محمد حجاجي - مرزوكة / متابعة
 
الاشتغال على بورتريهات سلاطين وملوك الدولة العلوية المغربية الثلاثة والعشرين، من مولاي علي الشريف، حفيد الحسن الداخل، إلى الملك محمد السادس (1)، تطلب من الفنانيْن التشكيليين جوهانا روسلو ولحسن محمودي ما يقرب من عام ونصف من العمل والجهد المتواصل، تخللها بحث دؤوب وقراءة مستمرة في الوثائق والأنترنت، في تاريخ المغرب، وتاريخ سجلماسة وتافيلالت، والدولة العلوية بشكل خاص، وزيارات استكشافية متعددة لمآثر سجلماسة، ومعالم ومرافق ضريح مولاي علي الشريف بالريصاني، وملاحظة الصور والرسوم القديمة للسلاطين والملوك، والاتصال ببعض المسؤولين لتدقيق المعارف وما يساعد على الإنجاز الأمثل للبورتريهات.
 
وقد قادهما البحث والتنقيب في تاريخ كل سلطان وكل ملك على حدة، إلى تكوين تصور شامل عن الأسرة العلوية الشريفة، ساعدهما على إنجاز البورتريهات بدقة متناهية.
 
وقد تعاون الفنانان الزوجان على العمل في الظروف المعروفة للحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا، فاشتغل لحسن على إعداد أقمشة اللوحات، وأتقن صناعة براويزها وحواملها، وانكبت جوهانا، بشغف ومحبة، على إنجاز البورتريهات؛ فكانت الحصيلة مبهرة: 23 بورتريها للسلاطين والملوك (مقياس 80/60 سم) عالية الجودة والإتقان... ومما تجب الإشارة إليه أن الفنانيْن مزجا مادة الصباغة، أثناء الرسم، ببعض حُبيبات رمل وحصى موقع سجلماسة الأثري في كل اللوحات.
 
إقامة الفنانين بمنطقة مرزوكة التابعة لدائرة الريصاني، عاصمة تافيلالت ومهد الدولة العلوية ووريثة حاضرة سجلماسة، ذائعة الصيت في تاريخ المغرب، ومحتضنة ضريح المولى علي الشريف... جعلت جوهانا ولحسن يعمقان البحث في تاريخ المغرب والمنطقة، وسير سلاطين وملوك العلويين، وديمومة حكمهم للبلاد وآثارَه؛ فألهمهم ذلك إنجاز البورتريهات، ساعدهم في ذلك ظروف الحجر واستثمار الوقت الفائض في عمل شيء ذي قيمة، فكانت البورتريهات.
 
الاهتمام بالتاريخ ليس غريبا على جوهانا، المادة التي كانت مع الأدب ما تخصصت فيه في دراستها، قبل أن تعتمد على ميلها وعصاميتها وموهبتها في الرسم، وتتابع دروسا مسائية في الفن التشكيلي لمدة سنة. كما أن ملاحظة صور وتعابير الوجوه والشغف برسم البورتريهات صاحباها منذ طفولتها المبكرة ودراستها بمدينة كونياك (دائرة لا شارونت)، مسقط رأسها (حوالي 120 كلم شمال بوردو)، خصوصا في الثانوي حيث استفادت من تشجيع ونصح واحتضان بعض أساتذتها. بعد الباكلوريا، تابعت دروسا مسائية مكثفة في الرسم بمدينة أنكوليم، في مدرسة الفنون الجميلة بها.
 
