ذ/ محسن الأكرمين
 
سنة 2019 تم استقبالها وفق الساعة العثمانية، يعني أن السنة وصلتنا بتقديم زمني مدته ستون دقيقة. كل مظاهر الفرحة تمر بمكناس وفق تباين الآراء بين مؤيد ومعارض للاحتفال (مولد سيدنا عيسى عليه السلام). الليلة بمكناس مرت بهدوء ودون تسجيل أي حادث مدو ينغص فرحة استقبال السنة الجديدة على الساكنة والمدينة.
 
عبر أرجاء المدينة عموما تلحظ حركة غير عادية بين الساكنة، تلحظ أجسادا ندية ورطبة وقد اكتوت بالبرد وهي تعرض مفاتنها المزينة بالأناقة والمساحيق أمام حانات المدينة الجديدة وقبالة الفنادق المصنفة، تلحظ أن الأمن في حركة استباقية و لا يستهين بأي لقطة غير معتادة سواء صغيرة كانت أم كبيرة إلا وقد استشرف حلولا لها وكان حاضرا بها.
 
صدفة جمعتني بصديق لي قبالة مقهى تبيع حلويات (البوناني) بحمرية، لحظة اكتسحت حديثنا عن مظاهر الظلم والحكرة بمكناس امرأة في عقدها الثالث وهي تجر وراءها أبناء لها في عمر التمدرس بخطاب حديث في مهنة التسول قالت، (عاونوني نفرح هاذ الوليدات بالبوناني، راه باغيين يحتفلوا بحلوة مكتوب عليها سنة سعيدة 2019...).
 
بعد أن انصرفت المرأة دون أن تلقى منا جوابا ولا عطفا ماديا، فكر صديقي قليلا وقال، هذه هي مطالب العدالة الاجتماعية، هذه هي تكافؤ الفرص حتى في امتلاك الفرح الزائف وحلوة (البوناني) ، هذه رؤية مدرسة مهنة التسول وتفعيل الكفاءة الاستعطافية لنيل حسنات الناس بتجديد الخطاب و المطالب. حين فكرت في كلامه وجدته أنه على حق، لكني استدرت القول بنصف دائرة، وما كان سيكون دعاء المرأة إن أعطيناها بعضا من الدراهم، هل ستدعو لنا باسم سيدنا عيسى؟، هل ستدعو لنا بلغة موليير؟. ابتسم صديقي المكناسي من الاستفزاز المبالغ فيه وقال ، وما حاجتها أصلا من الاحتفال وهي لا تجد حتى قوت يومها الأساسي وتحرم أطفالها من المدرسة وتغرس فيهم موت أنفة النفس ومد اليد و أكل (مال الصدقة بحلوة البوناني).
 
كم أصبحت مطالبنا تتقلص نحو صناعة فرحة حلوى ونشاط مزيف بموعد قدوم سنة (البوناني) حتى ولو بالتسول. حين كنت أحلل صيغة (شعب المغرب فيق من النعاس) بمعرفة الحقوق، والمطالبة بالعدل والكرامة. اليوم تغيرت رؤيتي من أغنية سعيد المغربي ووجدت أن شعب المغرب يبيت ليلة رأس السنة ( البونانية) بدون نوم (فايق من النعاس)، وأحسست أن مطالبنا باتت تغيب الصحة للجميع ،تغيب السكن الكريم ، تغيب التعليم الجيد، تغيب معادلة الإنصاف في توزيع الثروة، أصبحت مطالبنا الشعبية جد رديئة حلوة (البوناني) ولا مهرجان (الطبل و الغيطة).
 
لن أكون من صنف الذين لا يؤمنون بالاختلاف والتنوع والرأي المضاد، لكني سأكون من شق تلك المرأة التي طلبت توفير حلوى(البوناني) لتفرح الأبناء ليلة رأس السنة. فحين نوفر لها حلوة (البوناني) تحس أنها تساوت مع البورجوازية في فعل تقطيع قطعة حلوى حتى وإن كانت رخيصة الثمن. حينها نحصل على مكون، أن الفرحة بات بمدينة مكناس تأتي من اللهو واللعب والسهر، وليس من العمل الجاد و استثمار الفكر والقيم السليمة.