جديد انفو / متابعة

شكلت‭ ‬مدونة‭ ‬الأسرة‭ ‬الصادرة‭ ‬عام‭ ‬2004‭ ‬منعطفا‭ ‬هاما‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬التشريع‭ ‬المغربي‭ ‬بما‭ ‬هي‭ ‬مشروع‭ ‬وطني‭ ‬حداثي‭ ‬غايته‭ ‬صيانة‭ ‬الحقوق‭ ‬الإنسانية‭ ‬لجميع‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬المغربية‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬المقاصد‭ ‬الشرعية‭ ‬للمرجعية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬واستحضارا‭ ‬للقيم‭ ‬الكونية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

 زواج‭ ‬“الفاتحة‭".. ‬الوضعية‭ ‬القانونية‭

 ومن‭ ‬القضايا‭ ‬الجوهرية‭ ‬التي‭ ‬انكبت‭ ‬عليها‭ ‬المدونة،‭ ‬مسألة‭ ‬توثيق‭ ‬الزواج‭ ‬وذلك‭ ‬تطويقا‭ ‬للإشكالات‭ ‬القانونية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬أفرزها‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" (‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬سورة‭ ‬الفاتحة‭ ‬عند‭ ‬عقد‭ ‬القران‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬زواج‭ ‬يعتبره‭ ‬البعض‭ ‬شرعيا‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أركان‭ ‬الزواج‭ (‬موافقة‭ ‬الطرفين،‭ ‬شهود،‭ ‬صداق‭...)‬،‭ ‬فيما‭ ‬يعتبره‭ ‬آخرون‭ ‬زواجا‭ ‬سريا‭ ‬بغرض‭ ‬تحقيق‭ ‬أو‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬خاصة،‭ ‬وقد‭ ‬ارتبط‭ ‬تاريخيا‭ ‬بالمجتمع‭ ‬التقليدي‭ ‬والقبلي‭ ‬حيث‭ ‬تغيب‭ ‬ثقافة‭ ‬التوثيق،‭ ‬واستمر‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬والبوادي‭ ‬والمناطق‭ ‬النائية‭ ‬لاعتبارات‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وثقافية،‭ ‬لذلك‭ ‬جاءت‭ ‬المادة‭ ‬16‭ ‬من‭ ‬المدونة‭ ‬فاشترطت‭ ‬في‭ ‬فقرتها‭ ‬الأولى‭ ‬وجود‭ ‬عقد‭ ‬موثق‭ ‬عند‭ ‬العدول‭ ‬وفي‭ ‬المحاكم‭ ‬المختصة‭ ‬لإثبات‭ ‬الزوجية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬للهدر‭ ‬الحقوقي‭ ‬الذي‭ ‬يلحق‭ ‬المرأة‭ /‬الزوجة‭ ‬والأطفال‭ ‬المنحدرين‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الزواج‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬التنازع‭ ‬والشقاق‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬وفاة‭ ‬الزوج‭ ‬أو‭ ‬الزوجة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الحالات‭.‬

ولتصفية‭ ‬تركة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬إقرار‭ ‬المدونة،‭ ‬وتوثيق‭ ‬جميع‭ ‬حالات‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬بالمغرب،‭ ‬أقرت‭ ‬المادة‭ ‬16‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬فترة‭ ‬انتقالية‭ ‬مدتها‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬سمحت‭ ‬خلالها،‭ ‬وبصفة‭ ‬استثنائية،‭ ‬بإثبات‭ ‬العلاقة‭ ‬الزوجية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القضاء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬دعوى‭ ‬سماع‭ ‬الزوجية،‭ ‬وقامت‭ ‬وزارة‭ ‬العدل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬بحملات‭ ‬تحسيسية‭ ‬ونُظمت‭ ‬محاكم‭ ‬متنقلة‭ ‬إلى‭ ‬القرى‭ ‬والمداشر،‭ ‬بل‭ ‬تم‭ ‬تمديد‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬لمرتين‭ ‬أخريين‭ (‬أي‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬أخرى‭) ‬بشكل‭ ‬استثنائي‭ ‬بغرض‭ ‬استكمال‭ ‬عملية‭ ‬التوثيق‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬إذ‭ ‬تبين‭ ‬استمرار‭ ‬ظهور‭ ‬حالات‭ ‬جديدة‭ ‬لزواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬وبشكل‭ ‬لافت،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬دعاوى‭ ‬ثبوت‭ ‬الزوجية،‭ ‬ليتحول‭ ‬بذلك‭ ‬الاستثناء‭ ‬إلى‭ ‬أصل،‭ ‬مما‭ ‬وضع‭ ‬مقتضيات‭ ‬المادة‭ ‬16‭ ‬من‭ ‬المدونة‭ ‬أمام‭ ‬مأزق‭ ‬واضح‭. ‬

