رغبة في التقاسم والتواصل حول المستجدات التربوية ، أقدم لكم حوارا سبق نشره في جريدة المساء العدد 2856 الثلاثاء 15/12/2015 الصفحة (21) . حوار من إنجاز الصحفي الأستاذ الحسن بنعيادة، فالشكر موصول له وللجريدة، وهو شكر يستمد مرجعيته من انخراط الإعلام المستقل الورقي والاليكتروني في بناء مغرب المواطنة والحق والقانون وبعث دفء الوعي بين عموم المواطنات والمواطنين ... (نص الحوار بتصرف).

 

  1. في نظركم الأستاذ محسن الأكرمين ما هي أسباب وراء تنزيل التدابير ذات الأولوية ؟  و ما هي أسس تفعيلها ؟

نرجع إلى سؤالكم القيم حول أسباب نزول التدابير ذات الاولوية ، وأكد أن تلك الأسباب لم تكن وليد وعي فجائي عفوي بل كانت محصلة منتوج قطاع التربية والتكوين بالمغرب ، محصلة أزمة النتائج المتدنية ، والتي غير ما مرة ترتقي بنا إلى مراتب التصنيفات الأخيرة . فضلا عن تزايد الضغط المتنامي الاجتماعي / الشعبي المسلط تجاه محدودية مخارج المدرسة المغربية العمومية ،ونكوصها  بالتأخر عن اللحاق بمختلف التغيرات والتحولات الاجتماعية والتنموية الوطنية . تشخيص محدودية المنظومة التربوية المغربية يحيلنا الى عدة عوامل أساسها التذبذب البين في تفعيل آليات عملية الإصلاح العام  بالتأجيل، وإن جاز لنا تعميم الحكم بالتعويم ، هو تأجيل بنية مبيتة منذ التوافق الجماعي على دعامات الميثاق الوطني للتربية والتكوين (دستور الإصلاح التربوي والنظام التعليمي بالمغرب "العشرية" ) . الآن الوعي الجماعي الوطني ازداد تماسكا، وأضحى يلح على متم جودة " المنتوج " الذي نرتضيه لخريجي المؤسسات التعليمية المغربية العمومية ، وهو الأمل الجماعي العام الإستشرافي من أفعال تنزيل التدابير ذات الأولوية .

قبل أن نتحدث عن الأهداف الوجيهة للعمليات الإجرائية المسطرة للإصلاح ، وأسس تنزيل التدابير ذات الأولوية  من قبل وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ،لا بد من الاشارة إلى موجهين أساسين : الأول موجه المشاورات الموسعة التي أشرفت عليها وزارة التربية الوطنية حول المدرسة المغربية الجديدة ، فيما الموجه الثاني بسلطة الرؤية الإستراتيجية (2015/2030)  للإصلاح التربوي ، وهو الموجه الذي يركب عرشه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي . الأهداف كثيرة من عملية تنزيل التدابير ذات الأولوية ، لكن في مجملها تروم إلى تجاوز الهدر المدرسي ، مع الرفع المستمر من جودة المر دودية الداخلية والخارجية للمدرسة المغربية العمومية ، وامتلاك آليات التعلمات الأساس (قطب اللغات  /  قطب الرياضيات والعلوم / قطب التنشئة والتَّفَتُّح التربية الإسلامية والاجتماعية والفنية والبدنية).

فيما أسس التفعيل ترتكز على 23 إجراء موزع على 9 محاور، تستمد مرجعيتها الأساسية من البدائل المقترحة ضمن التقارير التركيبية لمجموع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين .

  1. لنعد شيئا ما إلى صيغة بناء المشاورات الموسعة حول المدرسة المغربية الجديدة وبعض الملاحظات المسجلة عنها  ؟

" قفا نبك " هو العنوان السديد للمشاورات الموسعة التي دفعت بها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني حول واقع المدرسة المغربية الجديدة ، وآفاق التطوير الإستشرافي . الكل في حديثه ضمن ورشات المشاورات يعلن التباكي على الوضعية غير السوية التي تجاوزتها عتبات إخفاق التعليم العمومي المغربي بإجماع جماعي ، ومن أعلى سلطة بالمملكة ( الخطب الملكية حول وضعية المنظومة التعليمية ) ..  مشاورات حركت البركة الراقدة من العمق ، واستل الكل خنجره الضارب وشرع في تحليل وتفكيك إشكالات واختلالات منظومة التربية والتكوين المغربية .ثم شرع الجميع في البحث عن المشجب المحتضن لكل الإخفاقات من الفصل الدراسي إلى الوسط المدرسي إلى المحيط  المجالي للمؤسسات التعليمية بشموليته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والمذهبية .

