من أسباب فشلنا لحد الآن في إحداث التغيير المنشود ببلادنا ، ما يطبع حياتنا السياسية و النقابية من تشرذم ، في الوقت الذي يحتاج فيه شعبنا إلى توحيد جهود كل المناضلات و المناضلين الديمقراطيين الذين يحملون نفس الأفكار التقدمية ، و يناضلون لبلوغ نفس الأهداف ، و هي تحقيق الديمقراطية و الكرامة و العدالة الاجتماعية .

لقد قدم شعبنا و قواه الحية على مدى عقود من النضال و من مواجهة القمع و الإستبداد ، تضحيات جسيمة ، تعذيبا و سجنا و آستشهادا ، و كان المفروض و الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى تشكيل جبهة عريضة تضم كل الأحزاب و النقابات التي تجمع على ضرورة إحداث تغيير حقيقي في كل المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، بما يحقق طموحات شعبنا في العيش الكريم ، و بما يضمن لبلدنا التنمية و الإستقرار . 

إلا أنه ، و للأسف الشديد ، و في كل مرة يقع خلاف فكري أو تنظيمي داخل هذه الأحزاب و النقابات ، و بدل أن يحل بطريقة تضمن الوحدة و تقوي التنظيم ، تقع القطيعة ، ثم الصراع ، لينتهي هذا الخلاف الذي يكون في الغالب بسيطا بتأسيس حزب أو نقابة جديدة .

إن هذا يعتبر من وجهة نظري قمة العبث ، أن يتسابق مناضلون يعتبرون أنفسهم مجندون لخدمة مصلحة شعبنا و مستعدون لتقديم التضحيات من أجل ذلك - و هذه بالمناسبة مهمة نبيلة تقتضي نكران الذات و التواضع الفكري و التسامح - أن يتسابقوا على الكراسي و المناصب و المسؤوليات ، و هي مسؤوليات نعتبرها في أدبياتنا و ثقافتنا تكليفا و ليست تشريفا . فأي عبث أكبر من أن تتحول الكراسي التي نتسابق للظفر بها إلى سلاح نستعمله في " حربنا " نحن الذين كنا إلى الأمس القريب نجلس جنبا إلى جنب عليها ، نتقاسم نفس الأفكار و نضع نفس البرامج و نحمل نفس الهموم و الإنشغالات .

و الأدهى و الأمر ، و عوض أن نعترف بأخطائنا القاتلة هاته ، و التي أدينا و نؤدي ثمنها غاليا ، نهرب في كل مرة إلى الأمام ، معلقين أخطاءنا على الدولة و أجهزتها ، بآتهامها بالوقوف وراء ذلك . صحيح أن الدولة و المستفيدين من سياساتها هم الرابح الأكبر ، و لكن السؤال هو من ساعدها على ذلك . أليس هؤلاء المناضلين الذين لا يقدرون خطورة أفعالهم ، ليس على تنظيمهم فحسب ، بل على معركتنا النضالية العامة .

إنني فعلا حزين جدا لما وقع في الماضي و ما يقع اليوم ، و دون أن أدخل في الأسباب التي قد يطول شرحها ، و التي بدورها قد تشكل موضوع خلاف آخر ، أقول فقط كفى . أقول أن شعبنا فقد الثقة في العمل السياسي - و قد كنا بتشردمنا أحد الأسباب التي أدت إلى ذلك - و فقد الثقة في الشعارات و الوعود التي لم تتحقق . أقول أن المعركة الكبرى التي تنتظرنا جميعا هي معركة إرجاع الثقة لشعبنا في العمل السياسي و العمل النقابي . أقول و أقول . في الأخير أتمنى صادقا أن نرى يوما الجبهة العريضة للنضال تتحقق ، خاصة و أن الوقت لم يعد يسمح لنا بإضاعة مزيد من الفرص .
هذه وجهة نظر شخصية و لكم واسع النظر ...