نظمت معرضها الأول للوحات وهي لا تتجاوز العشرين من عمرها، ثم تتالت بعد ذلك المعارض في فرنسا وألمانيا وبلجيكا والصين، ثم في المغرب الذي بدأت معرفتها به عن طريق التواصل عبر الأنترنت، مع الفنان لحسن محمودي، حيث تشاركا النقاش والملاحظات ووجهات النظر حول لوحاتهما والفن التشكيلي والثقافة بشكل عام، الأمر الذي شجعها على المجيء إلى المغرب (سنة 2007) في زيارة سياحية قادتها إلى الرشيدية ومنطقة مرزوكة صحبة الفنان لحسن. فانبهرت بجمال المغرب والمنطقة، وتوطدت العلاقة بينها وبين الفنان المغربي، فقررت بعد عام من عودتها إلى فرنسا في قرارة نفسها، الاستقرار بالمغرب الذي أغرمت به وبناسه بعد أن انبهرت بمرزوكة وطيبة ساكنتها. فكان الاستقرار سنة 2010. وبعد زواجهما أقاما بالخملية في مرزوكة وأنشآ مرسمهما الذي هو في نفس الوقت معرضهما الدائم للوحاتهما، وقد تفننا في تصميمه وتأثيثه بنفسيهما، معتمديْن على حسهما الفني ومستعملين ما توفره البيئة المحلية فقط، من عناصر ومواد البناء والتأثيث، فصار جوهرة فنية وواحة وارفة للفن والثقافة والاستراحة وتذوق الفن والتواصل الإنساني، غير بعيد عن أكوام رمال مرزوكة؛ ولم ينسيا أن يجملا الفضاء بركن/مكتبة ومقهى صغير، فصار فضاء مثاليا للراحة والقراءة والتأمل والتملي بجمال اللوحات واقتنائها...
 
لحسن من مواليد الخملية بمرزوكة، التي تلقى بها تعليمه الابتدائي، وبعد نيله الشهادة الابتدائية تابع الدراسة بثانوية الأمير مولاي عبد الله (المطار) بالرشيدية، المدينة التي استقر بها مع أسرته، ليعود إلى الخملية بعد ارتباطه بجوهانا وليقيما بها ويحققا مشروعهما بإحداث مرسم ومعرض فني دائم بها، ويمارسا شغفهما ويعرضا لوحاتهما..
 
لحسن أيضا كانت بوادر موهبته وميوله الفنية ظاهرة منذ طفولته، حيث كان يمضي أوقاتا طويلة يخطط ويرسم على رمال الخملية، "قماشِه" الأول، ثم يمحو ما "خربش"، ويستأنف التخطيط والرسم ثم يمحو.. وهكذا. واستمرت محاولاته في المدرسة والثانوية حين اكتشف أساتذته موهبته وشجعوه على المضي في ممارستها والمشاركة في مسابقات الرسم. بعد التعليم الثانوي استمر في الرسم والقراءة والبحث بشكل عصامي لصقل موهبته، ثم بدأ في المشاركة في المعارض الفنية محليا ووطنيا، ثم كان اللقاء بجوهانا، فاحتك بتجربتها واستفادا من بعضهما البعض، حيث اشتغل بالتعبيري ابتداءً، قبل أن يحط الرحال حاليا على التجريد مستثمرا ألوان المنطقة الفاتحة والخطوط العربية والأمازيغية والفرنسية.. بينما استمرت جوهانا في التعبيري، باستنطاق الوجوه والنظرات المعبرة بشكل خاص. إن الفنانين يشكلان زوجا متكاملا في الفن وفي الحياة؛ وقد كان إنشاء مرسمهما/معرضهما بالخملية حدثا ثقافيا غير مسبوق، يحج إليه الزوار المغاربة والأجانب الذين يفدون إلى مرزوكة من كل جهات العالم، يبهرهم جمال المرسم وحسن تأثيثة والفنية العالية للوحات الزوجين، وحسن الاستقبال الذي يحظون به في فضاء هادئ مفعم بالجمال والإنسانية.
 
أقام الفنانان معارض عديدة، بمفردهما أو مع فنانين آخرين في المغرب (بالرشيدية وطنجة وورزازت ولمحاميد وزاكورة ..) وفي الخارج (بفرنسا على الخصوص)، وتلقَى لوحاتُهما اهتماما وإقبالا لافتين من الفنانين ومحبي الفن التشكيلي عامة.
 
للحسن أيضا حس موسيقي مرهف، وهو كناوي لامع ويرأس فرقة للفن الكناوي بالخملية وشارك في عدة تظاهرات كناوية بمهارة فائقة.
 
إنجاز الفنانين لبورتريهات سلاطين وملوك الدولة العلوية يبين افتخارهما بالانتماء للمغرب ومنطقة تافيلالت، مهدِ العلويين، وإدراكَهما لأهمية العراقة التاريخية في استقرار البلد ودور الفن والثقافة عموما في الانخراط في التنمية.
 
(1) يعرض الفنانان بورتريهاتهما في معرضهما/مرسمهما بالخملية قرب مرزوكة (إقليم الرشيدية)، من 27 أكتوبر إلى 07 نونبر 2021، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء.