دخلت إضرابات و نضالات الأساتذة المقصيين ظلما من الترقية بالشهادة شهرها الرابع في حين تستمر لا مبالاة و استخفاف الوزارة الوصية و معها حكومة عبد الله بنكيران بالمطالب المشروعة لهذه الفئة. طوال هذه المدة من الإضراب البطولي و التاريخي  تعرض الأساتذة لشتى أنواع التعذيب و الضرب  بطرق وحشية من طرف قوات القمع و ما تلاها من اعتقالات و متابعات إضافة إلى تهديدات بالانقطاع و العزل عن العمل دون أن ننسى الاقتطاع من أجور المضربين في ظل دستور البلاد الضامن صراحة دون تأويلات  لحق الإضراب.

      غريب أمر وزارة التربية  الوطنية و الحكومة المغربية، فبدل رفع مكانة الأستاذ و الأستاذة باعتبار دورهما الأساسي والحاسم في النهوض بقطاع جد حساس كقطاع التربية و التعليم، فقد فضلتا حرمان الأساتذة من أبسط حقوقهم و المتمثل في الترقية بالشهادة بأثر إداري و مادي مستحق أسوة بالأفواج السابقة و اللاحقة. إن حرمان فوجين من الأساتذة من حقهما من الترقية يضرب في العمق خطابات ألفنها و طال التطبيل لها من طرف مسؤولي الدولة من قبيل 'المساواة' و 'تكافئ الفرص ' و 'العدالة' الخ.

     متى يدرك المسؤولون أن تازيم الوضعية المادية للأستاذ تأزيم  خطير للمنظومة التربوية الوطنية ككل. متى يدركون أن حرمان الأساتذة من مستحقات الترقية بالشهادة  موازاة مع راتبهم الزهيد و المتدني أصلا هو ضربة و استبخاس و قهقرة  نفسية و اجتماعية لمن أوكل إليهم  تربية و تعليم و توجيه و زرع الأمل في أطفال المغاربة. ألا تستحي الوزارة و معها الحكومة حينما ترسل أساتذة في ريعان الشباب و العطاء للانتشار و التدريس في قرى و صحاري و جبال و مغارات و وديان تنعدم فيها ادني شروط العمل و حينما يطالبون بأبسط حقوقهم يضربون و يعنفون و يشتمون و يعتقلون و يتابعون و يهددون مهنيا و يقتطع من أجورهم الهزيلة دون وجه حق و في تناف تام مع التشريعات و النصوص القانونية المتعارف عليها..

     لماذا لم تتجرا الوزارة إلى حدود الساعة بالخروج كعادتها ببيان توضيحي للرأي العام تعلن فيه مقدار الأموال التي اقتطعتها من أجور الأساتذة المضربين و تعلن عن النصوص القانونية و التنظيمية التي استندت إليها لتفعيل الخصم من تلك الأجور رغم شرعية  إضراب الأساتذة المتعسف عليهم و لماذا لم تعلن صراحة عن مصير تلك المبالغ المالية المقتطعة ظلما و شططا في استعمال السلطة. نحن فعلا نحتاج إلى وزير يفرق بين الغياب غير المبرر و الإضراب المشروع المكفول دستوريا!

     أمام صمود الأساتذة المضربين و المطالبين بحق بسيط و مشروع و المتمثل في الترقية بالشهادة دون قيد أو شرط أسوة بالسابقين و اللاحقين، أطلت علينا الوزارة العجيبة بمباراة ملغومة فيها حصيص و إعادة انتشار و قرصنة للأقدمية الإدارية و المستحقات المالية و إهانة للأستاذ و قدراته. يعلل المسؤولون و دون استحياء سبب اعتماد المباراة كشرط للترقي الرغبة في 'إهانة' عذرا 'قياس' مدى كفاءة الأستاذ. ألا يتذكر هؤلاء المسؤولون أن الأساتذة المعنيين بالاختبار هم أصلا خريجي مراكز التكوين التابعة لنفس الوزارة و نفس الدولة! لماذا يتناسون أن عددا كبيرا من الأساتذة الحاملين لنفس الشهادات و خريجي نفس المراكز استفادوا من الترقية الفورية دون امتحان أو شرط. لماذا يتم تعيين الأساتذة الجدد في سلاليم أجور عليا موازية للشهادة التي يحملونها في حين يتم إقصاء فوجي 2012 و 2013 رغم عدم وجود أي فارق في مدة و نوعية التكوين و المهمة والكفاءة المهنية و رغم حصولهم على نفس الشهادة أو الدبلوم  من طرف نفس الجامعات و الكليات... قمة الإقصاء و الظلم إذن!

     المسؤولون يتذرعون بمعيار ضرورة قياس كفاءة الأستاذ الخاضع أصلا للتكوين لأجل استفادته من الترقية في الدرجة أو الإطار ، لكن ألا يتذكر أولئك المتغابون الجحافل و الأفواج الكبيرة من المعطلين و حاملي نفس شواهد و دبلومات الأساتذة المضربين اليوم حينما تم تعيينهم مباشرة كأساتذة في قطاع التربية الوطنية دون نصف دقيقة أو ساعة تكوين و تدريب أو اختبار كفاءة! أليست سنوات 2008 و 2009 و 2010 و 2011 عنا بقريبة! أم أن الذين تم توظيفهم مباشرة طوال تلك السنوات  دون اختبار و وفق شهاداتهم (و لا نحسدهم طبعا و أبدا) كلفوا بتدريس أطفال مختلفين تماما عن أطفال 2012 و 2013 كي يتم اختبار و قياس مدى كفاءة كل من أراد الترقية بالشواهد اليوم. وفقا لهذا المنطق الغريب, يكون تلميذ و أستاذ مرحلة ما قبل دستور 2011 مختلف تماما عن تلميذ و أستاذ ما بعد تلك المرحلة !

     خلاصة القول، حرمان فئة من الأساتذة من حق استفادت منه مجموعات عريضة من زملائهم يضرب في العمق كل الأعراف المجتمعية و المواثيق الدولية و القوانين الوطنية الداعية إلى المساواة و تكافؤ الفرص و عدم الميز و التمييز بين  الأفراد و الجماعات نظرا للآثار السلبية و الانعكاسات النفسية و الاجتماعية و المادية و المهنية الخطيرة التي قد تتولد عن ذلك.