حذار من الغرور! وإياك من الإغراء!

بعد التحية والتقدير، أستسمحك، أخي، في أن أخاطبك بواسطة هذه الرسالة المفتوحة في شأن الحزب الذي يجمعنا (إلى حد الآن؟؟؟)، رغم تباين مسارنا النضالي ووضعنا الاجتماعي وخلفياتنا الثقافية... بالإضافة إلى اختلاف تنشئتنا الاجتماعية وربما الروحية أيضا...وهذا الوضع لا ننفرد به نحن الاثنين؛ بل هو حال كل الاتحاديين والاتحاديات. لكن هذا لم يكن أبدا عائقا أمام التعايش والتآلف والتآزر... فقوة الاتحاد كانت دائما في تعدد مكوناته وتنوع روافده البشرية والفكرية والثقافية...

أليس الاتحاد حزبا للقوات الشعبية؟ وهذه القوات، ألا تضم في ثناياها، ومن الجنسين معا، العامل والفلاح والطالب والموظف والتاجر والصانع والمهندس والطبيب والمحامي والأستاذ والعاطل وصاحب مقاولة والمتعلم والأمي والفقيه والعالم، والمثقف والأديب...؟ بالطبع، تدبير كل هذا التنوع البشري يحتاج إلى قوانين وقواعد تنظم العلاقات بين الجميع دون طغيان أو استبداد ودون تسيب أو فوضى... وأحسن وسيلة هو اللجوء إلى أفضل ما أبدعته البشرية في هذا المجال؛ ألا وهي الديمقراطية.

ما دفعني إلى مخاطبتك، أخي، في هذا الموضوع ومن خلال هذه الرسالة المفتوحة، هو ما حدث ويحدث الآن داخل الاتحاد الاشتراكي وعلى هامشه. وأخصك بهذه الرسالة لاعتبارين: الاعتبار الأول هو الاحترام الذي أكنه للتاريخ النضالي لوالدك المرحوم الدكتور "محمد الشامي" (رغم أنه لم تكن لي معرفة شخصية به؛ لكني لم أسمع عنه إلا الذكر الحسن في صفوف الاتحاد بمكناس، بعد التحاقي بها).  أما الاعتبار الثاني، فله ارتباط بالدور الذي تلعبه في هذا الذي يحدث، الآن، داخل الاتحاد الاشتراكي.

وما رد فعلك الأخير على "موقعي" ما سمي بالنداء "من أجل مستقبل الاتحاد الاشتراكي..." (وأنا، أيضا، كان لي رد فعل لكن ليس لنفس الأسباب...)، وبتلك الطريقة العنيفة، إلا دليلا على هذا الدور الذي أتحدث عنه. وفي رد فعلك هذا، إفصاح عن النوايا الحقيقية لما يسمى بتيار "الانفتاح والديمقراطية" (وما هو لا بالمنفتح ولا بالديمقراطي، كما تدل على ذلك كل المعطيات). فلو كانت الديمقراطية هي المحرك وهي المرجع، لكان التمرين الديمقراطي المتميز الذي عشناه بمناسبة المؤتمر الوطني التاسع، رغم ما قد يكون اعتراه من نقائص، نموذجنا الذي نعمل على تطويره وتعزيزه وليس التشويش على نتائجه والعمل على تبخيس إيجابياته ومكتسباته.  

لنبدأ بما قبل المؤتمر الوطني التاسع. لا أحتاج أن أطيل في موضوع تحركاتك من أجل دخول غمار المنافسة على مهمة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وسواء كان قرارك هذا شخصيا أو بإيعاز من شخصيات اتحادية (وأترفع عن التفكير في جهات أخرى)، فإنه ينم عن جهل كبير بأدبيات الحزب وبأنظمته الأساسية والداخلية. فهل من المعقول والمقبول أن يجهل من يطمح إلى تدبير شئون حزب من عيار الاتحاد الاشتراكي، شروط  أهلية الترشيح للمهمة المرغوب فيها؟ ربما كنت تعتقد (ونفس الخطأ وقع فيه من شجعوك على خوض غمار السباق نحو الكتابة الأولى للاتحاد) أن تاريخ والدك رحمه الله والاستوزار باسم الحزب كافيان لتغض لجنة التأهيل الطرف عن القوانين والأنظمة.

