الحر، الذي بقي محفوظا ومحصنا لدى كل مناضلات ومناضلي الحركة الأمازيغية عامة… عمر دفنت جثته بمسقط رأسه، غير أن عمر المناضل يسكن كل أرض تامازغا، باعتباره شهيدا للقضية الأمازيغية …

 لا يسعنا ونحن في ختام هذا المقال، إلا أن نؤكد أن قبول الرأي والرأي الآخر، لا يتحلى به إلا ذو عقل سليم، يؤمن بالاختلاف والتعدد، يؤمن بالقيم الكونية، يؤمن أن الخلاف يدبر بالحوار والنقاش العقلاني، أما العقول المتحجرة فلا أمل فيها، فماهي إلا عقول إطلاقية، وقصيرة الرؤية، وعنيفة الرد، وأحادية الفكر … فبعجزها عن قبول الاختلاف والتعدد تلجأ إلى العنف… لهذا، قلنا أن العقل عندما يعجز عن التفكير يلجأ إلى العنف … وهو ما أكدته شردمة البوليزاريو بمراكش …