ذ محسن الأكرمين

انسحب كل عاشق ومحب للفريق الوطني من مقعده بالمقاهى الممتدة عبر أحياء كل مدينة، وهو شبه راض على عطاء لاعبي المنتخب. انسحاب هادئ لم تسمع معه منبهات السيارات، ولا شغب صياح طفولي ، ولا نقل بالمباشر للاحتفالات العفوية في المواقع الاجتماعية. انهزام الذبحة الواقفة هو ما أصاب فريقنا الوطني، وفرحة المغاربة لم يكتب لها الاكتمال بالوصول إلى المربع الذهبي .
 
صديقي يقول أن الحظ يعاكسنا عكسا بالمغرب فلا نتائج ربحية في الكرة، ولا حكومة جديدة تبدد تخوفاتنا من ذبح السياسة. ابتسمت لمقارنته على وجه مفارقة التباعد بين السياسة والكرة، ولم يكن جوابي له إلا أن السياسة والكرة تشتركان في فعل "لعب" واللعب دائما يكون بين الصغار، و كم من كبير نوى الصيام مع (الدراري) الصغار فأصبح فاطرا صباحا.
 
نعم فطورنا يوم الصيام بين في قرارات أحزابنا السياسية، في أننا نبني المطبات بيننا، فطورنا أننا نشتغل على مفهوم( البلوكاج) أكثر من الاشتغال لأجل الوطن والمواطن، نشتغل على الخواض حتى يتسنى لنا اتهام الآخر بالتقصير والعوز عن أداء مهامه، وننزع عنه المسؤولية التكليفية، ونكسب ذواتنا البراءة التمويهية التامة من دم يوسف.
 
لم يعلق صديقي عن كلامي، ولكنه نظر إلى السماء وتكمش في ملابسه من شدة البرد، وظلام المحيط، والأفق القادم من الشارع الأطول الذي يضيق بمنتهاه.
 
منذ الزمن البعيد والشعب لم يفرح، ولم يلعب في منبهات السيارات بالضغط، ولم يخرج إلى الشارع جماعات بدون ترخيص أولي من وزارة الداخلية، كانت الفرصة مواتية لقتالية فريقنا الوطني الكروية في فرحة تزيح عنا هم الزيادات، وغلاء قفة المعيشة. فرحة تجتمع فيها الروح الوطنية وحب الوطن وتنسينا خصاماتنا السياسية ، ونكسة تكوين حكومتها الفطيرة. فرحة تلحظ فيها الجرار يعانق المصباح، والوردة تقبل الكتاب... والجماعة تشد على لحيتها بالابتسامة البطيئة.
 
فبعد صمت صديقي، التف نحوي وخاطبي ، سنفرح جميعا عند تكوين حكومة ابن كبران وسيخرج المغاربة جماعات وفرادى بهتافات الحمد لله الذي فرج علينا عسر ولادة وزراء، و إخراج الحكومة من قمقم المصباح السحري لعلاء الدين، قوله أضحكني وذكرني برسوم السندباد البحري، وأن عفريت مصباح علاء الدين له فقط ثلاث أمنيات، فيما نحن بالمغرب دخلنا إلى الأمنية الرابعة . لكني في قرار نفسي حزين ، لما حزني وسكوتي عن الجواب، لأن السياسية لم توحد المغاربة قط إلا في لحظات قليلة من التاريخ المغربي، لحظة نيل الاستقلال وفي المسيرة الخضراء، واختلف القوم فيما بعد، لأن السياسة لم تضمنا بالشمل والتضامن إلا لحظة وفاة الملك الراحل الحسن الثاني ، واصطفاف الشعب قاطبة لمبايعة الملك محمد السادس.
 
هي ذي ذكرياتي مع السياسة التي توحدنا فيها قاطبة، فيما عدا ذلك فالقطيعة والسباب تحت الحزام بين الأحزاب و كوادرها الكبار زاد واشتد في زمن امتلاك كل حزب لسانا (شعبويا/ بتخيص اللفظ) سليطا. الآن، أصبحت التعبئة مضاعفة في اقترابنا من أربعة أشهر لوعد إنشاء حكومة، يمكن أن تنتهي صلاحيتها عند الشعب قبل البداية والصورة الجماعية، إذا ما أحس الشعب منها التوافق الكرهي، واقتسام الحصيص عندي عندك" وكل واحد يلعب في باب داره".
 
أما الشعب فلن يخرج في فرحة لمن رفع الدعم عن المواد الأساسية، وقضى على صندوق المقاصة مرة بالمقايسة، وانتهاء بتحرير الأثمنة والسوق، لن يصفق حتى، لما تركته حكومته الماضية (والتي تستنسخ نفسها الآن) عرضة لشركات المحروقات تحرق جيبه كل شهر بالزيادات الصاروخية، لن يخرج لمن زاد في سنوات العمل وقلص نسبة الاسترجاع من صندوق التقاعد، لن يخرج لمن حصل على (14مليون) والبرلمان كان في عطالة قانونية، ولم يفعل في حقه الأجر مقابل العمل.
 
الشعب (راه) أصابه العياء ، الشعب مكمدها في نفسه وساكت، الشعب حتى صناديق الانتخابات ما انفك لا يتوجه إليها. الشعب مطالبه بسيطة كرامة اجتماعية/ عدالة/ حرية ، لكنها أصبحت الآن ككومة الثلج تزداد حجما يوما بعد يوم، فما البديل عن الفرحة؟.
 
لكرة تمثيلية المغرب الدولية بسمة، وقلق بيننا، ولا نتفرق شيعا فيها، فالفوز يوحدنا، والخسارة توحدنا كذلك بالبكاء على أطلال الماضي وعوائد الكأس القديمة الوحيدة، فيما السياسة فقد قتلت كل حماس فينا عندما كانت تغير إرادة الشعب، عندما يكون ممثلونا واجهة كاشفة للديمقراطية المزورة، حين ابتكر حاليا سياسة أخرى هي (البوكاج) ووقوف البيضة بدون تفقيس.