ذ محسن الاكرمين

سياسة مدينة مكناس تدار بالتصفيق والجذبة، وتحتفي ركوبا على قصبة السبق والبهرجة المهرجانية، وحج المواسم والخروج إليها قبائل وجماعات بغاية استعراض الجسد الشكلي وملمح مدينة بائس. هي ذي الحقيقة الثقافية والفنية التي تسوقها المدينة في ظل الانحسار التنموي، وملمح مدينة يزداد تدنيا. اليوم لن نتحدث عن مهرجانات الغناء ولا الجذبة، بل سنفتش عن بوابات أولويات التدخل التنموي بالمدينة والذي يستوجب الاستعجال والتسريع.
 
إن مكناس تعيش تخمة مزمنة من المهرجانات والأسابيع الثقافية بالتزاحم والتدافع فيما بينها حتى حد الخصام، وفكه بالإرضاءات الداعمة، إنها الظاهرة غير الصحية التي أثارتها مجموعة من المقالات الصحافية التحليلية للواقع المكناسي، إنها صوت المعارضة خلال أشغال الدورة الاستثنائية للمجلس المنعقد يوم الخميس 15 دجنبر 2016، أصوات تشهد بالقول اللهم إنا بلغنا رأينا والذي سيذكره التاريخ المكناسي بمحضر الجماعة بالصدق والنية الحسنة التبييت.
 
للمكتب المسير للشأن المكناسي حيثياته في توجيه دفة الفعل الثقافي والفني بالمدينة نحو المهرجانات والبحث عن بصمة التميز. حيثيات انتقدها أحد أقطاب المعارضة بقوله الضمني " سياسة الإلهاء" . لنقف عند كلمة الإلهاء ونتساءل، هل حقيقة أنشطة مهرجانات مكناس هي للإلهاء والتغاضي عن وضعية المدينة المأزوم؟ هل ساكنة مكناس تحتاج إلى جرعات من فن الإلهاءات الزائدة وهي تعيش كليا العوز والبطالة والنكوص نحو البداوة؟ هل أهل مدينة مكناس يديرون ظهورهم للتنمية، ويقابلون منصات الجذبة والغناء بالتصفيق؟ هل مكناس تتعايش مع الصم والبكم ولا تتوافق مع من يرفع كلمة رأي حق؟.
 
هي ذي الأسئلة التي تستفزنا جميعا، وتنغص تفكير كل محب لمدينة الأخيار والمجد التاريخي الإسماعيلي. نعم، هي نفس الأسئلة والاستفهام التي أثارت غضب رئيس المجلس السيد عبد الله بوانو وهو يرد على تساؤلات وملاحظات أعضاء المجلس من صنف المعارضة، هي ذي الأسئلة التي دفعت به إلى التصريح بمبلغ استهلاك المهرجان (بمناسبة مرور 20 سنة على تصنيف مدينة مكناس تراث عالمي ) غير المحصور نهائيا لحظتها ، ويقدر ب (140مليون سنتيم).
 
إن وضعية مكناس التحتية المتدنية، و نموها الاقتصادي البطيء يخلق تقابل الآراء بالتنافر و التضاد. بين من يقفز على وضعية مدينة متهالكة كليا ويلجأ إلى رخصة الإشتغال على تيمة المهرجانات الاحتفالية. وبين من يدعو إلى الاشتغال بمقاربة الأولويات، والتي تتأسس على الخطط الإستراتيجية والتدخل الاستعجالي لتجويد كل مرافق المدينة.
 
خطة مهيكلة لإصلاح وتحديث البنيات التحتية لمسارات طرقات المدينة، من حيث كذلك خلق أجنحة طرقية خارج المدينة تفك التكدس بالمحاور الداخلية. ومن حيث تجويد الخدمات الإدارية، وانفتاح الإدارة على حاجيات المواطنين الأولية بدون تسويف ولا تعطيل. ومن حيث الرعاية الفضلى للمجالات الاجتماعية المرافق الصحية والتعليمية وخدمات القرب. ومن حيث تشجيع المقاولة المواطنة. ومن حيث البحث عن سبل إرساء ائتمانية كرامة المواطن المكناسي التامة.
 
قد نختلف في الموجهات الأساسية بالبدء التنموي ، ولكن لن نختلف في نوايا صدق النقد الصحافي، ولا في ملاحظات المعارضة، ولا في الآراء الجمعية للساكنة الداعية إلى الشروع في خلق تنمية جماعية مستديمة بسرعة الطريق السيار. لن نختلف إذا ما طالب بعضنا بنزع جبة السياسة عن كل مهرجانات مكناس. لن نختلف إذا ما وقفنا بالكشف عن الشبكات العنكبوتية للمهرجانات بمكناس والمسكوت عنها طوعا، والتي غالبا تنتهي بالتكريم، والشواهد التقديرية، والموائد المستديرة في أفخم الفنادق بما لذ وطاب من أكل ومشروبات . هنا نقر القول بتغييب الحكامة الدستورية، حيث تبقى حبرا جامدا في فصوله، وبدون تنزيل ولا تفعيل ميداني. هنا نلحظ القفز على المقاربة التشاركية واللجوء إلى صيغة إقصاء كل أقطاب الرأي المخالف، مرة بالتهميش، ومرات بإلقاء اللوم والتبادل في احتلال المواقع.
 
ولكن...، ولكن لنحذر الرأي الأحادي فقد تكون المسؤولية فيه أكثر اتساعا وعمقا، وهي لا تتوزع عند الإخفاق، بل تلبسها الذات الوصية المقررة بالانفراد والمسؤولية، وحينها تبقى المساءلة من حق الجميع ولو بالسؤال والنقد البناء.