محسن الأكرمين/ فكرة مقتبسة

في تلك البادية الهامشية من مغرب الفوارق الاجتماعية، يتواجد منزل الحاج امبارك، فرحة أهل الدار كانت شاملة حين تم توصيل الأسلاك الكهربائية إلى المنزل، وتم إشعال أول مصباح غربي سحري الإنارة والتنوير. فرحة الحاج امبارك بوصول (الضوء) إلى الدوار ومنزله بالأساس، قرر لم شمل أسرته على مائدة عشاء شهي.

في تلك الليلة أعدت الأم ما طاب ولذ من الأكل البدوي الحامل لدسامة (المرقة) و كؤوس الشاي بسكر زيادة ، التأم جمع الأسرة حول مائدة الطعام، وقبل البسملة أطل عتروس أسود اللون على بوابة الغرفة المفتوحة على المجال الأوسع للمنزل معلنا بصوته فرحته بالإنارة الواضحة،. حينها أمر الحاج ابنه الأكبر بوجمعة على إخراج العتروس وإقفال الحظيرة عليه لكي لا يعود إلى تكسير فرحة غرفة الأنوار بصياحه المدوي. حين نهض بوجمعة مسرعا نسي أن المصباح الكهربائي كان معلقا فوق رأسه بالقرب، كان ينوي الإسراع بإخراج العتروس والرجوع إلى طاولة الأكل قبل أن يطوف عليها طائف من الأيدي والأفواه المنتظرة إلى صفارة الحكم الحاج امبارك.

سرعة الوقوف أصابت المصباح فأسقطته مكسرا على الأرض، و أمسى السواد يعم الغرفة. حين ساد الظلام والصياح والضحك ، فزع العتروس من موقف ذهاب النور وحلول الظلام ، فتحرك قدما و زاد من صياحه. ارتبك بوجمعة من سوء تدبيره وتكسيره لأول مصباح نور بالمنزل والدوار، حينها أصابت رجله مائدة الطعام ، فتهشمت الصحون وتطاير الأكل علوا وأرضا. لعنة النور والظلام وضياع مائدة الفرحة جعلت من الحاج امبارك يزيد من الصياح وتنبيه بوجمعة بالإسراع في الإمساك بالعتروس.

بوجمعة مسكين أعمته الأنوار التي كانت دخيلة بالجدية عليه، وجعلته كفيف السلوكات والتحرك داخل الغرفة، حينها زهقت رجلاه في دسامة زيوت الأكل فالتوت ألما وخر بوجمعة أرضا ساقطا دون أن يجد توازنا لرجليه. سقوط بوجمعة لم يمر دون أثر ولا ردة فعل حين أصاب الأب الحاج امبارك في بطنه بقوة من رجلة الساقطة، صاح الأب عاليا وألما من قوة ضربة رجل بوجمعة. 

تشتت الجمع الأسري الحائم وراء المائدة دون اتجاه معلوم، حينها بدأ الحاج امبارك يطالب و يصيح وا (ادراري) شدو بوجمعة ربطوه وخليو عليكم العتروس. تحرك كل من في الغرفة للقبض على بوجمعة مول مصيبة إفساد أول أمسية رفقة مصباح التنويرالسحري. لكن بوجمعة لم يتوقف بل فر على يديه ورجليه مقلدا حتى العتروس في إصدار الأصوات.

فر بوجمعة بجلده من الأب الحاج امبارك ومن قيد منع حريته، وحين عاد الهدوء إلى الغرفة واستبدال المصباح المكسر ، وجد الأب أن الأولاد قبضوا على العتروس وقيدوه أرضا، فيما بوجمعة لا أثر له في الغرفة. 

ضحك الحاج امبارك من المشهد فيما الأولاد فقد عملوا على فك قيود العتروس، أما بوجمعة فقد كان يتابع النهاية بقرب الرؤية الضيقة من تواجد الأسرة.

الكل ينادي بوجمعة للحضور إلى الغرفة حين نال الغفران من الأب الكفيل. وحين عاودت الأسرة الالتفاف حول براد شاي، أكد الحاج امبارك أن النور ليس في امتلاك المصباح مهما كان نوعه، بل النور في القلوب المتضامنة، في إسعاد الآخر، في إسكان لغة التغيير أرض الواقع، في الإنصات وتحريك الإنارة نحو الفكر الهش المقيد بالرخص بدل العزائم، والظلمة ليست في حيلة بوجمعة حين قلد مشية العتروس وصوته ونجا بجلده من التكبيل. ضحك الجميع وقبلوا رأس الحاج امبارك.