لم أتصوّر قطّ أن ينقضّ علينا أصحاب النّوايا السيّئة بعد جريمة ذبح الشاب السينغالي في حيّ العرفان بأطراف المدينة، وينعتوا أهالي طنجة بالعنصريين، ولا سيما تجاه القادمين من الداخل، مستدلّين ببعض قصصهم الشّخصية كبعض الصحفيين منهم المذكورة مريم التيجي.. مريم التي تتنبّأ بتوالي الذبائح العنصرية على مدينتنا. وبحقد دفين تستشهد بوقائع قد تكون وقعت حقّا.. لكنه حقٌّ يراد به باطل.. 

ما كان لطنجة الدّولية أن تكون عنصرية وهي تحتضن أقواما شتّى من الألمان والإنجليز والإيطاليين والفرنسيين والهولنديين والأمريكان والإسبان والبرتغاليين وآخرين.. كانت حقبة شاهدة على زمن التّعايش والتّسامح الديني المنقطع النّظير. المسجد يجاور الكنيسة، وكلاهما يجاوران المعبد والسّلام يعمّ أجواء طنجة. فتنفتح ردهات الإبداع، يتحلّق حوله العظماء، فتتلألأ الفنون في سماءاتها. ويحكي التّاريخ عن مكوث من مسّهم سحر الربوة من عشّاقها الأزليين. لكن ما يتناساه البعض هو حقبة طنجة ما بعد الاستقلال.. طنجة المهمّشة، المنسية، البائسة، المعلّقة وما أدراك ما المعلّقة. وفي الوقت الذّي كان يستحيل أن يحصل أبناؤها على مناصب شغل في مختلف هياكل الدولة، كان يحكم المدينة القادمون الجدد مسيطرين على قطاعات الإدارة والأمن.. ممّا دفع بعدد هائل من الطنجاويين إلى الهجرة بعيدا عن مدينتهم الرائعة بحثا عن آفاق جديدة بعد انسداد المنافذ أمامهم.. لا ينفي أحد أنّ تلك الحقبة خلّفت آثارا جانبية وإحساسا عميقا بالإهانة وتركت ندوبا مازال الكثير من سكّانها يحاولون التّخلّص منها.. طنجة وإن ذُبح فيها السنغالي المكلوم، فقد ذُبح قبله ثلاثة من شبابها في ظرف شهرين فقط، نتيجة موجة العنف التي تهزّ حاليا أركان المدينة، ونتيجة ظلام النّفوس التي غادرها نور الله. لن أنسى جموع الطيّبين وهم يمدّون يد العون لمهاجري جنوب الصّحراء، والعقلاء منهم يغضّون الطرف عن سلوكيات بعض المهاجرين وهم يخرقون نظام وقوانين أحيائهم جهارا. هؤلاء البسطاء من النّاس وقد أثقلتهم أعباء الحياة وسحقتهم الأزمة ورمت بهم في هوّة الفوارق, ما عساهم يقدّمون للعابرين أو للمقيمين غير نظرات الذهول وهم يشاهدون فصولا دامية يخطّها المارقون من أحياء الفقر والهشاشة على أبواب الوافدين في غفلة من عيون لا ترصد إلّا التمرّد وأعراض السّخط والنّقمة, وتجزل العطاء لمن يجهر بالرضا ولا يكلّ من الثّناء والمديح..؟؟

لكن، أعود وأقول إنّ النّظرة الدونية للون الأسود موجودة.. بل إنّ العنصرية بكل أبعادها تخترقنا جميعا بدون استثناء.. الصراع الأزلي بين "روافة وجبالة " في طنجة ومن منهم السكان الحقيقيون للمدينة..? ينطبق هذا على باقي مدن الشمال. لكن يتّحد الجمعان ويصيران قوّة واحدة ضدّ القادمين من الدّاخل. يتكرّر السيناريو البئيس على طول المغرب، فنرى تنافر الأعراق والأطياف في كل مناطق البلد السّعيد. في الجبال والسّهول والهضاب والواحات وفي عمق الصحراء.. لا نستثني أهل سوس العالمة وأصدقاءنا الشلوح وسكان سهول الغرب وأصحاب العمامات الزرقاء يلفّون بهم عيونهم درءا لهبوب الرمال. 

هنا في بروكسيل، في بلد المهجر سافرت معنا عنصريتنا كباقي آفاتنا ونامت بين أحضاننا. فبعد تخطّي الصراع الخفي بين الأمازيغ وبين ناطقي دارجة الضاد، وُلدتْ عنصرية جديدة، اتّحدت فيها جميع الأعراق من الجيل الثاني والثالث ولفظوا من التحق بهم من وراء البحر ورمقوهم بدونية، كيف لا ؟ وهم الذين لم تُقطع حبالهم السرّية في مستشفيات العزّ. فاعتبروهم جماعة من الغوغاء " السميكس والبليدار "، وصمة عار على جبين هجرتهم المجيدة..

هذا ليس دفاعا عن طنجة. كما أنه ليس إدانة لها. فقط رغبة في أن أقول بأنّ مشكلة العنصرية لا يمكن اختزالها في جهة دون غيرها... بل هي قضية أكثر تعقيدا.