و نحن على بعد ساعات قليلة من الإضراب الوطني الإنذاري العام ، لا بد من تسجيل بعض الملاحظات ، و طرح بعض الأسئلة على الحكومة ، و على كل المؤسسات المعنية بوضع السياسة العامة و بتدبير الشأن العام ببلادنا .

ففيما يتعلق بالملاحظات أسجل :

أولا : أنه و حسب المعطيات المتوفرة حاليا و التقارير التي تنشرها الصحافة يوميا ، فإن الإضراب العام نجح حتى قبل تنفيذه ، و ذلك نظرا للتجاوب الكبير مع القرار ، و نظرا ثانيا لآنخراط عدة نقابات و أحزاب و جمعيات حقوقية و نسائية و شبابية و غيرها في هذه المعركة التاريخية .

ثانيا : أن الإضراب الوطني العام هو إضراب ، ليس فقط من أجل الملف المطلبي للطبقة العاملة المغربية رغم أهميته و رغم ضرورة الآستجابة إلى ما تضمنه من مطالب عادلة و مشروعة ، بل هو إضراب أيضا من أجل بناء مغرب آخر ممكن ، مغرب الديمقراطية و العدالة الآجتماعية و الكرامة .

إن هاتين الملاحظتين تجراني بالضرورة إلى طرح عدد من الأسئلة على الحكومة و على المسؤولين ببلادنا لنعرف جميعا هل صورة الوضع الآجتماعي كما نتحدث عنه نحن هي صورة حقيقية ترصد الواقع المعاش ببلادنا ، أم أنها مجرد مزايدة سياسية كما يدعي البعض ، علما أن السياسة - كما هو بديهي و معروف - موجودة في كل شيء ، بما في ذلك الهواء الذي نتنفسه . إذن لنتساءل :

- هل الأجور ببلادنا ، و الحد الأدنى للأجر على الخصوص ، قادران على تلبية الحاجيات الضرورية للمواطنين ، عمالا و موظفين ؟ بل هل الزيادة في الحد الأدنى للأجر إلى ثلاثة آلاف درهم كما وعد بذلك البعض أثناء الحملة الآنتخابية منذ حوالي أربع سنوات ، و حتى إلى خمسة آلاف درهم قادرة على تلبية هذه الحاجيات ، و خاصة الضرورية منها ، كالسكن و التغذية و النقل و التعليم و الصحة ...؟

- ماذا تقولون لنا عن التكافل أو التضامن الآجتماعي ببلادنا ، و الذي هو أحد مكونات الهوية المغربية ؟ كم عدد المواطنات و المواطنين الذين يعيلون بدخلهم ، و لو كان بسيطا ، أسرة متعددة الأفراد ، حيث نجد بالإضافة إلى العائلة الصغيرة ، الآباء و الأخوة ...؟ ما تاثير ذلك على الوضع الآجتماعي و النفسي و الصحي للشخص المتكفل ؟

- كم عدد المواطنات و المواطنين المهددون بالسجن ، أو الموجودون به فعلا ، بسبب عدم قدرتهم على تسديد دين يتعلق بشراء سكن آجتماعي مثلا أو بتلبية بعض حاجيات الأسرة الضرورية ؟

- ما مصير الأموال المنهوبة و الموجودة داخل المغرب أو مهربة إلى الخارج ؟ ما حجم الآمتيازات الممنوحة لبعضهم دون وجه حق ؟ لما لا تطال المحاسبة طبقا للقانون يد المفسدين و المرتشين الكبار الذين يخربون الآقتصاد الوطني و المجتمع ، و ينهبون الثروة الوطنية التي كان من المفروض أن يستفيد منها الجميع في إطار العدالة الآجتماعية ؟ 

- ما مصدر ثروات بعضهم الضخمة ، و الخيالية أحيانا ، علما أننا بلد لم تمض على آستقلاله سوى حوالي ستون سنة ، و لا يتوفر على بورجوازية عريقة كما هو الحال في أوربا مثلا حيث هناك عائلات أنشأت صناعات تتوارثها جيلا بعد جيل و تضع نصب عينيها تطوير آقتصاد بلادها ، و هذا ما نلاحظه اليوم بالنسبة للعديد من المنتوجات الصناعية كالسيارات أو غيرها حيث تحمل في الغالب إسم العائلة المكونة لهذه الصناعة ؟

- لماذا لا تكون الإدارة المغربية في خدمة المواطن ، و هذا هو الوضع الطبيعي و القانوني ، بل تصبح في كثير من الأحيان مصدر قلق و توثر بالنسبة له ؟
- هل نحن مواطنون ؟ ما معنى المواطنة اليوم ؟ هل كرامتنا و حقوقنا الدستورية مصانة ؟

- لماذا هذا التنامي المريع لظواهر لم يكن يعرفها مجتمعنا كما هي اليوم ، الآنتحار ، القتل ، السرقة ، التسول ، التشرد ...؟

- كم عدد المواطنين الذين يسكنون مدن الصفيح أو مساكن لا تتوفر فيها شروط السكن اللائق ؟

- لماذا لا نمنح المواطن حقه الطبيعي في آختيار ممثليه بكل حرية كلبنة أولى و أساسية في البناء الديمقراطي الذي نطمح لتشييده ؟

أسئلة من بين أخرى كثيرة لا شك أن الجميع يطرحها ، و يبقى السؤال الكبير و العريض هل تجرؤ الحكومة ، و معها كل المسؤولين عن تسيير و تدبير شؤون بلادنا ، على الإجابة عنها بكل وضوح و شفافية ، خدمة لقضية واحدة تؤرقنا ، و هي مصلحة بلادنا التي أضحت في حاجة ماسة إلى سياسة أخرى غير السياسة القائمة حاليا و التي أوصلتنا إلى ما نعيشه اليوم من أوضاع آجتماعية جد متردية ، أوضاع تهدد آستقرار بلادنا و تؤخر تنميته و تطوره المنشود ؟