لحسن امقران

يعرف الموسم الدراسي الذي يشرف على نهايته اضطرابات كبرى منذ أكثر من ستة أسابيع وهدرا منقطع النظير للزمن المدرسي، مؤسسات غلقت فيها الأبواب خصوصا في المناطق النائية وأخرى تأثر فيها سير الدروس بالأعداد المهمة من أطر التدريس الذين قرروا المغادرة وعدم العودة إلا وهم مدمجون في الوظيفة العمومية.

أسر وعائلات مكلومة، لا تعرف ماذا تقول وماذا ستفعل أمام فاجعة حرمان أبنائها من حقهم في الدرس خصوصا أن الأمل كل الأمل معلق على هؤلاء الشباب، وجوه شاحبة، عقول تائهة وألسنة عاجزة !! صحيح أنه منهم من لم تطأ قدماه أرض المدرسة، لكنهم يدركون أنهم ضحايا هذا الوضع الذي يختزلونه في "الحكرة" ، كيف لا وهم يعرفون أن أبناءهم حرموا من الدراسة دون غيرهم من محظوظي المدارس الخاصة والبعثات ؟؟

مجتمع مدني بآلة تحكم عن بعد ينتظر الضوء الأخضر للدخول على الخط، لا يهمه مصير أبناء الشعب بقدر ما يهتم لجبر الخواطر وبناء علاقات مشبوهة قد تفيده في الظفر بريع مقابل بلاغ يتيم أو صورة للاستهلاك الإعلامي على الكراسي المريحة لبناية مكيفة.

نقابات شيوخ يتلقون أجورهم وهم أشباح يوزعون التفرغات لخدمة أجندة أخرى غير التي يقتضيها العمل النقابي الحقيفي. يحرصون على وضع المساحيق على الوجه المجعد للمنظومة مقابل حصيص في الانتقالات والترقيات ونحوهما من الإكراميات، يخونون الأمانة ويتحاملون مع أعداء التغيير، سكتوا عن تمرير قانون التقاعد، عن هفوات كل من المخطط الاستعجالي، الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار، عن مجزرة التعاقد، عن العبث في الزمن المدرسي، عن تدريس اللغات ولغات التدريس، عن الضرب التدريجي لمجانية التعليم، عن تذيلنا للتصنيف العالمي في جودة التعليم. إجمالا، سكتوا عن الإجهاز على المدرسة العمومية.

وزارة صماء لا تهتم إلا للوفاء "بعهد" انفعالي قطع أمام الشاشة، و"هيبة" غائبة اغتصبتها التقارير الوطنية والدولية والتصنيف العالمي لمنظومة فاشلة، وزارة تتحفنا بتصريحات مستفزة تفتقر إلى التبصر والحنكة، وخرجات بهلوانية تطبعها المراهقة السياسية واللامسؤولية، إجراءات "زجرية " تعكس إفلاسا في التواصل، وبلاغات تضاهي الإسهال في أشياء عدة.

حكومة بكماء لا تجتمع إلا لماما لتغيير الساعة القانونية أو لأخذ الصور التذكارية بعد اجتماعات لتذكرنا بدور الصنبور وقاطع التيار أو تخبرنا أن نحن أفضل حالا من فرنسا وأن البيض وافر خلال شهر الصيام والقيام، تناول الكلمة لناطق لا يكلّ ولا يملّ من التفسير الأرثذوكسي للأحداث والوقائع، حكومة لا يتحقق لها الانتصاب أيا كان النصاب إلا لاغتصاب مستضعفي الشعب.

قوات "بافلوفية" تتهيج بحناجر المتظاهرين كلما اقتربت من البرلمان، فتسيل الدماء وتهشم الجماجم وتسحل الأجساد وتطلق العنان للكلام الفاحش، إنها فرصتها الذهبية لإفراغ مكبوت السخط غير القابل للتصريح بانفعالية مفرطة تغذيها استفزازات الكبار.