لا علينا! لكن ما ذا وقع بعد اكتشاف المانع القانوني للترشيح؟ لقد تم البحث عن بديل. ولم يكن هذا البديل سوى أخينا المرحوم "أحمد الزيدي"، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته(ارجع إلى برنامج "قفص الاتهام" لـ"ميدراديو" لتسمع أو تعيد الاستماع إلى ما قاله المرحوم عن ترشيحه). وهذا دليل على أن مشروع ترشيحك للكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي لم يكن مشروعا شخصيا (ونفس الشيء بالنسبة للمرحوم "أحمد الزيدي").

لست من هواة قراءة النوايا. لكن، بحكم المهنة والتخصص، فأنا من الدين يهتمون بخلفيات "النص" وسياقاته؛ ومن الذين يجب عليهم أن يقرءوا ما بين السطور وما وراء الكلمات. وهو ما نسميه بالتأويل. وهي قراءة مشروعة؛ بل ومطلوبة، ما لم تكن مُغرضة.

لست بحاجة إلى أن أذكرك بأني من جيل السبعينيات (الجيل الذي فتح عينيه، نضاليا، على قرارات ومقررات المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975، وفي مقدمتها اختيار النضال الديمقراطي)؛ وبالتالي، فليس لي  من مطمح أو مطمع سوى أن أرى الاتحاد يستعيد جزءا من إشعاعه الذي فقده بفعل مساهمته في تدبير الشأن العام لأكثر من عشر سنوات (بهدف إنقاذ البلاد من السكتة القلبية، طبعا، ليصير هو المهدد بهذه السكتة أو ما سماه الأخ "الراضي" بالانتحار الجماعي، بعد أن كبرت الطموحات وانتفخت الأنات واستحكمت الأنانيات...).  

لقد كنتَ من الذين ساهموا باسم الاتحاد الاشتراكي في تدبير الشأن العام بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2007. لن أسألك عن كيف تم استوزارك (لكن لا تقل لي بأن كفاءتك هي وحدها سبب اختيارك لذلك المنصب، خصوصا وأن الاتحاد يعج بالكفاءات من الذين هم أقدم منك وأفضل منك تكوينا من الناحية السياسية، وربما حتى التدبيرية)؛ ولن أسألك عن مدى نجاحك أو فشلك في تدبير القطاع الذي كنت مسئولا عنه. فهذا لا يعنيني الآن.

ما يعنيني هو ما أنت مقدم عليه، أنت ومن معك (ومنهم من نعرف حق المعرفة ما يحركهم و/أو من يحركهم)، من عمل فيه كثير من التهور والغرور (وربما الإغراء) و"الطموح" الزائد عن الحد و"الجشع" السياسي...ويبدو، من خلال هذا، أن شهيتك للسلطة والنفوذ قد تفتحت وسدت عنك منافذ الولوج إلى مجال العقل والمنطق؛ فأصبحت تعتقد بأن كل السبل توصل إلى تحقيق الحلم، حتى وإن كان هذا الحلم كبيرا من قبيل  قيادة حزب كبير في البلاد؛ ومن ثم قيادة الحكومة أو البرلمان...

بالطبع، هذا ليس مستحيلا؛ وهو طموح مشروع؛ لكن لمن يتلمس لذلك الطريق الصحيح ولمن يدخل البيوت من أبوابها ولا يبحث عن قطف الثمرة قبل أوانها... وأجد، هنا، من حقي كاتحادي، له بعض الإلمام بتاريخ حزبه وبمحطاته الأساسية وبأزماته التنظيمية... أن لا أرى في قرع طبول الانشقاق  والإصرار على البحث عن بديل (خلق حزب حديد أو الالتحاق بإطار قائم؛ لكن كل الشروط فيه متوفرة للأخذ بزمام القيادة)، إلا التهافت ومحاولة طي المسافات، دون اكتراث بالعواقب، كمن يبدو في وضع: "شاف الربيع ما شاف الحفا".