الملاحظة الوجيهة أن كل من شارك في هذه المشاورات الموسعة اقتنى لنفسه صك الغفران من مسؤولية ما آل إليه تعليمنا الوطني .وأطلق العنان بحرية في نقد وتجريح المكونات الأخرى المباشرة أو غير المباشرة بأزمة المدرسة العمومية (وجعل الدولة المشجب الطيع للإخفاق ) . الكل يستمع ويدون الملاحظات بتفان ومسؤولية وكأن الأمر فتح مبين لحصر اختلالات وإشكالات المنظومة التعليمية ، في حين أن جل أسباب إخفاقات وإكراهات المدرسة العمومية معلومة لدينا بتواتر النتائج الهزيلة وطنيا ودوليا. من تم ، ألا يمكن القول أننا نتقن النقد والتجريح بنقشه على الحجر ولا نستطيع تنزيل البدائل برؤية إستراتيجية وطنية واقعية ومتوافق على مؤشراتها ؟ ألا نقر أن نكسة المنظومة التعليمية المغربية  زكيناها جميعا ولو بنية غير مبيتة القصد ، ونشرك فيها بنسب تختلف اتساعا وعمقا ؟.

  1. الآن ، ما هي إذا الأهداف العامة المسطرة من طرف وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني؟

ليكن الهدف العام من المشاورات الموسعة ،هي ترك  الفرصة للمؤتمرين في اللقاءات التشاورية الموسعة حول المدرسة العمومية الحق المكفول في التنفيس عن الذات ولو كان الفعل بالقول المطنب . وهو النجاح الأول لعملية استقطابها لجل تمثيليات شرائح المجتمع المدني والسياسي والاقتصادي والديني . وفي الأخير وصلت المشاورات بعد أن أنهكت بالتقليب النقدي إلى المجتمع المدرسي المحفظ  والمحصن داخل أسوار المدرسة العمومية العليلة.  

فإذا كانت رزمة رصد الإختلالات لم تنفك تنتهي إلا بإرجاع الخنجر إلى غمده وركوب استشراف المستقبل عبر توطين الاقتراحات والتوصيات والبدائل الممكنة ، فإن اشتغال خبراء وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني تم من خلاله إعداد رقعة شطرنج للتدابير ذات الأولوية - (والمؤلفة من 23 إجراء موزعا على 9 محاور)- والتي تكتسي بطبيعة تفكيرنا القبلي صيغة القشة المنقذة من الغرق النهائي/الحتمي  للمنظومة التربوية المغربية .

  1. وما هي القيمة المضافة لاشتغال المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ؟

إنها الضفة الموازية بمفترق العلو والتمثيلية . المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي اشتغل على هندسة بناء الرؤية المستقبلية(2015/ 2030 ) وأعد لنا تقريرا استراتيجيا برافعات  أحادية العدد للتجديد ،و تشكل خارطة الطريق الناجحة لتحقيق التغيير المنشود... وهي تحمل بين طياتها رهانات كبرى في ترسيخ مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص ، ومدرسة الجودة للجميع ، ومدرسة الارتقاء الفردي والجماعي .

وفي الأخير ، تم توحيد مستخلص عصير الوزارة الوصية الرامي إلى إصلاح المدرسة المغربية والرفع من مرد وديتها ،وفواكه الرافعات الإستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ليشمل ثلاث محاور ركيزة أساسية وهي :

الأولى : حصر أھم مكتسبات منظومة التربیة والتكوین السالفة التي ینبغي تعزیزھا وتثمینھا كنقط قوة للمنظومة.

