نشر أحمد صدقي النائب البرلماني عن "حزب" العدالة و التنمية في إقليم تنغير تغريدة عنونها ب "تنغير بريئة من التطبع و المطبعين", و هي التغريدة التي جاءت حاملة لمجموعة من المغالطات الخطيرة التي وجب توضيحها كما يلي:

- كنا ننتظر أن يكتب النائب المحترم عن معاناة سكان الجنوب الشرقي مع العطش الذي يتهددهم كل صيف, حيث أصبحت مجموعة من المناطق أشبه بمناطق في جمهورية النيجر أو تشاد(ألنيف نموذجا) إذا تضطر مئات النساء و الأطفال لقطع عشرات الكيلومترات من أجل شربة ماء, فإذا به يخرج علينا كعادة كل الإسلامويين متحدثا عن معاناة إخوته في أوطان أخرى ممن يحملون"ماركة مسجلة" عكس أبناء الجنوب الشرقي الذين لا يعتبرون في نظره إلا مواطنين من درجة دنيا, مع العلم - كذلك - أن المئات و ربما الآلاف من الإميضريين الذين لا يبعدون عنه سوى بكيلومترات مازالت مأساتهم مستمرة, رغم أنهم ليسوا في حرب مع "محتل" و لا في معركة مع "مستعمر" بل هم في وطنهم يتألمون.

و غيرها من المشاكل التي يتخبط فيها الإقليم من خصاص مهول في الموارد البشرية فيما يتعلق بقطاع التعليم, و ظاهرة الاكتظاظ, و تعبيد الطرقات, و إنشاء مستشفى إقليمي يليق بكرامة الساكنة التنغيرية, و فك العزلة عن المناطق الجبلية... و غيرها من المآسي التي تئن و ترزح تحتها المنطقة, فدور البرلماني هو هذا, وليس الترويج لإديولوجية ما أو نشر الاستلاب و جعل المواطنين يرتبطون بقضايا بعيدة عنهم.

- من حق أحمد صدقي أن يدافع عن القضايا التي يراها ذات الأولوية بالنسبة له, بل و أن يتخلى عن مسؤوليته الأولى و هي الدفاع عن المواطنين و التعبير عن آلامهم و أمالهم من أجل الذود عن قضايا إخوته الحقيقيين في أوطان أخرى, لكن ليس من حقه استغلال منصبه لجعل الناس يؤمنون بما يؤمن به.

- حديثه عن الأقلية و الأغلبية حديث فيه جهل كبير, و تغليط للرأي العام, و على أي فنحن ندعوه لقراءة مقال لنا بعنوان "توضيحات حول الأقلية و الأغلبية" منشور بموقع الحوار المتمدن, لعله يهتدي إلى صوابه أو يهتدي إليه صوابه.

- لا يحق لأحمد صدقي و لا لغيره الحديث باسم التنغيريين فأنى له أن يتحدث باسم المغاربة؟

إن أحمد صدقي لا يمثل في تنغير سوى تيار من التيارات الإديولويجة ألا و هو التيار الإسلاموي, الذي ليس وحده الموجود في تنغير, بل إن التيار الأمازيغي الذي يحاول أحمد صدقي تجاهله من أهم التيارات في المنطقة, إلى جانب التيار اليساري و غيرها من التيارات الأخرى, و بالتالي فمن الغريب أن ينبري صاحبنا لإلغاء كل هذه التيارات و الظهور كأنه الوحيد الممثل لتنغير و كأن تياره الإديولوجي هو الوحيد في المنطقة. 

- وصف أفكار من ينعتهم بالمطبعين بأنها "حبيسة الفايسبوك", و هنا نسجل أنه وقع في تناقض خطير, فالذي يعيبه على الآخرين سقط فيه من حيث لا يدري, إذ إن جل "مشاريعه" و "برامجه" و "إنجازاته" و وعوده بقيت حبيسة الفايسبوك, بل إنه لا يتأخر في حذف كل من ينتقده أو يعارضه ولو في الفايسبوك الذي اعتبره غير ما مرة وسيلة للتواصل و تبادل الآراء, كما أنه تجاهل أن الفايسبوك لعب دورا كبيرا في التنسيق و تفجير "الثورات" في كثير من البلدان, فكيف يحتقر الفايسبوك و في نفس الوقت يستعمله لنشر أفكاره؟ بل كيف يستعمل الفايسبوك و صاحبه من أكبر المدعمين للصهاينة؟

