عذرا أيتها القضية الأمازيغية، عذرا أيها المهمشون، عذرا أيها الوطن، لقد سئمت من كساد أفكاري وقررت هجران الكتابة.

قررت أن أتنكر لكل قناعاتي، وأن أهجر كل مواقفي، وأن أتحدى أفكاري، قررت أن أرفع الراية البيضاء، ليس خوفا ولا طمعا، بل لأني بكل بساطة تجرعت جرعة زائدة من الخذلان، وبها تيقنت أن صحتي وأسرتي ووقتي ومالي أغلى من هؤلاء وأولئك، من كل هذا وذاك.

سأخرس مقابل السلام… ولن أنتفض بعد اليوم.

لن أكتب بعد اليوم، ليسـت "أوامر من جهات عليا" بل لأني بكل بساطة أجد الصمت أفضل والانزواء أحسن. سأقطع كل تلك الأوراق التي على مكتبي وأحطم كل الأقلام التي بها أخُـطّ ما يجعلني أعيش كل هذه الصدمات التي تأتيني من المقربين قبل الغرباء، وكل هذه المعاناة التي تؤزّمني مع المسؤولين قبل اللامسؤولين، لقد خُيّرت واخترت الهدوء والابتعاد...

لم يعد يهمني شيء مما يقع، لو يعد يلزمني ما يروج، لم يعد يعنيني ما يحاك، سأحرق كل حماسي وكل تعلقي بأفكار تظل عملة نادرة في سوق المجانين، اطمئنوا أيها الوصوليون السفلة فلم يعد يهمني شيء مما تفعلون، استمروا في خيانتكم للوطن، وداوموا على تأزيم أصحاب الضمير، أيها الانتهازيون المنحطون، لم يعد يهمني شيء من كل الفظاعات التي ترتكبونها باسم القضايا وعلى حساب عدالتها.

أيها الجسد الأمازيغي الجريح، سيظل شتاتك وانشطارك يزداد ويزداد، ولا أرى في الأفق ما يبشر بأي التئام مادام هؤلاء المتنطعون يتكلمون باسمك، يقتلونك، فيتباكون ويتحسرون، ثم يتقدمون مراسيم جنازتك، بل ويمثلون بجثتك الباردة، أيها القابعون وراء الشاشات ممن يرتدون أسمال الأسماء المستعارة ظنا منهم أن التاريخ غافل عن بغيهم وغيهم، جِدّوا واجتهدوا، احرقوا اليابس والأخضر باتهاماتكم المجانية وتخويناتكم المقيتة، أيها المجانين الحالمون، غُـطّوا في نومكم واجروا وراء سراب ممانعة وعقيدة كشف الزمان عجزها. دعكم في صراعاتكم الداخلية الفتاكة، دعكم في المعارك الجانبية، دعكم في الشعارات الجوفاء، دعكم في جعجعتكم السرمدية... بالمقابل دعوا عنكم الحزم والجدية، دعوا عنكم دماثة الأخلاق، ودعوا عنكم نكران الذات...

أعلنها وبكل ثقة في النفس، أستسلم، أرفع الراية البيضاء في وجه من يتربصون بشخصي، من يتصيدون تأويل أفكاري، ليس بمنطق الانهزام ولكن بمنطق عدم الإسهام في مجزرة يشترك في ارتكابها الأبناء والأعداء.


ستقاطعكم أفكاري وتهجركم مواقفي، فيما سأتفرغ لأمور وقضايا أخرى، لكن لا تذهبوا بعيدا في تخميناتكم، لست عازما على رفع راية أخرى، فقد علمت وتعلمت أن ذلك من مهام المرتزقة في المجتمعات المتخلفة، تلك الفئة التي أبغضها إلى حد كبير.

سأتفرغ لشؤوني التي لا شك أنها أهمّ… شؤوني التي فرطت فيها ولمدة غير يسيرة، لن أسمح بتدمير هذا البنيان الذي يقيني شر خذلانكم وبؤس أنانيتكم... رجاء توقفوا عن ملاحقتي فأنا بريء من فشلكم، بريء من سماجتكم، ولست في حاجة إلى وقت لدفع التهم عني، فلا تحاولوا إدانتي ظلما لتبرير عطلكم الذي لا ولن ينتهي.

لم يعد هناك موقف نتقاسمه أيها الفاشلون، لم تعد هناك قضية تجمعنا أيها المرتزقة، لم تعد هناك فكرة نناقشها أيها الأنذال، دام لكم الخزي والعار، دام لكم الخبث والعري، دام لكم الذل والهوان.

لكم أيها الأوفياء من المعارف والأصدقاء أقول، صبرا جميلا ونفسا طويلا، أدرك جيدا كم سأشتاق إليكم وكم تبادلونني الشوق، إلا أن القدر شاء ما شاء، وقدَر ما قدَر، سأظل أحتفظ في صدري بمشاعر التقدير لكم، كم أتمنى صادقا أن تأتينا الأيام بواقع يهزم ما نال مني من اليأس والتذمر.

تصبحون على ضمير أيها المرتزقة، وعلى عقل أيها الغوغائيون، وعلى تعايش أيها المغرر بهم.

هذه آخر الأسطر التي بها أضع نقطة نهاية كابوس اسمه النضال.

فسلام