الثانية :  تصنيف الاختلالات التي تعاني منھا منظومة التربیة والتكوین باستحضار المنهاج الافتراضي المعتمد في التقويمات الدولية .

الثالثة :اقتراح البدائل الإستراتيجية والتصورات الكفیلة بإخراج المنظومة من وضعيتها المعيبة .

  1. إذا في رأيكم ما هي الخلاصات العامة المشتركة بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي و وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ؟

انتهى التحليل الاستراتيجي بمعرفة آليات الموازنة بين عناصر القوة والضعف في البيئة المخملية للمنظومة التربوية العمومية . وكيفية توظيف البدائل لتغطية الاختلالات المزمنة ، والتفكير في المخاطر المحتملة (الداخلية والخارجية ) المحدقة بالعمليات الإجرائية للإصلاح . ثم أرجعت كرة الثلج إلى القواعد لتفكيك الشوائب غير المرغوب فيها بالتصويب والتعديل.

كثلة الثلج  فتحت لها ورشات المعالجة والضبط . وهنا نقر جميعا أوليا باستحسان مقصد منهجية الوزارة بإقحام الجميع في عملية الإصلاح التربوي المرتقب عبر اعتماد مقاربة تفاعلية متحركة بأسهم صاعدة ونازلة ، وإعلان انتهاء زمن هبة إنزال الإصلاح القسري عموديا .

لكن لنا تخوفات  وارد بقوة من عملية الإصلاح  والتي ترتكن إلى اعتماد مبدأ ( تجديد وتنقيح وتخفيف البرامج الحالية) ، من هنا نسوثق قولنا بملاحظة أن العملية لا تعدو أن تكون إلا ترميما أي (برامج جزئية "منقحة" ) ،في حين كان مطمحنا الجماعي الأكبر هو تحديث البرامج بما يتلاءم مع حركية التحولات الوطنية والدولية. و نتساءل ، أين هو المطلب المجتمعي في تعديل البرامج وتجديدها ؟ ، أهو بتلميع  النتوءات الحادة للمنظومة أم بتحديث البرامج والمناهج ؟ .

هي تساؤلات وغيرها لرفع غيوم الإبهام عن البعد الاستراتيجي لصلاحية وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني المكلفة دستوريا بإعداد المخططات العملية والبرامج الإجرائية الكفيلة بإصلاح المدرسة العمومية والرفع من جاذبية مرد وديتها .

الوزارة الوصية أرادت إصلاحا تربويا بصفر درهم يصل إلى الفصل الدراسي ويغير نسق بناء التعلمات ،وملمح تلميذ المدرسة العمومية المستقبلي ،ويفتح باب امتلاك الكفايات الأساس ولو بالحد الأدنى لنظام الجودة الوطني .

فلا دفتر تحملات يفتح الباب للتنافس بين المؤلفين ،إنه الإصلاح - (التقشفي )- المنطلق من مدارس التجريب إلى التعميم (المحدود والمطلق ) ثم والإرساء العام . وحتى لا نستبق الأحداث فلا بد من الدفع أولا في إقرار تكوين  مستمر لطاقم المؤسسات - (الإداري والتربوي ) - حول المفاهيم الأساسية الديداكتيكية (الكفايات ) كمقاربة ناظمة للمنهاج . فضلا عن التنصيص واقعا بمعدل المؤشرات العامة المرتقبة من عملية الإصلاح بحدود سنة 2030 .

  1. هل لديكم ملاحظات أولية حول الإصلاح التربوي الذي لا زالت وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر تقره بالتنزيل ضمن المذكرات الوزارية الإطار ؟