- يبدو أن أحمد صدقي يجهل المقصود بالتطبيع و بالتالي فهو كغيره من زعمائه لطالما استعملوه في غير محله,إذ إن التطبيع يعني إرجاع العلاقات مع العدو إلى سابق عهدها بعدما عرفت مرحلة من التوتر, فمتى يا عباد الله توترت العلاقات بين إسرائيل و المغرب حتى نحتاج إلى إرجاعها إلى حالتها الطبيعية و جعلها عادية؟؟

- أما حديثه عما أسماه بالظهير البربري فدليل آخر على جهله بالتاريخ, إذ حسب علمنا المتواضع لم يصدر ظهير بهذا الاسم, فاسمه الحقيقي هو الظهير المنظم للمحاكم بالمناطق العرفية, و المهم و الأهم هنا هو ما العلاقة بين الظهير البربري و الحديث عن التطبيع؟ لماذا كلما فشل هؤلاء الإسلامويون إلا و قاموا باجترار أكاذيب تاريخية لا يكلفون أنفسهم حتى عناء التحقق من صحتها؟؟

- تحدث عن مسيرة الرباط التي اعتبرها إنجازا ما بعده إنجاز في حين نعتبرها نحن مهزلة ما بعدها مهزلة, إذ هي تعبير عن استلاب فكري خطير, و يظهر ذلك من خلال كون المسيرة المذكورة جمعت بين من لا يجتمعون إلا على القضايا غير الوطنية من شباط و بنكيران و لشكر و غيرهم, فلو تعلق الأمر بقضية وطنية ما اجتمعوا أبدا, و هذا دليل صارخ -كما قلنا- على استلاب خطير, مفاده أن الأجنبي أولى من المغربي في التضامن, فلم لم يخرجوا- مثلا لا حصرا - من أجل كارثة بوركون و من أجل غيرها من الكوارث السابقة و اللاحقة؟ لماذا لم يخرجوا للتنديد بالسياسة التفقيرية لبنكيران الذي رفع الأسعار و قطع الأرزاق و سبب في تراجعات خطيرة في جميع المستويات؟؟

إن هذه المسيرة و غيرها من المسيرات التي تخرج بالملايين من أجل نصرة قضايا لا تعني المغربي في شيء, نعلم علم اليقين أنها تجيش لها الجيوش و تصرف عليها ملايين الدراهم, فنحن لسنا أغبياء إلى الدرجة التي يعتقد أحمد صدقي أو غيره, نحن نعرف أن الحافلات توفر للراغبين في المشاركة في هذه المسيرات من أقصى منطقة(في حين لا توفر سيارة إسعاف لامرأة تموت في المخاض) كما تعبأ لها الأغذية و اللوجيستك و الإعلام و كل الحاجيات لإنجاح التضامن مع من دمهم دم أبيض.

- إن هذه المسيرات هي محاولة للهروب إلى الأمام و تصدير الأزمة الكارثية التي يعيشها المغاربة على مختلف المستويات, و التي تسببت فيها حكومة الإسلامويين, كما أنها محاولة لإلهاء المغاربة عن مشاكلهم و قضاياهم الحقيقية حتى لا تبقى لهم دقيقة واحدة للتفكير في تغيير وضعهم الموبوء.

- إن ما يتجاهله أحمد صدقي هو دعوات شريحة مهمة من الشباب المغربي في شمال المغرب كما في وسطه و شرقه و جنوبه و الذي أصبح يستفيق من غفلته إلى الاهتمام بالقضايا الوطنية قبل غيرها, شعاره في ذلك "تازة قبل غزة".

ختاما أقول لأحمد صدقي إن أسطوانة "التطبيع" أسطوانة مشروخة, لا يلجأ إليها إلا من يرغب في التغطية على فشله في حل قضايا الوطن و المواطنين, و إذا قلت العكس فنتحداك و نتحدى حكومتكم أن تكشف عن المطبعين الحقيقيين الذين يجنون الملايير في علاقتهم مع إسرائيل, نتحداكم أن تكشفوا عن أسماء الشركات المغربية التي تربط علاقات "حميمية" مع إسرائيل و لا يكفي الكشف عنها, بل يجب أن تمنعوها من الاستمرار في تلك العلاقات, و أنتم من بيدكم و بإمكانكم فعل ذلك, و أنتم من تزعمون أنكم ضد "التطبيع", فهل أنتم فاعلون؟؟

قسما لن تفعلوا,لأنكم لا تستأسدون إلا على أبناء الفقراء و المعدمين ممن لو وجدوا فرصة للهجرة إلى إسرائيل للعمل هناك ما تأخروا لحظة واحدة,بعد أن فقدوا كل بصيص أمل في هذا الوطن الذي رجعت به حكومتكم إلى القرون الوسطى.


* مصطفى ملو : فاعل جمعوي و إعلامي مهتم بقضايا المغرب و المغاربة.