وفي‭ ‬غياب‭ ‬إحصاءات‭ ‬دقيقة‭ ‬وشاملة‭ ‬حول‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬بالمغرب،‭ ‬لا‭ ‬يسع‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬سوى‭ ‬التعلق‭ ‬ببعض‭ ‬الأرقام‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬أو‭ ‬الدراسات‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تركز‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬القاصرات،‭ ‬ومنها‭ ‬الدراسة‭ ‬التشخيصية‭ ‬حول‭ ‬زواج‭ ‬القاصر‭ ‬المنجزة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬والتي‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الأحكام‭ ‬الصادرة‭ ‬بثبوت‭ ‬الزوجية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بقاصرين‭ ‬بلغت‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬2015‭ ‬إلى‭ ‬2019‭ ‬وحدها،‭ ‬13‭ ‬ألف‭ ‬و843،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬لافت،‭ ‬علما‭ ‬أنه‭ ‬يهم‭ ‬18‭ ‬قسما‭ ‬لقضاء‭ ‬الأسرة‭ ‬فقط،‭ ‬فيما‭ ‬يشير‭ ‬تقرير‭ ‬شبكة‭ "‬أناروز‭" (‬الشبكة‭ ‬الوطنية‭ ‬لمراكز‭ ‬الاستماع‭ ‬للنساء‭ ‬ضحايا‭ ‬العنف‭) ‬لعام‭ ‬2019‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬25‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الزواج‭ ‬دون‭ ‬توثيق‭ ‬تهم‭ ‬القاصرات‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬عاما‭.‬

هذا‭ ‬الوضع‭ ‬يجعلنا‭ ‬نتساءل‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬18‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬صدور‭ ‬المدونة،‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ "‬الفشل‭" ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هدف‭ ‬توثيق‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬رغم‭ ‬تمديد‭ ‬الفترة‭ ‬الانتقالية‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬على‭ ‬التوالي‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬15‭ ‬عاما؟‭ ‬وعن‭ ‬العوامل‭ ‬أو‭ ‬الأبعاد‭ ‬السوسيواقتصادية‭ ‬المنتجة‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬والمكرسة‭ ‬لاستمرارها؟‭ ‬وكذا‭ ‬الثغرات‭ ‬الإجرائية‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬فعالية‭ ‬المقاربة‭ ‬القانونية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬زواج‭ ‬الفاتحة‭ ‬ببلادنا‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬فتئت‭ ‬نسبته‭ ‬تتزايد‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬أو‭ ‬لدى‭ ‬مغاربة‭ ‬المهجر؟‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المقاربة‭ ‬الزجرية‭ ‬كفيلة‭ ‬بوضع‭ ‬حد‭ ‬للزواج‭ ‬غير‭ ‬الموثق‭ ‬بالمغرب؟‭ ‬ثم‭ ‬أليست‭ ‬المقاربة‭ ‬التنموية‭ ‬الشاملة‭ ‬هي‭ ‬المدخل‭ ‬الرئيس‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد؟‭ ‬

معلوم‭ ‬أن‭ ‬التشخيص‭ ‬السليم‭ ‬لأي‭ ‬معضلة،‭ ‬يعد‭ ‬نصف‭ ‬العلاج‭ ‬وربما‭ ‬أكثر،‭ ‬فإلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬تحقق‭ ‬العمل‭ ‬بهذه‭ ‬القاعدة‭ ‬الذهبية‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬إشكالية‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭"‬؟‭ ‬وهل‭ ‬تم‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬تشريح‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬بعدها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والثقافي،‭ ‬ورصد‭ ‬جذورها‭ ‬وسياقات‭ ‬إنتاجها‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬دراسات‭ ‬معمقة‭ ‬وشاملة‭ ‬حتى‭ ‬يتسنى‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬ذلك‭ ‬تحديد‭ ‬مجالات‭ ‬وكيفية‭ ‬التدخل‭ ‬بفعالية‭ ‬أكبر؟‭ ‬

 التمثلات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بوابة‭ ‬الفهم‭ ‬ثم‭ ‬التغيير‭

لا‭ ‬ينفك‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬كظاهرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نتيجة‭ ‬طبيعية‭ ‬للتمثلات‭ ‬المجتمعية‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬التصورات‭ ‬الذهنية‭ ‬الحاكمة‭ ‬للمجتمع،‭ ‬واستكشاف‭ ‬بواعث‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الزواج،‭ ‬يعد‭ ‬وفق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬السوسيولوجيين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬المهتمين،‭ ‬المدخل‭ ‬الأولي‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬تطويق‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أصناف‭ ‬الزواج‭ ‬غير‭ ‬الموثق‭ ‬الأخرى‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬واقعنا‭ ‬الراهن‭ ‬كزواج‭ ‬المتعة‭ (‬زواج‭ ‬ومساكنة‭ ‬بدون‭ ‬توثيق‭ ‬أو‭ ‬إعلان‭)‬،‭ ‬وزواج‭ "‬الكونترا‭" (‬اتفاق‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬المؤقت‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬الجالية‭ ‬بغرض‭ ‬التمكن‭ ‬من‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬مقابل‭ ‬مبلغ‭ ‬مالي‭ ‬موثق‭ ‬كدين‮…‬‭).‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬أجريت‭ ‬دراسة‭ ‬علمية‭ ‬لرصد‭ ‬التمثلات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لزواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الآثار‭ ‬النفسية‭ ‬التي‭ ‬يخلفها‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الزيجات‭. ‬وقد‭ ‬أنجزت‭ ‬الدراسة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أساتذة‭ ‬وباحثين‭ ‬جامعيين‭ ‬وهم‭ ‬جمال‭ ‬الوافي‭ ‬أستاذ‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬تخصص‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬ورئيس‭ ‬شعبة‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬بجامعة‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬بالرباط،‭ ‬وهشام‭ ‬الدمناتي‭ ‬أستاذ‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬بجامعة‭ ‬القاضي‭ ‬عياض‭ ‬بمراكش،‭ ‬وعبد‭ ‬الصمد‭ ‬المعزة‭ ‬طالب‭ ‬باحث‭ ‬في‭ ‬سلك‭ ‬الدكتوراه‭ ‬تخصص‭ ‬علوم‭ ‬الاعلام‭ ‬و‭ ‬الاتصال‭.‬

