محسن الأكرمين

إلى كل أرواح الهجرة عبر البحر... توقيع  روح حياة....

يا أمي حين افتقدت كرامة العيش في موطني ركبت البحر هربا رغم فزعي من مستقبل ضفة الشمال ، وقلت (الفرار في نفسي أم الردى ؟)، فكان خيرهما مر على نهاية حياة حياة . يا أمي لم أهرب من جذور موطني طوعا ، لم أهرب من طيبة ناس حيي وشعب بلدي ، لكني هربت من قسوة عيش بلادي ، من أزمة فساد هلكت العباد و المكان. يا أمي في تلك الليلة صليت جمعا غروب شمس وعشاء ، في تلك الليل نلت ضعف دموعك أمي بوداع فراق متكامل ... بكيت ...بكيت عند خروجي من حضنك أمي... كنت أحس أن أمرا ما سيقع !!!.

يا أمي لا تبك حياة فالموت شدها قنصا في موضع برزخ بحر لا يلتقيان ، لا تبك حياة الثدي و الرحم، وابك أبناء الوطن من مثلي حين يفر الشعب كله كمن يفر من الجحيم . حين ارتجلت مركب الهروب النهائي يمنة شاهدت الملائكة ترفرف سماء بالأبيض الفاتح، أحسست بها تناديني باسمي (حياة...حياة ) تعالي... لا تخافي هنا عدل سماوي ، هنا جنة خلد المساواة ... ، أحسست حينها أنها تستقبلني فرحا بابتسامة مريحة وخدمة سماوية.

يا أمي كانت امالي تتسع كل الحياة فرحا و بكاء، كان اسم حياة مثل كل شباب المغرب يريد حياة، لكن حياة الكرامة والعدالة الاجتماعية .

يا أمي أنا مواطنة صالحة لم أصلح لبلدي حين همشت بطالة و ركنت جانبا، فقررت الهجرة ابتعادا وأنا أحمل عطر موطني و كل الألم المتبقي ، كنت أمي أبحث عن فضاء أوسع من ضيق حياة معيشة الوطن الضنكا، كنت أبتغي الحرية بنسائم صبح شعاع أرض شمال (بلاد الجن و الملائكة) ، كنت وحيدة في سفينة الهروب جالسة القرفصاء، حائرة التفكير في زورق نوح نجاة حياة ، كنت أفكر يا أمي في نقلك نحو رفاهية العيش وإخراجك من مذلة تحت السلم ، كنت أريد مغادرة الوطن بدمعة حزن متصلبة على خدي بالدوام الزمني ، هو الحل الأخير الذي ركبته أمي إيمانا مني في رد جزء من جميلك ببضع دراهم حياة تفرحك أمي..أمي ... .

أمي، لا تبك أمي فحين أحسست بألم الموت ودمي يسيح جريانا في ماء بحر مياهنا الوطنية ، تذكرت زياد في عبوره المضيق ، تذكرت أن موت حياة في البحر، سبقه موت كل امال حياة في موطننا الأصلي.

لا تبك يا أمي، وضميني صدرا قبل دفني ترابا فأنا ( أحن إلى قهوتك أمي... وخبزك أمي.. أمي...أمي ) ، ضميني صدرا أمي وقبلي جبيني . جبين من غدر به الوطن وألقى به يما بالقتل المفزع (وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً .عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ ...).

لا تبك أمي ، ولتزغرد كل نساء حينا عاليا ، أحب سماعهم وأنا أمشي في نعشي... مرتفعة الهامة . اليوم يا أمي، يوم عرسي وأحب زفاف الخروج علوا بالثوب الأبيض وهتاف شباب حينا عاليا ... اليوم يا أمي، فلتنشد النسوة نشيدي المفضل (زغردي يا أمي يا أم الثوار... بلادي حبلى بالأحرار... زغردي فالفجر دم ونار... زغردي تسمعك كل الأطيار... إفرحي يا أمي فأنا أمشي نحو الشمس بالإصرار.. بالإصرار...صوتي جميل وشعبي أنبأني بأكبر انتصار.. بأكبر انتصار...)

تبكي الأم بزغردة مدوية، وهي تحضن ثوب كفن ابنتها حياة ، وتصيح (ضاعت حياة، حياة يا وطنا يحن كل سكانه ركوب الهروب...).