لحسن امقران
 
في كل مرّة يحاول فيها البعض من "رجالات السياسة" الخوض في قضية الأمازيغية بلبوس الحنكة والحكمة والعلم، تخونه النوايا والخلفيات وتسقط عنه ورقة التوت لتكشف مدى جهله بحقيقة مرجعية الحركة الأمازيغية ومبادئها، وعجزه عن مسايرة المكتسبات التي تحققت بفضل نضالات عقود طويلة من الزمن، ويظهر حنينا مرضيا إلى سياقات سياسية تنتصر للحجر والقسر والتعسف.
 
سياق كلامنا ما ورد في مقال للسيد المصطفى المريزق، حيث تكبد أستاذنا عناء إعداد نص لا يعكس مستوى مواطن له طموحات سياسية ويسعى إلى بلورة مشروع مجتمعي قد ينتهي بتأسيس "حزب سياسي" ، وقبل ذلك يشتغل أستاذا متخصصا في علم الاجتماع يفترض فيه أن ينظر إلى القضية الأمازيغية بعين العلمية والموضوعية، بدل اجترار الأسطوانات المألوفة وتكريس المغالطات.
 
سنبدأ بنقطة نظام كبيرة نلفت فيها انتباه الأستاذ إلى أن النقاش العام حول القضية الأمازيغية لم يكن غائبا بتاتا، بل يعود إلى عقود طويلة، ويكفي الرجوع إلى كم المقالات والمؤلفات والمحاضرات والنقاشات في مختلف وسائل الإعلام العمومية والخاصة لدحض ادعاء السيد "المريزق"، وإلا زعمنا أن الأستاذ ومن فرط تجاهله لهذا النقاش وانخراطه المتأخر فيه، يعتقد خطأ أن بصدد فتح مبين.
 
ننتقل إلى تأطير القضية الأمازيغية من زاوية هوياتية، ولا شك أن محددات الهوية تختلف عبر الزمان والمكان، غير أن هناك تحديد يقترب من الإجماع وهو الانتصار للثابت في الهوية على حساب المتغير. وهنا، يفترض أن يكون الأستاذ على علم بأن أدبيات الحركة الأمازيغية –وهي مكتوبة موثقة- عندما تتحدث عن الهوية الأمازيغية لشمال أفريقيا فإنها تغلّب هوية الأرض (وهي المعطى الثابت) على الانتماءات الأخرى خصوصا اللغة والإثنية والعقيدة واللون (وهي طبعا معطيات متغيرة). القول أن الخطاب الأمازيغي خطاب "عرقي" أو "قومي" يحتمل أمران لا ثالث لهما، إما التحامل المتعمّد بنيّة التجنّي، أو الجهل المقدّس بخلفية التعالي.
 
يتحدث الأستاذ عن مقابلة أفكار النشطاء مع الواقع وكأن هؤلاء النشطاء يهيمون في الأحلام عندما ينادون بإنصاف الأمازيغية لغة، تاريخا و وهوية ؟؟ أليست اللغة الأمازيغية لغة المغاربة التي يفترض أن تستفيد من نفس الإمكانيات التي ترصد ونفس حظوظ التطوير التي تمنح للغة العربية؟؟ أليس الأمازيغ العمود الفقري للتاريخ المغربي الذي يمتد إلى ألفيات عدة والذي يسعى البعض إلى حصره في إثني عشرة قرنا؟؟ أليست الأرض المغربية أرضا أمازيغية بشهادة الأركيولوجيا والأنتروبولوجيا والطوبونيميا وغيرها؟؟.
 
نظن جازمين أن من يجب أن يقابلوا أفكارهم مع الواقع هم من يحلمون ب"المحيط إلى الخليج" ويتغنون ب "وين وين"، هم من يتنكرون لتاريخهم وكينونتهم، من الذين أعمى الولاء السياسي لحزب البعث - ومن على شاكلته الإقصائية الاجتثاثية- بصيرتهم فاستسلموا للمنفعة الدسمة والإكراميات السخيّة التي كانت تقدم بمسميات أخرى.
 
الأستاذ "المريزق" لا يؤمن بعدالة المطلب الأمازيغي وهذا شأنه الذي لا يعنينا في شيء، لكن اعتقاده بضرورة زرع الشكوك في المؤمنين بعدالة هذا المطلب يجعلنا نقول أن زرع الشك لا يرهب الأمازيغية لأنها حصن حصين أمام شكوك نعرف أساسها وخلفيتها، ويحق لنا – بالمقابل- أن نزرع الشك في المشروع السياسي للأستاذ والذي لم يغفل فيه الأمازيغية قصد الاستغلال السياسوي طبعا وحقيقة مساعيه وهو الذي يتلون سياسيا الحرباء.
 
"السوسيولوجي المتمكن" لم يخرج عن الدائرة الشعبوية عندما يزعم أن النضال من أجل الأمازيغية بنبني على المزايدات والتنابز والشعارات وإصدار المواقف، ويتناسى أن الأمازيغية صخرة تتحطم عليها كل المصالح والمزايدات، فليست تنهل من أطروحة فكرية تأحيدية أو خريجة دهاليز رسمية، بل إلتزام مجتمعي لأبناء هذا الوطن ومشروع يستفيد مما انتهت إليه العلوم الانسانية بمختلف مشاربها يقفز على كل الخطوط الحمراء. وبالمناسبة نلفت انتباه الأستاذ إلى الحركة الأمازيغية حبلى بكفاءات متخصصة من خريجي كبريات الجامعات الدولية في مختلف العلوم الإنسانية، ولو سمح المجال لسردناهم بالاسم حتى يتأكد الأستاذ أن للحركة نباريسها (جمع نبراس)، وإن كانت تفتخر بحقوقييها وفنانيها وأدبائها الذين يساهمون في نفض الغبار عن القضية الأمازيغية.
 
في الختام، نؤكد على أننا مع النقاش الهادئ حول الأمازيغية، لكن ليس بمنطق ممارسة الأستاذية وتقديم المغالطات مغلفة بالمفاهيم النظرية على أنها مسلمات، ونزعم إلى أن الأمازيغية في حاجة إلى فهم هادئ يتمرد على رواسب سياقات سياسية وأيديولوجية لم تعد قائمة. ومن جهة أخرى، نتمنى ألا تكون خرجة الأستاذ "مصطفى المريزق" مؤشرا أو ردّا على فشل في توظيف ورقة الأمازيغية في "عقله" السياسي.