تعتبر الأزياء من السمات المميزة للجماعات البشرية في الزمان والمكان، كما أنها خصوصية ورموز ثقافية يفترض العمل من أجل حفظها وصيانتها، خصوصا في ظل تيار العولمة المتوحش الذي يلتهم الثقافات والقيم.

أمام هذا الوضع يجب التفكير في محاولة استجلاء عناصر قوة الرموز الثقافية وإبرازها بشكل يسمح له بالتفاعل مع السياق الجديد، وإبداع آليات أخرى تمكن هذا الموروث من الاستمرارية ومقاومة كافة التحديات.

في ظل الزحف الناعم إذا للعولمة، والذي يتغذى على التكنولوجيا الحديثة، يتعين الانتباه إلى خطر الانصهار والذوبان في الثقافة الوافدة، والذي يتهدد المجتمعات الأقل نموّا؛ كما يتعين بناء العقلية المفتخرة بهويتها وتاريخها، المؤمنة بالتفاعل الإيجابي مع المستجدات، والمسلمة بحتمية الانفتاح على العالم وقراءة ثقافاته.

ما إن تعبر الجنوب الشرقي للمملكة حتى يلفت انتباهك ذلك الرداء الأسود، ذو الرموز المختلفة والألوان المتنوعة، والذي تضعه النسوة. هذا الرداء أو "الحايك" يسمى محليا "تَاحْرُويْت"، وهو ليس مجرد رداء فحسب، بل رمزا من الرموز الثقافية التي تميز الجنوب الشرقي وتحفظ خصوصية هذه الربوع، كما ينطوي على رمزية يجب الإبحار سميائيا لسبر أغوارها.

"تَاحْرُويْت" عادت في الآونة الأخيرة بعدما كادت تختفي من على أكتاف النسوة، بل وأصبح ارتداؤها موضة ومبعث فخر انتماء لحسناوات الجنوب الشرقي.

"تَاحْرُويْت" ليست مجرد قطعة قماش كما يبدو لنا في أول وهلة، بل لوحة فنية أبدعتها أنامل رقيقة حفظا للذاكرة وصيانة للانتماء؛ قطعة ثوب باللون الأسود –قبل أن يتم استعمال ألوان أخرى- تحمل الكثير من الرموز الثقافية، تدخل ضمن الوعي التقليدي بالهوية الأمازيغية، وضمنها نجد "تاسغنست" أو "تازرزيت" (الخلالة)، أو حرف "الزاي"، الذي يرمز إلى اللغة الأمازيغية، إلى جانب تشكيلات "كاليغرافية" لأبجدية "تيفيناغ"، ورسومات وأشكال هندسية أخرى متنوعة.

يجدر التذكير بأن المجال الحار -الذي تمثله السهول- في الجنوب الشرقي هو موطن "تَاحْرُويْت"، بامتياز، عكس المناطق الباردة –المجال الجبلي- حيث تغلب "تابيزارت" أو "تاميزارت" أو تاحنديرت".

في الإطار ذاته يمكن أن نميز، ومن خلال "تَاحْرُويْت"، الانتماء المجالي –وليس القبلي بحكم أن هناك قبائل صغرى تنتمي لذات المجال- لحاملتها. وفي الجنوب الشرقي يمكن أن نميز بين مجالين قبليين كبيرين؛ مجال كنفرالية أيت عطى، ومجال كنفدرالية أيت يافلمان؛ وتظل الألوان والرموز التي تحملها "تَاحْرُويْت" سمة مميزة ومعيارا فاصلا في هذا التصنيف.

أمام حتمية رياح التغيير التي لا مناص منها، عرفت "تَاحْرُويْت" جملة من التغييرات مسّت جوانب اللون والرمز والحجم، علاوة على معطى التسويق الذي فرضه السياق الجديد. وهكذا، فبعد أن كانت "تَاحْرُويْت" رداء أسود منذ غابر الأزمان، أصبحت اليوم تقدم بألوان متنوعة، خصوصا الأصفر والأبيض والأزرق والبرتقالي، إلى جانب الأسود طبعا. وبعد أن كانت "تاحرويت" تقتصر على أشكال هندسية وأزهار مزركشة إلى جانب خطوط مستقيمة، أضحت اليوم لوحة فنية تعرض الكاليغرافيا الأمازيغية، خصوصا حرف "الزاي"، إلى جانب "تاسغنست" أو "تازرزيت" (الخلالة) بل وحتى تطريزات وافدة على المنطقة.

من حيث الحجم، كانت "تَاحْرُويْت" التقليدية تقارب ثلاثة إلى أربعة أمتار مربعة، إلا أنه يمكن أن نجد اليوم "تَاحْرُويْت" في حجوم أصغر، يمكن ألا تتجاوز المتر المربع الواحد. من جهة أخرى، أدخلت تعديلات عديدة في طريقة إعداد "تَاحْرُويْت"، إذ أدمجت تقنيات حديثة، خصوصا في شق الطرز –الفاسي أو الرباطي- الذي تمت مكننته.

