محمد زروال

كان سكان الجبال في العقود الماضية يضعون في الحسبان تساقط كميات كثيرة من الثلوج، لم تكن هناك طرق ولا شبكة للاتصالات، حتى كاسحات الثلوج كانت معدودة على رؤوس الأصابع وتشتغل في الطرق الوطنية، وفي السنوات الأخيرة وقعت تغيرات مناخية كثيرة، غابت معها الثلوج التي تتجاوز نصف متر، بل أصبح الثلج زائرا غريبا على ديار الجبليين، و وبالموازاة مع ذلك تحققت تنمية مغشوشة، مبنية على توزيع كلغرامات من المساعدات الغذائية وبعض الملابس والأغطية بعضها لا يصلح إلا لفصل الصيف ويتم ذلك أمام الكاميرات و تحت إشراف مؤسسات رسمية أو "فاعلين" جمعويين قد تسيل تلك المواد لعابهم قبل مستحقيها، وتوسيع شبكة الطرق والكهرباء والهاتف. هذه التحولات خلقت ذهنية اتكالية لدى العديد من السكان إذ يعتقدون أن مروحيات وزارة الصحة ستأتي لنقل مرضاهم إلى المستشفيات، وأن الدولة لن تخذلهم إذا حاصرتهم الثلوج، إنهم يصدقون لغة الخشب التي أصبحت ركيزة إعلام لا وطني يضحك على جراح المنكوبين حتى في ذروة أزماتهم ببرامج سوقية وسهرات تحتكرها فئة من المحظوظين، تتكرر صورهم على المشاهدين هنا وهناك.
 
عوض أن يظل سكان الجبال أوفياء لعاداتهم وطقوسهم القديمة التي تأخذ بعين الاعتبار إمكانية استمرار بياض الأرض لأيام وبالتالي ضرورة شراء ما يكفي من مواد غذائية لهم ولأبنائهم وأعلاف للمواشي لتخزينها في فصل الشتاء استعدادا لأي طارئ، نجدهم قد انسلخوا عن تلك العادة وأصبحوا مدينيين في سلوكهم الاستهلاكي( رغم أن المدينيين تحولوا إلى نوع من نظام التخزبن مع انتشار الأسواق الكبرى).
 
وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى التحول الذي عرفته القرى في نظامها الاستهلاكي فالقدرة الشرائية أمام الارتفاع المهول للأسعار والارتباط الدائم بالاسواق بعد توسيع شبكة الطرق جعل القرويين مستهلكين بالتقسيط في الكثير من المواد عكس ما مضى، دون ان ننسى الاعتماد على مواد جديدة. فلازلت أتذكر أن جدي من والدتي رحمه الله كان يشتري كيسا من السكر يضم أزيد من 40 كلغراما، وما يقارب 5 كلغرامات من الشاي، في الفترات العادية، فكيف كان استهلاكه شتاء.
 
عموما فالقرية تعرف تحولات كثيرة تساير تطور المجتمع ككل( الكهربة، الماءالصالح للشرب...) لكن هناك تحولات يعتقد أنها جذرية وعميقة لكنها في الواقع، وعند الأزمات بالخصوص، تكشف عن هشاشتها وكونها وهمية.