أرى أنك، يا أخي، في سعيك إلى الانشقاق عن الاتحاد الاشتراكي، وأنت بالكاد "سخنت بلاصتك" فيه (رحم الله الدكتور "محمد الشامي" الذي لم يكن بهذه الصفات)، فاقد لكل حس سياسي يقرأ الواقع ويستفيد من الماضي لاستشراف آفاق المستقبل. فأنت بالذات والبعض (حتى لا أقول جل) ممن معك تمثلون ما تعنيه مقولة "لي ما ولداتو، ما تحن عليه"، التي تطلق في ثقافتنا الشعبية عمن يسلم بسهولة في شيء ثمين تفرض طبيعة الأشياء الحفاظ عليه. وهذا ما يذكرني بقصة الأم المزعومة التي قبلت القسمة بشق من ادعت أنه ولدها إلى نصفين، بينما الأم الحقيقية فضلت أن تُسلِّم في فلذة كبدها، حفاظا على سلامته، بدل القبول باقتسامه مع الأم المفترية.  وهي قصة مشهورة، أحيلك عليها. وأعتقد أن في هذا ما يكفي لأقول لك ولمن معك بأن اللعب قد انكشف وأن الشعارات لن تخدع إلا المغفلين.

ربما قد أُفهِمتَ، قبل المؤتمر الوطني التاسع، بأنك أهل لقيادة الاتحاد الاشتراكي. ولما لم يكن لك الحق حتى في الترشيح، قلت لا بأس من الانتظار والانخراط في التحضير للمستقبل على أساس أن تهيئ نفسك لتكون خلفا للكاتب الأول المقبل. وبما أن الأمور سارت في الاتجاه الذي عليه الوضع الآن (والذي، غابا، لم يكن منتظرا) والذي يتميز بدينامية جديدة قوامها إعادة بناء التنظيم محليا وقطاعيا (الشيء الذي أعاد الحيوية إلى صفوف الحزب؛ وهو ما يعكسه النجاح الذي تعرفه الأنشطة الإشعاعية، السياسية منها  والثقافية والفكرية...)، فقد تبين لك، وأنت المستعجل للقيادة، أن الأمر سيحتاج إلى وقت. وهذا واضح من خلال رد فعلك الأخير.

أخي، نصيحة لوجه الله: لا تكن في وضع من وجد نفسه يتصرف في ثروة هائلة لم يتعب في جمعها، فراح يبددها يمينا وشمالا ليجد نفسه، في نهاية المطاف، لا يلوي على شيء. فمستقبلك السياسي لن يكون، أبدا، أفضل من وضع "محمد نوبير الأموي" الذي غادر سفينة الاتحاد وهو محمل برأس مال رمزي كبير وبرصيد سياسي هائل؛ لكن الحزب  الذي أنشأه، لم يستطع أن يحقق أي شيء يذكر في كل الاستحقاقات التي شارك فيها وبتحالف مع حزبين آخرين (خرجا هما، أيضا، من رحم الاتحاد)، بالرغم من أن "الأموي" يتربع على قيادة مركزية نقابية من المركزيات القوية في البلاد.

فحذار من الغرور وإياك من الإغراء. وتأكد بأن تدبير حزب من عيار الاتحاد الاشتراكي ليس بالسهولة التي، ربما، تصورتها. فهو ليس مقاولة ولا قطاعا وزاريا؛ بل هو مشروع مجتمعي، يحتاج إلى تعبئة كل مكونات الاتحاد وكل طاقاته النضالية والفكرية والتدبيرية وغيرها. وهو يسع الجميع ومنفتح على المستقبل. فدور الاتحاد لم ينته ولن ينتهي إلا بانتفاء شروط وجوده كمشروع مجتمعي قائم على الديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية.

وبقيادتك عملية الانشقاق عن الحزب الذي استوزرت باسمه وأنت حديث العهد به (وهذا يجعلني لا أستغرب "عقوقك" السياسي)، ستُحدث، ولا شك، بعض التأثير السلبي الذي لن يستفيد منه سوى خصوم وأعداء الاتحاد، كما حدث مع من سبقوك إلى ذلك وهم يطمحون في أن يكونوا بديلا عن الاتحاد الاشتراكي، رافعين شعارات مثل التي ترفعونها اليوم وأنتم تقرعون طبول الانشقاق. لكن تأكد بأن كل من يحلم بوفاة الاتحاد أو دبج "قصيدة" في تأبينه أو اختصره في شخص كاتبه الأول (بسبب الغل والحقد والحسد)، ستخيب آماله لأنه يقع خارج التاريخ وخارج الفكر الجدلي والفكر الديمقراطي... ومنطق الأشياء.  فاللهم إني قد نبهت !!!