حنان الشاد 

منذ وقت طويل لم أكتب تدوينة بعمودي الخاص هاهنا، ليس لشيء وإنما فقط لأن حبر قلمي أبى أن ينسكب على اوراق مذكرتي ليفصح عن حقائق عدة توالت وتعددت بأشكالها، بل إن أناملي استعصت على حمله من شدة الخيبة والألم لما تعرفه بلادي من مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية أيضا، وكأن الكرة الأرضية تدور بانتظام إلا على بلدي الذي اشعر أنه يتخبط في ظلمة العشوائية واللا استقرار...
 
من بين الظواهر التي تؤرق الضمير وتقلب الأجواء بكل ركن ببلدي، ظاهرة الهجرة السرية أو "الحريك"، هذه الأخيرة التي عرفت مؤخرا ارتفاعا كبيرا فاق ارتفاع نسب أسهم البورصة العالمية، وكأنها مقامرة بأرواح بريئة منها أطفال ونساء لا ذنب لهم سوى أنهم مواطنون بؤساء تمكن الفقر منهم ليصبحوا بلا قلب ولا خوف من مواجهة بحر مرعب يحمل في أعماقه أقدار مخيفة ومجهولة، في سبيل البحث عن العيش الكريم ببلد غريب غير بلدهم، حيث لا مكان للوسطية، إما برجوازية تلمع أضواؤها في الأعالي، وإما بؤس مطمور في الحضيض، أما المتوسطون فهم أغلبية من موظفين ينتظرون ذاك الراتب الهزيل مقابل ارتفاع أسعار خلفتها سياسات حكومية ذات بعد ذاتي مصلحاتي، ضاربة عرض الحائط الأسس الكونية لبناء مجتمع سليم ومتوازن تتحقق فيه الشروط الضرورية للعيش، المتمثلة في تطبيب في المستوى وتعليم يخدم الشأن العام وفق التطورات العالمية، وعدالة أمنية بالدرجة الأولى، كل هذا يستوجب أسس حكاماتية ناجعة من طرف ذوي الإختصاص ( الشخص المناسب في المكان المناسب)..
 
لكن للاسف رغم كل المحاولات من أجل الإصلاح، والاتفاقيات الدولية الهامة والتوجيهات السامية لصاحب الجلالة نصره الله، فإن عجلة الإصلاح والتقدم تراكم عليها الصدأ ولا تلبث تتحرك إلا في اتجاه مصلحة البعض من ذوي الامتيازات الكبيرة والكثيرة في إطار القيام بالمهام، هذا وأن هذه الفئة بالضبط تتشكل منها لوبيات خاصة بالحريك، تحرك العصا السحرية عن بعد لتجمع أموال طائلة ابتداءا من 10000 درهم حتى 40000 درهم من اجل الرحيل نحو المجهول، وكأنهم يتقاضون ثمن ازهاق الارواح بكل دم بارد ليرثوا الأرض وما عليها ..ناهيك عن القانون الذي يستبيح الأرواح البريئة بحجة ردع الظاهرة والحد منها.. آخرها حدث قتل أشخاص بالفنيدق من بينهم فتاة بمقتبل العمر "حياة" التي رحلت عن هذه الحياة وبعينيها كان الأمل في العبور نحو الخلاص، خلاصها وخلاص أسرتها "الدرويشة"، فانتهى بها الأمر رحمها الله حورية اقتنصتها رصاصات عدو من بلدها الذي ترعرعت فوق ترابه وارتوت من مياه أمطار سمائه، ناهيك عمن سبقوها من أبرياء لم يعلم لهم واجهة ولا مستقر سوى العلي القدير، ليومنا هذا لازالت أسرهم تتذوق مرارة الاختفاء والبحث عن الجثة لإكرامها بالدفن، ولو عظمة صغيرة فقط قد تطفئ حرقة الحيرة والخوف من المجهول.. هذه حال بلادي الآن، أأسف عليها، لكن يبقى الأمل في الاستيقاظ من هذا الكابوس أمرا أتمناه كل لحظة، عل الأجيال القادمة تأتي لتجد حالا غير الحال..