نعم أولى الملاحظات الشكلية تم الوقوف عليها بالتمييز التدبيري ،و هي فتح المجال أمام المُدَرِّسين لتطبيق مقاربات ديداكتيكية مختلفة لتنمية الكفايات المستهدفة والمحددة سلفا في المنهاج . إنه الدفع إلى الإبقاء على الطرق البدائية حاضرة بالمؤسسات التعليمية العمومية وبقوة ، انه الحفاظ على حماة الماضي الحكواتي ضمن المنظومة التعليمية بزمن الحداثة الرقمية . فتنمية الكفايات المستهدفة لا يتم باختيارات المدرس الذاتية فقط ، بل لها عدة متطلبات تتحد وتتقاطع بين الوسط المدرسي وبين توفر كل مؤسسة على موارد (بشرية ومادية ) كفيلة بتنمية الكفايات المحددة سلفا في المنهاج والمقررات ، وبين امتلاك المدرسين لآليات النسقية لعملية تيسير التدريس السليمة والحديثة، وبين  معطى أشمل تحديث المؤسسات التعليمية العمومية ... كل هذه الملاحظات ممكن أن تكون معقولة في تنفيذها ، وأخرى كثيرة إن تم استصغار حجم ضررها فلن يقاوم الإصلاح لأكثر من مدة البرنامج الإستعجالي وينهار داخليا أو بقرار سياسي آخر.

وخير القول البديل هو العمل وفق مشروع تربوي للمؤسسات المدرسية العمومية بقيمة دفتر تحملات مصادق عليه سلفا ،ووفق رؤية إستراتيجية إقليمية /جهوية / وطنية . وهذا هو الأمر المغيب في آليات الإصلاح وفق التدابير ذات الأولوية رغم أن الوزارة الوصية أقعد المدارس وأقامتها لإرساء مشاريع تربوية لكل المؤسسات العمومية  وفق الخطة الإستراتيجية الوطنية (المراسلة الوزارية 14/159 بتاريخ 25نونبر2014).

فضمان التمفصل بين مختلف المواد الدراسية في أفق تنظيمها في مجالات وحقول معرفية عوض برامج دراسية مفككة ومواد لا ناظم بينها، لهو الأمر الذي تمت المطالبة به في جل التقارير المرفوعة سلفا من قبل المجالس التعليمية للمؤسسات من قبل . لذا لا بد من تثمين الأمر والدفع به إلى الأمام عبر وضع التعليم الابتدائي تحت مجهر التكامل لخلق حقول معرفية متداخلة ، وتوطين مبدأ التخصص "المدرس المتخصص في القطب التعليمي الواحد " الذي أغفلته الوزارة في محاورها وإجراءاتها المواكبة لتفعيل تدابيرها الإصلاحية .

فيما الملاحظة الثانية هو مسار تحقيق قدر كبير من الملاءمة بين مُكَوّنات المنهاج الوطني في اللغة والعلوم والرياضيات والمنهاج الافتراضي المعتمد في التقويمات الدولية . لذا لا بد من الاعتراف بأن هذا التفكير بادئ ذي بدء ، تفكير في الآخر المتحدي ( الغرب/ عبد الله العروي : الإيديولوجية العربية ) لتعلمينا ومدرستنا العمومية بقوة حصاد منتوجها غير الملائم للتقويمات الدولية . انه التسويق الإصلاحي التربوي للمنظومة التربوية المغربية في أفق ان يتم تموقع ترتيبها ضمن نخبة صفوة الرتب المتقدمة دوليا  .

إنها بعض الملاحظات الأولية التي لا نرتضي منها العدمية وإنما غايتنا أولا الدفع بعملية الإصلاح عبر منهجية لا تركب قطار الاستعجال . فحتى إقرارنا في " الإعداد الميداني لتطبيق رؤيا 2015-2030" فهو أمر غير محسوب بالدقة المتناهية ،لان أضعف مدة للتجريب المتأني تستغرق ثلاث سنوات بالاستهلاك الزمني قبل الإرساء والتجريب .

فالمنتوج الأولي يمكن تقييم جودته عند متم مخارج السنة الجامعية ما بعد 2033  .ولكن الأهم عندنا هو تحديث المناهج بما يضمن الملاءمة التامة بين التحولات التنموية الوطنية والعالمية. ولما لا نقول بضمان مواكبة المدرسة لكل التغيرات السريعة  الوطنية والكونية ، والدفع بالوسط الاجتماعي إلى الانفتاح التام على منافذ التعليم العمومي بجعل المؤسسة بقلب المجتمع .