في الأخير، وبعد أن كانت "تَاحْرُويْت" تعدّ للاستعمال الشخصي، أصبح الإعداد اليوم موجّها للتسويق بحكم الحاجة الملحّة إلى المال.

حاولنا أن نقف على نظرة نساء من خارج مجال الجنوب الشرقي إلى "تَاحْرُويْت"، فوجدنا أنها نظرة إعجاب. في هذا الإطار تقول "ب. غزلان" (تازنكضت)، وهي من تارودانت: "شخصيا أتوفر على "تَاحْرُويْت" وأسعد بارتدائها بعدما اكتشفتها من خلال زميلاتي من الجنوب الشرقي بالجامعة؛ فهي تزيد المرأة جمالا وجاذبية، ألوانها ورموزها تجعلك تحس بالفرحة كلما أمعنت النظر فيها. لا يسعني إلا أن أهنئ نساء الجنوب الشرقي بهذه التحفة الفنية". بدورها "خ. فاطمة"، وهي من بني ملال، تعتقد أن "تَاحْرُويْت" رمز ثقافي اعتمد بطريقة عفوية في ما مضى، ثم أصبح اليوم موضة داخل الصالونات واللقاءات. فاطمة تظن أن هذا التحول ربما أفقد هذا الرداء شيئا من جاذبيته؛ كما تقول إن "الألوان الحية للرداء شيء جذاب، لكن يتعين توظيف الرموز الهوياتية بشكل يحفظ تيفيناغ على الأثواب بعدما حفظتها الصخور".

في الأخير، تقول فاطمة إنها بصدد مشروع لإدماج تيفيناغ في "تَاحْرُويْت"، وستبدأ بنفسها في وضع الرداء بهدف التعريف به أكثر فأكثر.

زيارة قادتنا إلى ورشة إعداد جماعي لـ"تَاحْرُويْت" بقصر الخربات في تنجداد بإقليم الرشيدية، وهي الالتي توجد بـ"متحف الواحة" بالقصر ذاته. هنا تشتغل ثماني عشرة سيدة -بين عازبة ومتزوجة ومطلقة وأرملة- على صناعة "تَاحْرُويْت" في إطار جمعية الخربات للتراث والتنمية المستدامة؛ وهي الجمعية التي تنسق مع منعش سياحي في المكان من أجل التسويق.

السيدة "ج. خديجة"، منسقة الورشة، عبرت عن ارتياحها لما تحققه هي وزميلاتها داخل الجمعية، وأكدت في تصريحها أن شهر فبراير على سبيل المثال شهد مبيعات بلغت 12150 درهما، وهو ما يوفر لهن أرباحا مهمّة تساعدهن على مصاريف الحياة.

خديجة أكدت أن إقبال الأجانب أكبر بكثير من إقبال المغاربة، وهو ما تفسره بـ"عقدة احتقار الذات، وربما ضعف الذوق". في الإطار ذاته تؤكد المتحدثة على فضول السياح وحبهم للاكتشاف، وكذا إعجابهم بمنتجات الورشة.

"أ.عائشة"، وهي إحدى المستفيدات من الورشة، عبرت بدورها عن سعادتها لكون هذه الأخيرة تساعدها على حاجيات الحياة، وتؤكد أنها وزميلاتها يحاولن على الدوام تطعيم "تَاحْرُويْت" بألوان ورموز وأفكار جديدة تضمن استمرار الإقبال عليها، بل وإبداع أزياء متنوعة وفية لروح "تَاحْرُويْت" وتستجيب لإكراهات الوسط، وخصوصا التزامات الشغل.

اتصلنا بالمنعش السياحي "ب.حماد"، صاحب فكرة الورشة والتسويق، فصرح لهسبريس بأن فكرة تسويق "تَاحْرُويْت" نابعة من فلسفة رسملة وتثمين تراث الواحات. ويضيف محدثنا أن القيمة الرمزية والمادية لـ"تَاحْرُويْت" تزداد إذا سوّقت داخل دائرة القصر(القصبة)، وفي إطار جمعوي؛ "لأن السياح –الأجانب بالخصوص- يؤمنون بفكرة الاقتصاد التضامني والسياحة المسؤولة، ويعجبون بالأنشطة البديلة للنسوة، والتي عوضت الأنشطة التقليدية داخل الحقول والبيوت".

هي إذا تجربة فريدة لتثمين المنتوج المجالي للواحات، وخصوصا "تَاحْرُويْت"، وحفظ للذاكرة الجنوب-شرقية وخصوصيتها المتميزة. ويبقى المنتوج السياحي الوطني في أمس الحاجة إلى أفكار وفلسفات مماثلة لربح رهان تطوير السياحة من جهة، ثم حفظ الموروث الثقافي وصيانته بشكل يجعله مدرّا للدخل من خلال التثمين والرسملة الذكيين.