تناول‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬التمثلات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬يمتح‭ ‬أهميته‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬سلوكات‭ ‬محددة‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬يفرض‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬أولى،‭ ‬وفق‭ ‬الأستاذ‭ ‬الباحث‭ ‬الدمناتي،‭ ‬دراسة‭ ‬طبيعة‭ ‬التناول‭ ‬السوسيو‭ ‬معرفي‭ ‬المتحكمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السلوك،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬هذا‭ ‬التناول،‭ ‬حسب‭ ‬المقاربة‭ ‬النفسية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬التمثلات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬نوع‭ ‬المعرفة‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬توجه‭ ‬سلوكاتنا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬تجاه‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تؤثث‭ ‬الحقل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬اذا‭ ‬اردنا‭ ‬ان‭ ‬يقع‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭"‬،‭ ‬يقول‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدمناتي،‭ ‬لابد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬طبيعة‭ ‬الأفكار‭ ‬والتصورات‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬الناس‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تغيير‭ ‬الذهنية‭ ‬السائدة‭ ‬بشأنه‭. ‬

وحول‭ ‬منهجية‭ ‬الدراسة،‭ ‬أوضح‭ ‬الباحث‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس،‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬لمجلة‭ ‬BAB،‭ ‬أنها‭ "‬اتسمت‭ ‬بالصرامة‭ ‬العلمية‭" ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬إجراء‭ ‬مقابلات‭ ‬استكشافية‭ ‬على‭ ‬عينة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬16‭ ‬شخصا‭ ‬بغرض‭ ‬استكشاف‭ ‬طبيعة‭ ‬التمثلات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والآثار‭ ‬النفسية‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الزواج،‭ ‬تلتها‭ ‬دراسة‭ ‬تأكيدية‭ ‬اعتُمد‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬استمارة‭ ‬مستوفية‭ ‬للشروط‭ ‬العلمية‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها،‭ ‬وُزعت‭ ‬على‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬شخص‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬فئات‭ ‬عمرية‭ ‬مختلفة‭ ‬وغطت‭ ‬الجنسين‭ ‬معا،‭ ‬وهمت‭ ‬جغرافيا‭ ‬مدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬وبعض‭ ‬قرى‭ ‬وضواحي‭ ‬مدينة‭ ‬برشيد‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬الممتدة‭ ‬بين‭ ‬نونبر‭ ‬ودجنبر‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2021‭. ‬

أما‭ ‬النتائج‭ ‬المستخلصة‭ ‬من‭ ‬تحليل‭ ‬بيانات‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة،‭ ‬فقسمت،‭ ‬حسب‭ ‬الباحث،‭ ‬وفق‭ ‬منطلقين‭ ‬أساسيين‭ ‬أولهما‭ ‬منطلق‭ ‬تقديم‭ ‬طبيعة‭ ‬التمثلات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لزواج‭ "‬الفاتحة‭"‬،‭ ‬وثانيهما‭ ‬منطلق‭ ‬توضيح‭ ‬الآثار‭ ‬النفسية‭ ‬لهذا‭ ‬الزواج‭.‬

وخلصت‭ ‬الدراسة‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬المنطلق‭ ‬الأول،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬طبيعة‭ ‬التمثلات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لزواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬تختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬المنطقة‭ ‬الجغرافية،‭ ‬حيث‭ ‬كشفت‭ ‬النتائج‭ ‬أن‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الحضري‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أداة‭ ‬للتحايل‭ ‬على‭ ‬الإجراءات‭ ‬القانونية‭ ‬و‭ ‬المسطرة‭ ‬التي‭ ‬يتطلبها‭ ‬الزواج‭ ‬في‭ ‬شكله‭ ‬العادي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تعكسه‭ ‬نسبة‭ ‬60‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬عينة‭ ‬البحث،‭ ‬مما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ "‬هناك‭ ‬وعيا‭ ‬تاما‭ ‬بالمسطرة‭ ‬القانونية‭ ‬لكن‭ ‬يتم‭ ‬اللجوء‭ ‬لزواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تجنبها‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الزواج‭ ‬أو‭ ‬الطلاق‭".‬

كما‭ ‬يلجأ‭ ‬له‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التعدد‭ ‬و‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تعكسه‭ ‬نسبة‭ ‬25‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬طبيعة‭ ‬التصورات‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الحضري‭ ‬تعتبر‭ ‬هذا‭ ‬الزواج‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الزيجات‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تجاوزها‭ ‬ونادرا‭ ‬ما‭ ‬يُلجأ‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تعكسه‭ ‬نسبة‭ ‬15‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬

أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬القروي،‭ ‬يضيف‭ ‬المتخصص،‭ ‬فيُنظر‭ ‬لزواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬على‭ ‬أنه‭ ‬فرصة‭ ‬للاستقرار‭ ‬خصوصا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وضعية‭ ‬هشة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تبرزه‭ ‬نسبة‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الزيجات‭ ‬ثقافة‭ ‬متدوالة‭ ‬وعادية‭ ‬بنسبة‭ ‬25‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تبرير‭ ‬ذلك‭ ‬غالبا‭ ‬برفض‭ ‬الزوج‭ ‬سلك‭ ‬المسطرة‭ ‬العادية‭ ‬للزواج‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬الإكراهات‭ ‬اللوجيستيكية‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬الزواج‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متعارف‭ ‬عليه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬النتائج‭ ‬المحصل‭ ‬عليها‭ ‬تبين‭ ‬وجود‭ ‬إشكال‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنحى‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الذين‭ ‬يلجؤون‭ ‬الى‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬في‭ ‬المجال‭ ‬القروي،‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تزويج‭ ‬القاصر‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تعكسه‭ ‬نسبة‭ ‬25‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬عينة‭ ‬الدراسة‭. ‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمنطلق‭ ‬الثاني‭ ‬والمرتبط‭ ‬بالآثار‭ ‬النفسية‭ ‬لزواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬فتم‭ ‬ربطه،‭ ‬وفق‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدمناتي،‭ ‬بالنتيجة‭ ‬الاخيرة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بزواج‭ ‬القاصر‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الزواج‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬حرمانها‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬أساسية‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬المراهقة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬بناء‭ ‬ميكانيزمات‭ ‬الهوية‭ ‬الفردية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬مرجعيات‭ ‬ذاتية‭ ‬تستند‭ ‬على‭ ‬تمثلها‭ ‬لذاتها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الآثار‭ ‬النفسية‭ ‬المرتبطة‭ ‬باضطراب‭ ‬الدور‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬تعرفه‭ ‬القاصر‭ ‬المتزوجة‭ ‬بين‭ ‬كونها‭ ‬زوجة‭ ‬وأم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬ثم‭ ‬كونها‭ ‬لازالت‭ ‬طفلة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬مراهقتها،‭ ‬هذا‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬الاستقرار‭ ‬النفسي‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬الزوجية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬ضمانات‭ ‬تحمي‭ ‬هذه‭ ‬المراهقة‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬الزواج‭ ‬غير‭ ‬الموثق‭. ‬

وبحسب‭ ‬الدراسة‭ ‬التشخيصية‭ ‬حول‭ ‬زواج‭ ‬القاصر‭ ‬المنجزة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬فإن‭ ‬سن‭ ‬أغلب‭ ‬المتزوجات‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬16‭ ‬و17‭ ‬سنة،‭ ‬بينما‭ ‬يتجاوز‭ ‬سن‭ ‬أزواجهن‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬السن‭ ‬المذكورة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬ويغطي‭ ‬كل‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تصورها،‭ ‬ويتوزع‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بمختلف‭ ‬مشاربها‭ ‬الثقافية،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد،‭ ‬وفق‭ ‬التقرير،‭ ‬أهمية‭ ‬استحضار‭ ‬الأسباب‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالأعراف‭ ‬والتقاليد‭ ‬والتصورات‭ ‬المجتمعية‭ ‬لدور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬الأسرة،‭ ‬والتفسير‭ ‬الخاطئ‭ ‬للدين‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أكد‭ ‬الأستاذ‭ ‬الجامعي‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬محسن‭ ‬بنزاكور،‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬مماثل،‭ ‬أن‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬الذي‭ ‬يعرف‭ ‬رواجا‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬القروي‭ ‬يستند‭ ‬في‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬دينية‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬النظام‭ ‬القبلي‭ ‬الذي‭ ‬يعتقد‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الشرعي‭ ‬للزواج‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬عهد‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬أي‭ ‬بدون‭ ‬كتابة،‭ ‬ويرون‭ ‬أن‭ ‬المهر‭ ‬وإشهار‭ ‬الزواج‭ ‬يكفيان‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ "‬الكلمة‭" ‬بالمفهوم‭ ‬الدارج‭ ‬المغربي‭ ‬التي‭ ‬تكتسي‭ ‬قوة‭ ‬وسلطة‭ ‬نافذة‭ ‬في‭ ‬أعراف‭ ‬المجتمع‭ ‬القبلي‭ ‬لاقترانها‭ ‬بشرف‭ ‬القبيلة‭ ‬وسمعة‭ ‬العائلة‭. ‬فـ‭ "‬الكلمة‭" ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬أضمن‭ ‬من‭ ‬وثيقة‭ ‬العقد‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تُفقد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العدول‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬المغربية‭ ‬إلا‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬إن‭ ‬توفر‭ ‬الوقت‭. ‬لكن‭ ‬الإشكال‭ ‬المطروح‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬يقول‭ ‬الخبير‭ ‬السوسيولوجي،‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬لما‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يطور‭ ‬العلاقات‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الحقوقي‭ ‬بين‭ ‬الزوج‭ ‬والزوجة‭ ‬لاسيما‭ ‬حقوق‭ ‬الأطفال‭ ‬انكشفت‭ ‬معضلات‭ ‬عميقة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تضييع‭ ‬حقوق‭ ‬الطفل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدم‭ ‬استفادته‭ ‬من‭ ‬التمدرس،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬المندوبية‭ ‬السامية‭ ‬للتخطيط‭ ‬إمكانية‭ ‬للإحصاء‭ ‬الدقيق‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التقييد‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬المدنية،‭ ‬وهذا‭ ‬جعل‭ ‬الدولة‭ ‬أمام‭ ‬إشكال‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬ب‭"‬الانفلات‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬رسمي‭ ‬أو‭ ‬تقييد‭". ‬بالاضافة‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬قد‭ ‬تتطور‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬عند‭ ‬الطلاق‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتنكر‭ ‬هذا‭ ‬الزوج‭ ‬لزوجته‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬وثيقة‭ ‬تثبت‭ ‬هذا‭ ‬الزواج،‭ ‬فينعكس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬إمكانية‭ ‬استرجاع‭ ‬الحقوق،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يضيف‭ ‬الخبير،‭ ‬فإن‭ ‬فكرة‭ ‬الزواج‭ ‬ب‭"‬الفاتحة‭" ‬تطورت‭ ‬إلى‭ ‬أبعاد‭ ‬أخرى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2010‭ ‬و2020‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬يُستغل‭ ‬بنية‭ ‬سيئة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يلجأون‭ ‬إلى‭ ‬الزواج‭ ‬العرفي‭ ‬أو‭ ‬يتحايلون‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعدد‭ ‬الزوجات،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬وسيلة‭ ‬للتحايل‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬حتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬لزواج‭ ‬القاصر‭ ‬الذي‭ ‬فرضت‭ ‬المدونة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬باستشارة‭ ‬القاضي‭ !‬،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فزواج‭ "‬الفاتحة‭"‬،‭ ‬يرتبط‭ ‬بشكل‭ ‬قوي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإحصاء‭ ‬بزواج‭ ‬القاصرات‭ ‬لأنه‭ ‬وسيلة‭ ‬للهروب‭ ‬من‭ ‬ترخيص‭ ‬القاضي،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المعطيات‭ ‬كلها‭ ‬تزكي‭ ‬بأن‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬حاولت‭ ‬تقنين‭ ‬هذا‭ ‬الزواج‭ ‬لكن‭ ‬العقليات‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬الإدراك‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الحقوق،‭ ‬متحججين‭ ‬إما‭ ‬ربما‭ ‬بالسمعة‭ ‬أو‭ ‬بالفقر‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬المشتهرة‭ ‬بزواج‭ ‬القاصرات،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬أنهم‭ ‬بذلك‭ ‬يكرسون‭ ‬هذا‭ ‬الفقر‭ ‬ويعيدون‭ ‬إنتاجه‭ ‬في‭ ‬الواقع‭.‬

بواعث‭ ‬سوسيو‭ ‬اقتصادية‭ ‬

 إذا‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬تسعى‭ ‬لتوفير‭ ‬الحماية‭ ‬القانونية‭ ‬للأطفال‭ ‬وتحقيق‭ ‬مصلحتهم‭ ‬الفضلى‭ ‬عبر‭ ‬التشريعات‭ ‬القانونية‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المختصة‭ ‬كالمجلس‭ ‬الاستشاري‭ ‬للأسرة‭ ‬والطفولة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مصادقتها‭ ‬على‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحقوق‭ ‬الطفل،‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬إذن‭ ‬العوامل‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬سدا‭ ‬منيعا‭ ‬أمام‭ ‬محاولات‭ ‬تسييج‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬والمبادرات؟‭ ‬

الأستاذ‭ ‬الجامعي‭ ‬فريد‭ ‬أمار،‭ ‬عزا،‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬خص‭ ‬به‭ ‬مجلة‭ ‬BAB،‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬إلى‭ ‬أسباب‭ ‬واقعة‭ ‬وأخرى‭ ‬مفترضة،‭ ‬مستندا،‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬إحصائيات‭ ‬ودراسات‭ ‬معمقة‭ ‬وشاملة‭ ‬حول‭ ‬الظاهرة‭ ‬مقابل‭ ‬الاهتمام‭ ‬الكبير‭ ‬بزواج‭ ‬القاصرات،‭ ‬إلى‭ ‬ملاحظات‭ ‬مباشرة،‭ ‬وشهادات‭ ‬حية،‭ ‬وإلى‭ ‬دراسة‭ ‬حالات‭ (‬ما‭ ‬بين‭ ‬40‭ ‬إلى‭ ‬50‭ ‬حالة‭) ‬استجمع‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬بعض‭ ‬النتائج،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬بعض‭ ‬الإحصائيات‭ ‬التقريبية‭ ‬حول‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬تستلزم،‭ ‬برأيه،‭ ‬الوقوف‭ ‬عندها‭ ‬وإيلائها‭ ‬الاهتمام‭ ‬اللازم‭ ‬دراسة‭ ‬وتشريحا‭ ‬ومعالجة‭. ‬واستند‭ ‬في‭ ‬مقاربته‭ ‬السوسيواقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬نظرية‭ ‬معروفة‭ ‬لدى‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬والسوسيولوجيين‭ ‬وهي‭ ‬نظرية‭ ‬الحاجيات‭ ‬التبادلية‭ (‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬رواد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الكلاسيكي‭: ‬آدم‭ ‬سميت‭ ‬ودافيد‭ ‬ريكاردو‭ ‬وجون‭ ‬بابتيست‭ ‬ساي،‭ ‬ومن‭ ‬روادها‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬السوسيولوجي‭ ‬بيتر‭ ‬بلاو‭ ‬و‭ ‬برونسيلاف‭ ‬مالينوفسكي‭ ‬وجورج‭ ‬هومانز‭)‬،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬مرتبط‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منه‭ ‬بالمصالح‭. ‬حيث‭ ‬صنف‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬ضمن‭ ‬مستويين،‭ ‬الأول‭ ‬اجتماعي‭ ‬مرتبط‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭ ‬بالأعراف‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬النائية،‭ ‬وبالتدين‭ ‬التراثي،‭ ‬وطبيعة‭ ‬تمثل‭ ‬الساكنة‭ ‬للسلطة‭ ‬والإدارة‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬مركزيتها‭ ‬في‭ ‬ذهنيتهم‭ ‬عند‭ ‬المقدم‭ ‬أو‭ ‬الشيخ‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬المحلية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فالحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الوثيقة‭ ‬والتوثيق‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬ذا‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬بسبب‭ ‬الهشاشة‭ ‬والثقافات‭ ‬القبلية‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الحضري‭ ‬فقد‭ ‬يرتبط‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬بمشكلة‭ ‬تأخر‭ ‬الزواج‭ ‬أو‭ "‬العنوسة‭" ‬كأحد‭ ‬الأسباب‭ ‬المحتملة،‭ ‬أو‭ ‬بالقيود‭ ‬الإدارية‭ ‬والمسار‭ ‬المعقد‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬رخصة‭ ‬الزواج‭ ‬بالنسبة‭ ‬للوظائف‭ ‬ذات‭ ‬الحساسية‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الشرقي‭ ‬بالنسبة‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الزيجات‭ ‬المرتبطة‭ ‬ببعض‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬مثلا،‭ ‬أو‭ ‬أيضا‭ ‬ببعض‭ ‬التوجهات‭ ‬الدينية‭ ‬والسلفية‭ ‬التي‭ ‬تبيحه‭ ‬وتسمح‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الحضرية‭ ‬وشبه‭ ‬الحضرية،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬رفض‭ ‬الزوجة‭ ‬الأولى‭ ‬للتعدد،‭ ‬كما‭ ‬يرتبط‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الزواج‭ ‬بالزواج‭ ‬المدني‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمغاربة‭ ‬المهجر‭ ‬الذين‭ ‬يحتاجون‭ ‬عند‭ ‬عودتهم‭ ‬لوطنهم‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬شرعي‭ ‬مغربي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تصفية‭ ‬بعض‭ ‬الأمور‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالإرث‭ ‬مثلا،‭ ‬نفس‭ ‬الشيء‭ ‬بالنسبة‭ ‬للزواج‭ ‬المختلط،‭ ‬هذا‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬المهاجرين‭ ‬المغاربة‭ ‬غير‭ ‬الرسميين،‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يحصلوا‭ ‬بعد‭ ‬على‭ ‬الأوراق‭ ‬الثبوتية،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يلجأون‭ ‬إلى‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭"‬،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لابد‭ ‬لسفارات‭ ‬المملكة،‭ ‬يقول‭ ‬الأستاذ‭ ‬الباحث،‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬خدمة‭ ‬تسهيل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الوثائق‭ ‬المطلوبة‭ ‬لفائدة‭ ‬جاليتنا‭ ‬بالخارج‭ ‬لاسيما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأسر‭ ‬والعائلات‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬هناك،‭ ‬مشيرا‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬المغاربة‭ ‬المقيمين‭ ‬ببعض‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬بالتعدد‭ ‬يلجؤون‭ ‬إلى‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭"‬،‭ ‬فتكون‭ ‬لديه‭ ‬زوجة‭ ‬بعقد‭ ‬مدني‭ ‬والثانية‭ ‬بزواج‭ "‬الفاتحة‭".‬