  1. وزارة التربية الوطنية اعتمدت  في رصد الإختلالات  الملحة في المنظومة التربوية  بإشراك كل الفاعلين في الحقل التربوي من خلال  المشاورات  ، و قد شرعت في تنزيل التدابير ذات الأولوية في مستهل الموسم الدراسي  2015/2016 هل في نظركم  يمكن ان نتوقع الحصول على  نتائج  إيجابية في غياب المعالجة الشمولية  و النقص في  الموارد البشرية  غياب سائل لوجيستسكية ناجعة ؟

لا ننكر أهمية المقاربة التفاعلية التي انتهجتها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني باعتمادها مبدأ إشراك كل الفاعلين في الحقل التربوي من خلال مشاروات موسعة مفتوحة ، لكننا ننكر على الوزارة أنها تعرف أهم شرفات إخفاق المدرسة المغربية  بتمامها من حيث البنية التحتية المتهالكة داخل المدن ، وشيخوخة مواردها البشرية ،فما قولنا يكون بمنتهى المغرب العميق ؟ ، إلى الاكتظاظ  الذي حدته برزت كاختلالات في بنيات التنظيمات التربوية بالمؤسسات المدرسية  ، إلى التكوينات المستمرة الممنوعة بقرار وزاري سابق ،  إلى وضعية الكفاف لمحيط المؤسسات العمومية الاجتماعي والاقتصادي دون أية مقاربة إنمائية شمولية ،  إلى سهم علو العنف المزدوج بداخل المؤسسات التعليمية ومحيطها ...

لكن السؤال الذي يدفع بنفسه إلى الأمام ، ما هي غايات الوزارة الوصية من فتح باب مشاوراتها الموسع ؟ سؤال مكره يقل بتحليل تمفصلاته المرجعية ، فالوزارة الوصية راهنت أولا على سد الفجوة العميقة التي خلفها القرار السياسي بتوقيف العمل بمشاريع البرنامج الاستعجالي ، ثم ثانيا حاولت أن تتعامل بالندية مع اشتغال المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي .

لنعد إلي الشق الثاني من السؤال حول تنزيل التدابير ذات الأولوية في مستهل الموسم الدراسي  2015/2016 هل في نظركم  يمكن أن نتوقع الحصول على  نتائج  إيجابية ؟ التفكير العقلاني يدفع بنا إلى التنطع من حصر الاختلالات والاخفاقات وتحميل المسؤولية بسبق الإصرار بالمدرسة المغربية ، وجعلها المتهم الوحيد والأساسي ، ونلقي بها في قفص التجريح ، في حين التحليل السليم والمستقيم هو تفكيك روابط إشكالات واختلالات منظومة التربية والتكوين بميزة مسؤولية الجميع من الفصل الدراسي ، إلى الوسط المدرسي ، إلى الأسرة ، إلى المحيط  المجالي للمؤسسات التعليمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية .

اليوم وليس غدا، نعلن رفضنا لأحادية المعالجة برؤية تخصيص الاختلالات بالمنظومة التربوية فقط ، لأن الإشكالية ليست بتوجيه أصبع الإشارة إلى المدرسة العمومية باللوم والتحقير الاستخفافي ، بل الإشكالية العلاجية تستوجب مقاربة شمولية تستحضر الوسط الاجتماعي والاقتصادي داخل المؤسسة المدرسية ، وتؤسس لمقولة الجودة أولا ، بدءا من البنية المادية والبشرية للمؤسسات المدرسية .  لأن زمن " سلاك " و" قدي بلي كاين " انتهى أمره مع مؤشرات الحجم الكبير المضمنة ضمن الرؤية الإستراتيجية 2015/ 2030 . إنها هندسة دوائر الإصلاح كرافعات أساسية تعم كل المجالات بالقرب من المدرسة العمومية ، أو بالبعد عنها ولو في مركز القرار. وخلاصة القول أن أي إصلاح للمناهج التربوية يرتبط بنيويا ووظيفيا بباقي الإصلاحات المجتمعية (سياسية/ مجتمع/ اقتصاد/ ثقافية و فن ...).

  1. هل ترون أن تنظيم المجلس الاعلى للتربية و التكوين المهني و البحث العلمي للقاءات الجهوية حول الرؤية الإستراتيجية للإصلاح التربوي  كافية للدفع بعجلة الإصلاح  ، ثم ما هي الأهداف المسطرة لبلوغ ذالك؟

أولى الملاحظات التي أدفع بها إلى الأمام كحكم قيمة ، كنت أحلم يوما بمجلس أعلى للتربية والتكوين المهني و البحث العلمي ليس هبة ممنوحة للرعية بالتعيين والريع الاختياري ، وإنما كنت أتصور مجلسا مسؤولا أمام الشعب والبرلمان للمساءلة والمحاسبة . مجلسا يتم انتخابه من طرف الهيئات التعليمة الوطنية وغيرها من المكونات الاجتماعية . أما الآن فإني أنظر إليه من زاوية منغلقة وهي الديمقراطية المغربية بوجه التوافق السائد بمصلحة ادفع بالتي هي أحسن ، وتضمين المجلس بالمتوافقين الطيعين باختلاف فصائلهم الإيديولوجية والمذهبية .

كنت أرتجي مجلسا حكما عادلا يحترم تطلعات المواطن المغربي نحو المدرسة الوطنية العمومية الاستشرافية بجودتها وتميزها ، مجلسا يعمل على حفظ كرامة المتعلم ليس بتوفير مقعد خشبي له بالمدرسة – " لأن الأمر مسلمة دستورية " – . لا علينا فبعد سنة من لقاءات الحوار الجهوي ،عاد مرة ثانية المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إلى تنظيم لقاءات جهوية ثانية حول " الرؤية الإستراتيجية للإصلاح التربوي وسبل التفعيل " . أجندة اللقاءات تمتد من شهر نونبر إلى غاية منتصف دجنبر 2015. وقد ارتكزت الأهداف الرئيسية لهذه اللقاءات الجهوية حول خمسة قضايا :

1 – ترسيخ المقاربة التشاركية من خلال إطلاع شركاء المنظومة على مضامين الرؤية الإستراتيجية للإصلاح .

2- تمكين المشاركين من التعرف على مشاريع وتدبير تطبيق الرؤية الإستراتيجية للإصلاح .

3- ضمان الانسجام بين الخيارات التي جاءت بها الرؤية ،وبين مشاريع تطبيقها مع توفير الشروط اللازمة لتحقيق التغيير المنشود على النحو الأمثل ،وفي المدى الزمني المحدد له .

4- التعبئة العامة للجماعات الترابية في إطار الجهوية المتقدمة (الهيكلة الجديدة ) على بذل مجهود نوعي في تفعيل أوراش الإصلاح .

5- التعبئة الواسعة المجتمعية حول التنفيذ الناجع لخيارات الإصلاح  وأوراشه وأهدافه .

الأهم الذي لا يجب القفز عليه، أن تلك اللقاءات الجهوية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي  نقلتنا من مطلع " قفا نبك " والتباكي على مكونات المنظومة التربوية المغربية  إلى رؤية زاوية مفتوحة على البدائل وسبل التنزيل والاقتراحات الوفية للهندسة الشمولية للإصلاح ، من حيث نقل الرؤية الإستراتيجية (2015-2030) إلى قانون إطار منظم  ينقلها إلى الإلزامية (القانونية ) ذات المرجعية التعاقدية بالوفاء بتحقيق المؤشرات في المدى الزمني المحدد لها ، وهو الأمر الذي افتقدناه عند الاشتغال بدعامات الميثاق الوطني للتربية والتكوين .

 

9 . هل هناك توافق يلازم بين رؤية المجلس الأعلى للتربية والتكوين وبين التدابير ذات الأولوية للسلطة التنفيذية ؟

 

الآن ، وبوجود المجلس الأعلى للتربية والتكوين ودوره التنظيري المستقبلي (الاستشرافي ) لقطاع التربية والتكوين ، يحق لنا أن  نتساءل عن حجم أدوار الوزارة الوصية رغم إنجازها لاستشاراتها الموسعة حول المدرسة المغربية الجديدة ، هل سيتم تقليم أظافرها في مجال إصلاح القطاع ؟  وهذا ما وقفنا عليه من عتاب ولوم (تقريع ) بالمباشر من البرلمان حين استهدف رئيس الحكومة وزيره في التعليم بترك الأمور الكبرى (الهندسة اللغوية ) لذوي الاختصاص  . وهل ستصبح الوزارة تحمل العصا الإصلاحية السحرية للمجلس بالإلزام والكره ؟ وهل ستفقد وزارة التربية الوطنية لبريقها المركزي/ الإصلاحي تجاه  تفويض اختصاصاتها للمجلس الأعلى للتربية والتكوين ؟ .