مجازون بالآلاف من خريجي الجامعات المغربية، اجتازوا امتحانات بصيغة الجمع بنجاح ليظفروا في النهاية بلقب "أستاذ" موقوف التنفيذ، فولجوا المؤسسات التعليمية لعلهم يساهمون في تربية الناشئة، لكنهم اكتشفوا أنهم ضحايا –في شبابهم قبل شيبهم- سياسات تسنّها وتفرضها مؤسسات مالية دولية، أكثر من ذلك فطنوا إلى أنهم ليسوا وحدهم الضحايا، بل أبناؤهم الذين سيدفعون مقابل الاستفادة من "حق" التعليم.

فاللهم أكرم الله من أكرمهم بأن "أنقذهم" من الفقر والبطالة، واللهم تقبل ممن أمر بتهشيم جماجمهم وسحل أجسادهم، هؤلاء "الفوضويون" الذين لا يحملون ولو ذرة من "الوطنية"، فهم يستحقون ما حلّ بهم لأنهم يظنون أن التظاهر حق، وأن حرية التعبير حق، وأن من ينادونه حي يسمع، واعتقدوا أن النضال الشريف يؤتي أكله.

هؤلاء "الفوضويون" يستحقون إهانة كرامتهم لأنهم تجرأوا على إزعاج "المسؤولين" في عقر دارهم بمسيراتهم ووقفاتهم التي لا "مبرر" لها وهم الفقراء العاطلون أبناء المعدومين المنسيين، يستحقون لأنهم كشفوا عورة المنظومة والقييمين عليها، يستحقون لأنهم فضحوا مآلات التعليم العمومي في مغرب الغد، يستحقون لأنهم يمنعون سلعنة وبضعنة والاتجار بالخدمات العمومية.

سأغتنم الفرصة لأتوجه برسالة قصيرة إليكم السيد وزير التربية بصفتي مواطنا مغربيا مكلوما، فبعد عبارات التقدير والاعتبار سيدي الوزير، اسمحوا لي أن أحيطكم علما أنني أب تلاميذ يتابعون دراستهم في المؤسسات التعليمية العمومية هنا في المغرب المنسي، لأن التعليم المؤدى عنه لا نطيقه كموظفين بسطاء، فما بالك بالآلاف المؤلفة من الفقراء الذين يملؤون هذا البقاع التي سقتها دماء المجاهدين، وإذا كان جزء يسير يطيقونه ماديا فإنه لا يتوفر في هذه الربوع التي أخلفت الموعد مع التنمية التي تنعمون بها هناك. سيدي الوزير، هل تعلمون أن أبناءنا ضحايا حرب ليسوا طرفا فيها؟ أعلم أنكم تعلمون لكنكم لا تعملون من أجل الحل لأن أبناءكم غير معنيين بهذه المجزرة التربوية.

سيدي الوزير، هل تعلمون أن أبناءنا مقبلون على امتحانات إشهادية إقليمية جهوية ووطنية ولم يتلقوا دروسا منذ ما يربو عن ستة أسابيع؟ أعلم أنكم تعلمون لكنكم لا تعملون لتصحيح الوضع لأن أبناءكم يتابعون دروسهم بشكل اعتيادي وسلس. سيدي الوزير، هل تعلمون أنكم اتخذتم أبناءنا دروعا بشرية في صراعكم الجنوني مع الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد؟؟ أعلم أنكم تعلمون لكنكم لا تعملون لتصحيح الوضع لأنكم تنسونه بمجرد خروجكم من مكتبكم المكيف. سيدي الوزير، هل تعلمون أنكم تزيدون الوضع سوءا بتعنتكم حينا وتجاهلكم حينا آخر لصوت المغاربة؟ أعلم أنكم تعلمون لكنكم لا تأبهون لأن المناصب والمصالح أولى من خدمة الوطن والمواطن. سيدي الوزير، بصفتي مواطنا مغربيا حريصا على أبنائه، غيورا على المدرسة العمومية وعلى هذا الوطن، أعبر لكم عن عميق سخطي وكبير تنديدي لسياستكم التي يطبعها التعالي وتكسوها المزاجية، وأحملكم وزر كل دقيقة يحرم منها أبناؤنا في المدرسة العمومية التي تجهزون عليها بلا هوادة .

في الأخير، أوقفوا العبث وأنصفوا الأساتذة "الفوضويين" إكراما لهذا الوطن الذي تتلاعبون بمستقبله.