أما‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لهذه‭ ‬الأسباب‭ ‬فيتعلق،‭ ‬حسب‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬بالاختلالات‭ ‬التنموية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬بالحدود‭ ‬المعاشية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬بحيث‭ ‬يرتبط‭ ‬بالنسبة‭ ‬لحالات‭ ‬معينة‭ ‬بكونه‭ ‬وسيلة‭ ‬للإنفاق‭ ‬أو‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الملكية‭ ‬المحلية،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬النفوذ‭ ‬والمال‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬القروي‭ ‬يعددون‭ ‬الزيجات‭ ‬مقابل‭ ‬قطع‭ ‬أرضية‭ ‬أو‭ ‬مال‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬مقابل‭ ‬حصص‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ (‬العكوك‭). ‬وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬آخر‭ ‬يرتبط‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬بالرغبة‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬إسقاط‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬المقدم‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الدولة‭ ‬عبر‭ ‬صناديق‭ ‬الدعم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المخصص‭ ‬للأرامل‭ ‬والمطلقات،‭ ‬كما‭ ‬يوجد‭ ‬ارتباط‭ ‬جوهري‭ ‬بين‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬بالنسبة‭ ‬للمطلقات‭ ‬والأرامل‭ ‬والتعدد‭ ‬في‭ ‬علاقته‭ ‬بمسألة‭ ‬الإنفاق،‭ ‬والأمر‭ ‬ذاته‭ ‬بالنسبة‭ ‬للتعدد‭ ‬السري‭. ‬وهناك‭ ‬أسباب‭ ‬أخرى‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالملكية،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الأعراف‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ (‬كالجنوب‭ ‬الشرقي‭: ‬تادار‭ ‬وتفركانت‭ ‬مثلا‭) ‬تفرض‭ ‬عدم‭ ‬التزاوج‭ ‬بين‭ ‬القبائل‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تنتقل‭ ‬ملكية‭ ‬قبيلة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬فيحدث‭ ‬أن‭ ‬يخرق‭ ‬بعض‭ ‬أبناءها‭ ‬المقيمين‭ ‬بالخارج‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬الثاني‭ ‬والثالث‭ ‬أعراف‭ ‬القبيلة‭ ‬فيلجؤن‭ ‬إلى‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬تفاديا‭ ‬لتحدي‭ ‬العائلة‭ ‬ونشوب‭ ‬مشاكل‭ ‬جراء‭ ‬ذلك‭. ‬

والملاحظ‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الزيجات‭ ‬الحاصلة‭ ‬على‭ ‬أذون‭ ‬استصدار‭ ‬عقد‭ ‬الزواج‭ ‬خلال‭ ‬الحملات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬الدولة‭ ‬سابقا‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬والمناطق‭ ‬النائية،‭ ‬لم‭ ‬يستكملوا‭ ‬الإجراءات‭ ‬الإدارية‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬تكلفة‭ ‬إنجاز‭ ‬عقد‭ ‬الزواج‭ (‬500‭ ‬درهم‭) ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تكاليف‭ ‬التنقل‭ ‬وذلك‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬باح‭ ‬به‭ ‬العديد‭ ‬منهم،‭ ‬وأوصى‭ ‬الأستاذ‭ ‬أمار،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬بتقريب‭ ‬المصالح‭ ‬القضائية‭ ‬والعدلية‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬القروية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الجماعات‭ ‬القروية‭ ‬وذلك‭ ‬بأن‭ ‬ينتقل‭ ‬القضاة‭ ‬ومعهم‭ ‬العدول‭ ‬إلى‭ ‬القرى‭ ‬والمداشر‭ ‬في‭ ‬الحملات‭ ‬المقبلة‭ ‬ويعملوا‭ ‬على‭ ‬إتمام‭ ‬جميع‭ ‬الإجراءات‭ ‬محليا‭ ‬تنتهي‭ ‬باستصدار‭ ‬عقود‭ ‬الزواج‭.‬

 نتائج‭ ‬محتملة‭ ‬ذات‭ ‬بعد‭ ‬تنموي‭ ‬

تعكس‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والديموغرافي‭ ‬مؤشرات‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬لكل‭ ‬دولة،‭ ‬كما‭ ‬تعبر‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬المرأة‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الأم‭ ‬والطفل‭. ‬ولعل‭ ‬مستويات‭ ‬وفيات‭ ‬الأمهات‭ ‬أثناء‭ ‬الحمل‭ ‬والولادة‭ ‬وخلال‭ ‬فترة‭ ‬النفاس‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بمدى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬المسح‭ ‬الوطني‭ ‬حول‭ ‬السكان‭ ‬وصحة‭ ‬الأسرة‭ ‬لعام‭ ‬2018‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مستويات‭ ‬وفيات‭ ‬الأمهات‭ ‬بلغت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الوسط‭ ‬الحضري‭ ‬والقروي‭ ‬على‭ ‬التوالي‭ ‬44‭.‬6‭ ‬و111‭.‬1‭ ‬لكل‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬ولادة‭ ‬حية،‭ ‬وأن‭ ‬25‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الولادات‭ ‬تتم‭ ‬بدون‭ ‬رعاية‭ ‬صحية،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬مرتبطة‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬بزواج‭ "‬الفاتحة‭"‬،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأمهات‭ ‬غير‭ ‬موثق‭ ‬زواجهن،‭ ‬يقول‭ ‬الأستاذ‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬يكون‭ ‬لديهن‭ ‬حاجز‭ ‬نفسي‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬توجههن‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬الصحية‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬متاح‭ ‬بدون‭ ‬قيد‭ ‬أوشرط،‭ ‬بل‭ ‬وقد‭ ‬يحول‭ ‬ذلك‭ ‬دون‭ ‬استفادة‭ ‬مواليدهن‭ ‬من‭ ‬التلقيح‭ (‬ما‭ ‬بين‭ ‬5‭ ‬و15‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬لا‭ ‬يستفيدون‭ ‬من‭ ‬التلقيح‭ ‬وفق‭ ‬المسح‭ ‬الوطني‭ ‬حول‭ ‬السكان‭ ‬الآنف‭ ‬الذكر‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬التمدرس،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬صعوبة‭ ‬استفادة‭ ‬الأرامل‭ ‬والمطلقات‭ ‬المتزوجات‭ "‬بالفاتحة‭" ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬توفره‭ ‬الصناديق‭ ‬المخصصة‭ ‬لذلك‭.‬