فيما الملاحظة الثانية التي لا يمكن تجاوزها هو التدافع الخفي الذي يلوح بين مرجعية الرؤية الإستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ، وبين التدابير ذات الأولوية المشكلة أساسا من المشاورات التي دفعت بها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني سابقا . وحتى إن كان الأمرشكليا وجزئيا في مرجعيات وسياق الإصلاح ، فإنه يستحق الذكر على أساس البحث عن أفق التعاون والتنسيق من أجل تطبيق ناجع للرؤية الإستراتيجية . هذا  التعاون الذي ينبغي أن يتعزز بانخراط الجميع كل من موقعه في سيرورة تطبيق رؤية الإصلاح في افق سنة 2030  .

  1. كيف يمكن النظر إلى الطموح العام لإصلاح المنظومة التربوية للمدرسة العمومية ؟

نعم طموح " الرؤية الإستراتيجية للإصلاح وسبل التفعيل التدابير ذات الاولوية " لن يغني المتتبع من المساءلة عن الموارد المالية الكافية لتفعيل الإصلاح ، لن يسكت كل المعنيين بالشأن التربوي والمدرسة العمومية من الإشارة إلى الدعوة الملكية الصريحة من تجاوز إصلاح الإصلاح إلى ما لا نهاية له . إنها الإشارات القوية التي يجب أن  تلتقطها الوزارة الوصية لتنفيذ" الرؤية الإستراتيجية للإصلاح " بتدابيرها ومحاورها (2015- 2030)  الشمولية لا الانتقائية .

الآن الفرصة تاريخية ومواتية ،ومن غير المقبول تفويتها ، هي الخلاصة التي تلتقي فيها الرؤية الإستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين المهني  والتدابير ذات الأولوية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ، فيما يبقي التخوف قائما من عملية شيخوخة الرؤية الإستراتيجية للإصلاح وهي في طريق التفعيل قبل بلوغها سن الرشد بمتم موسم 2030 . هذا التخوف نابع من عدم مواكبتها بالإمكانات المادية والبشرية ، والتدابير التوافقية اللازمة لتصريف محاورها .

  1. آخر سؤال عن أمالكم الاستشرافية من قضية الإصلاح التربوي للمنظومة التعليمية ؟

إنه واجب الانخراط الوطني لجميع المكونات ، مادامت قضية التعليم تحتل المرتبة الثاني بعد قضية الوحدة الوطنية . انه النزوع نحو فعل التعاقد والتدبير بالنتائج ، انه التفويض المعقلن لأطر الإدارة التربوية بحرية التقرير واتخاذ القرارات الايجابية ،انه التعاون والتنسيق والتواصل وتداول المعلومات وخدمة الجوانب المستعرضة بالتشبيك ، عبر خلق الإطار القانوني لجماعات الممارسات المهنية .

لا ننكر أننا ضيعنا على أجيال فرص الرقي الاجتماعي والتنموي بالمغرب الحديث ، لا ننكر بان الأجيال القادمة ستحاسبنا إن أخفقنا بتنزيل الإصلاح وأمسينا نبحث غير ما مرة لإصلاح الإصلاح، مما لا نهاية له .

مرة ثانية الشكر لك سيدي المحاور(الصحفي القدير الحسن بنعيادة  )  على رحابة صدرك وتفاعلك الموضوعي مع القطاع التعليمي الوطني العمومي . الشكر من خلالكم موصول إلى كل القيمين على جريدة المساء، والى كافة القراء الأوفياء بربوع الوطن . تحياتي لكم جميعا .

المساء التربوي العدد 2856 الثلاثاء 15/12/2015 الصفحة (21)