محسن الأكرمين

بمجرد بلاغ "انتهى الكلام" انتقل الوضع السياسي المغربي إلى علبة طاحونة الهواء. إنها الطاحونة التي لا تلوك إلا الخرجات التي تزيد أمر تشكيل الحكومة المغربية أكثر ضبابية وتعقيدا. لا نلوم رئيس الحكومة المعين فهو في قرار نفسه حصل حزبه على أغلبية المقاعد، واحتل المرتبة الأولى بدون أغلبية مطلقة، ونال أكبر نسبة من الأصوات المعبر عنها بالصحة. فنشوته الزائدة بالانفعال أنشأت في المقابل ارتكان أحزاب وطنية في خلق تحالفات كفيلة بتكسير شوكة نشوة ربح الانتخابات من قبل حزب العدالة والتنمية.

اليوم لن نناقش أصناف الأحزاب المتحدة ورميها ب"البلوكاج" السياسي، ولكننا سنتكلم عن سياسة آنية في تدبير شأن تشكيل حكومة لا يشوبها توزيع الوزيعة الانتخابية وكفى الأحزاب شر الاقتتال البلاغي والسجالي.

إن الأخطاء إن صح تعبيرنا التي سقط عبد الإله ابن كيران فيها، حين قفز عن استدعاء الأغلبية السابقة (الحكومة السابقة) والتي كانت ستريحه صداع الرأس ويتجه بها إلى ولاية ثانية مريحة. رغبته في ضم حزب الاستقلال كانت له دواعيه من حيث امتلاك أغلبية بنفس المرجعيات السياسية، فضلا عن ضبط حزب الاستقلال ومحاصرته تحت مظلة حزب العدالة والتنمية وهي العملية كذلك التي ستحد من قوة تحالفات حزب الأصالة والمعاصرة وستسحب البساط من تحت أرجل حركيته السياسية الكامنة. لكن رياح الإبحار جاءت بزلقة لسان الأمين العام لحزب الاستقلال حول موريطانيا، وما أثير حولها من زوبعة مفتعلة مرات عديدة، وسحبها التام من سياق ورود كلامها ضمن محور خاص،  إلى سياق عام بوليميكي، وهي النافذة كذلك التي فتحت هبة غير منتظرة لصالح حزب الأحرار للعب لعبة إبعاد الاستقلال عن مكون الأغلبية، وفتح الباب أمام البحث عن رأس شباط ولو بالتعليق الشكلي.

انتهى الكلام بدون فرملة لسان سياسي محنك، وبدون قراءة للعواقب الآتية بشد الحبل والبحث عن الغالب والمغلوب، وبدون الحصول على تنسيق مسبق على أغلبية صريحة لترأس البرلمان. انتهى الكلام ولم يستطع ابن كيران إحياء مشاورات طبعها بقوة شد الحبل، وكان له المتنفس الفسيح بأشواط إضافية بعد استعجال المصادقة على القانون المرتبط بعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي والقفز عن أولوية تشكيل الحكومة مرحليا.

ممن ستشكل الحكومة القادمة؟ الآن اختلطت الأوراق، ولكن حقيقة صناديق الاقتراع لن تضيع هباء منثورا و الدوس على الديمقراطية إرضاء للخواطر. والحمامة ممكن أن تطير إلى إفريقيا السودان، وسيبقى رئيس الحكومة المعين في انتظار الحل المعقول الذي لا يتنافى مع قوله" انتهى الكلام" إلا باجتهاد يسد الذرائع.

سقط وعد ابن كيران ضم حزب الاستقلال للحكومة، ولم يصم كفارة عن إخلافه لوعد قطعه على نفسه بالوفاء،  وتم تجاوز معادلة تواجد حزب الاستقلال ضمن مكون الأغلبية، وحتى أن الحزب انسحب من قبة البرلمان بدون أي تأثير يذكر على عملية انتخاب رئيس البرلمان. ولكن ما سبب رفض السيد ابن كيران لتوزير حزب الاتحاد الاشتراكي؟ إنه الخوف من تقزيم مساهمة العدالة والتنمية في الحكومة، إنها معادلة الخوف الحسابية من حصة الأسد في عدد نيل مناصب الوزراء والوزارات المغرية. إنها القراءة البعدية من التضامن بين الأحرار، والحركة، والدستوريين،  والاتحاديين من تشكيل أغلبية متنطعة داخل الأغلبية الحكومية. إنه الخوف من تعويم برنامج العدالة والتنمية بالتفريق بين الأحزاب المشكلة للحكومة وتضيع المسؤولية والمحاسبة. إنه الخوف التام من بلقنة لا تخدم أجندة حزب العدالة والتنمية الاستشرافية.

نيل الاتحاد الاشتراكي لرئاسة البرلمان ما هو إلا نتاج رسالة موجهة بالتمام والمقصد إلى ابن كيران، رسالة أساسها أن مجموعة من الأحزاب كفيلة بتشكيل أغلبية مضادة ، شفرتها القوية تحمل مسؤوليتك بالرد المتسرع" انتهى الكلام". رسالة تخلط الأوراق وتعيد تشكيل عجنة الأغلبية وفق ظرفية ما تبقى من الرخصة المتبقية عند ابن كيران كمقصد للمصلحة المرسلة التي يجب أن تحقق نوعا من المرونة والتكيف مع المستجدات السياسية.

اليوم كيف يمكن أن تتشكل الحكومة القادمة؟ يمكن أن تتشكل برغبة توافقية بين مكونات الفعل السياسي الراغب في نيل كعكعة الحكم والاستوزار، تتشكل بضمان انخراط الاتحاد الاشتراكي ضمن مكونات الأغلبية ولو بحقيبة وزارة دولة بدون اختصاص، وهو الطرح الذي ندفع به كمقترح إلى الفضلاء السياسيين لإخراج الحكومة من عنق زجاجة البلوكاج.

الخوف من المستقبل القادم /الآتي لحكومة طال أمد مشاوراتها ، الخوف من أن لا تتم تلك الحكومة ولايتها بالكمال التام والتوجه إلى صناديق الاقتراع في نصف ولايتها، الخوف من استنساخ أغلبيتها لأكثر من مرة ، الخوف من تفريغ اختيارات الناخبين في حل وسطي والدفع بتكوين حكومة توافقية.