 تغيير‭ ‬العقليات‭.. ‬الرهان‭ ‬الحقيقي‭ ‬

 معالجة‭ ‬إشكالية‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬كمعضلة‭ ‬اجتماعية‭ ‬متجذرة،‭ ‬تفرض‭ ‬بالضرورة‭ ‬فقه‭ ‬الواقعة‭ ‬وسياقات‭ ‬إنتاجها،‭ ‬وتفكيك‭ ‬الجذور‭ ‬التي‭ ‬تغذي‭ ‬استمرارها،‭ ‬والمسؤولة‭ ‬عن‭ ‬سلوكات‭ ‬وخيارات‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وطرائقهم‭ ‬في‭ "‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭" ‬كما‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الأستاذ‭ ‬والباحث‭ ‬السوسيولوجي‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬العطري‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬محاضراته،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬مآزقهم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحهم،‭ ‬وليست‭ ‬كل‭ ‬الزيجات‭ "‬بالفاتحة‭" ‬تتم‭ ‬بنيات‭ ‬سيئة‭ ‬وبقصد‭ ‬الإخلال‭ ‬باحترام‭ ‬القانون،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اختزالها‭ ‬جميعا‭ ‬في‭ "‬سلة‭ ‬الإجرام‭"‬،‭ ‬فعقلية‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭"‬،‭ ‬كما‭ ‬أوضح‭ ‬الأستاذ‭ ‬الجامعي‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬محسن‭ ‬بنزاكور‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬لـمجلة‭ ‬BAB،‭ ‬ليست‭ ‬مرتبطة‭ ‬فقط‭ ‬بمفهوم‭ ‬اجتماعي‭ ‬قروي‭ ‬أو‭ ‬قبلي‭ ‬محض،‭ ‬بل‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬قوية‭ ‬بالجانبين‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬لأن‭ ‬طبيعة‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭" ‬إحصائيا‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يوجد‭ ‬بالمناطق‭ ‬الهشة‭ ‬والمناطق‭ ‬الجبلية‭ ‬والمناطق‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬ارتفاعا‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬زواج‭ ‬القاصر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬أخذ‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بلورة‭ ‬سياسة‭ ‬واستراتيجية‭ ‬تروم‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬متوازنة‭ ‬لتجاوز‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ "‬العقليات‭ ‬التي‭ ‬تجد‭ ‬مبررا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬اقتصادي‭ ‬واجتماعي‭ ‬مزر‭ ‬وبنية‭ ‬تحتية‭ ‬مهترئة،‭ ‬وغياب‭ ‬التعليم‭ ‬وانتشار‭ ‬الجهل؛‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نفصلها‭ ‬عن‭ ‬الحل‭ ‬الحقيقي‭ ‬لما‭ ‬نسميه‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭".‬

لهذا‭ ‬لابد،‭ ‬وفق‭ ‬المتخصص،‭ ‬من‭ ‬الاشتغال‭ ‬على‭ ‬العقليات‭ ‬بمحاربة‭ ‬الجهل‭ ‬وإثبات‭ ‬حق‭ ‬هذه‭ ‬المجالات‭ ‬الترابية‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬وإعطاءها‭ ‬وزنها‭ ‬في‭ ‬القرارات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬وأن‭ ‬تنتبه‭ ‬الجهات‭ ‬المنتخبة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬المجتمع‭ ‬القروي‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الهشة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬جيل‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفكري‭ ‬والاقتصادي‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬تجاوز‭ ‬عقلية‭ ‬زواج‭ "‬الفاتحة‭".‬

المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬اليوم‭ ‬كباقي‭ ‬المجتمعات،‭ ‬مفتوح‭ ‬على‭ ‬تحولات‭ ‬مستمرة،‭ ‬تستجد‭ ‬معها‭ ‬إشكالات‭ ‬ووقائع‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي،‭ ‬مما‭ ‬يستلزم‭ ‬مواكبة‭ ‬موصولة‭ ‬بل‭ ‬واستباقية‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطوير‭ ‬مقاربات‭ ‬شمولية‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬دراسات‭ ‬وأبحاث‭ ‬دقيقة‭ ‬تسمح‭ ‬ببلورة‭ ‬الحلول‭ ‬المناسبة‭ ‬لجميع‭ ‬الإشكالات‭ ‬بما‭ ‬يحفظ‭ ‬الانسجام‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات‭ ‬والقوانين‭ ‬وواقع‭ ‬المجتمع‭ ‬واحتياجاته‭ ‬عبر‭ ‬الإنصات‭ ‬والتفاعل‭ ‬الإيجابي‭ ‬والتنمية‭ ‬وصيانة‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬وكرامة‭ ‬الإنسان،‭ ‬تلكم‭ ‬بوابة‭ ‬الارتقاء‭ ‬الآمن‭ ‬بالسلوك‭ ‬المجتمعي‭ ‬وحماية‭ ‬المصالح‭ ‬الفضلى‭ ‬لأفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬المغربية‭.‬■

 

المصدر: مجلة باب