بقلم حنان الشاد

خلق الله تعالى سيدنا آدم عليه السلام من تراب، وجعله ينام ليخلق من ضلعه حواء بدل أن يكون مستيقظا حتى لا يشعر بالألم فيكرهها، من ضلع أعوج في تركيبته وخلقه ، جعله الله تعالى كذلك ليحمي القلب من الاصطدامات والكدمات، وليس في مفهومه المحدود كما يفسره بعض محدودي التفكير والاجتهاد،على ان المرأة "ضلعة عوجة" أو أنها ناقصة عقل ودين ويتخذون المفاهيم الخاطئة للأمور كحجة قوية للتحقير من المرأة وتعميم الصورة الدونية لها بمجتمعاتنا العربية والاسلامية للأسف.

بالمغرب كبلد ديموقراطي حداثي اسلامي، فإن المرأة تظل شقيقة الرجل والمساوية له في الحقوق والواجبات كل حسب قدرته وتكوينه الجسدي، لكن بنسب متفاوتة من شمال المغرب إلى جنوبه، حيث تختلف الأعراف والتقاليد والثقافات وتكون الحاكم على تقدم المرأة أو تخلفها. لكن على العموم هناك تطور ملموس في إدماج المرأة وفك العزلة عن القدرات النسائية بشتى المناطق بل خاصة بكبرى مدن المغرب كالدار البيضاء والرباط وباقي المدن الاستراتيجة والاقتصادية، على عكس مدن أخرى لتاتي الجهوية الموسعة مؤخرا لتنفض الغبار وتلمع المرايا ببعض مناطق الجنوب الشرقي في ظل حركية المنظمات النسائية والمجتمع المدني التي رصدت مختلف القضايا النسائية اجتماعيا واقتصاديا وقضائيا وحقوقيا وإخراجها إلى أرض الواقع المغربي بدءا من المرأة الطفلة والقاصر إلى المرأة الراشدة. فقد اختلفت الحالات بين طفلات خادمات بالبيوت ، وزواج القاصرات، وتعنيف المرأة بصفة عامة في البيت وفي الشارع جسديا ومعنويا والتحرش الجنسي وبالشارع وبأماكن العمل.

فظاهرة زواج القاصرات بمناطق الجنوب الشرقي لازالت قائمة ومعمول بها ولو كانت بطرق غير قاونية، تذهب ضحيتها فتيات أغلبيتهن ينحدرن من مناطق وأسر فقيرة تشكل عالة على آبائهن لأن الأمهات في غالب الأحيان لا يؤخذ برأيهن فيسلمن بناتهن قربانا مقابل بضع دريهمات لسد ديون الأب أو لسد جوع الأسرة لفترة مؤقتة. الفتاة القاصر غالبا ما تغصب على الزواج من رجل بسن جدها، يرى فيها مشروعا جنسيا بالدرجة الأولى يشبع من خلاله نوزاته ومراهقته المتأخرة، ثم يجعل منها بعد أن يشفي غرائزه الحيوانية، خادمته المطيعة تطبخ وتغسل الملابس وتأتي بالحطب من أعالي الجبال حاملة الأطنان على ظهرها الصغير، في كل خطوة تخطوها تلعن فيها حظها واليوم الذي ولدت فيه وتتمنى الموت كل لحظة.
معاناة هاته الفتيات لن يفهما لا أخصائي اجتماعي ولا نفسي لأنها تتعدى كل المستويات ، ولأنهن تعانين في صمت وسعادة مصطنعة التي في غالب الأحيان تنتهي بالانتحار.ففي بعض المناطق وبالرغم من الاتفاق على مراسم الزواج بطريقة قانونية إلا أن بعض الشروط التي تلزم أب العروس تكون مكلفة إلى درجة بيع ممتلكاته مقابل مهر هزيل ، فلكي يزوج ابنته عليه أن يتم الصفقة ويجهزها بكل ما طلب منه من طرف أهل العريس من أفرشة وأواني وحلي من الذهب وإلا فإن ابنته سترجع له في أول يوم لها إذا ماسجل أي نقص في المتطلبات. وهنا تذكرت الطقوس الهندية التي تلزم على العروس دفع المهر للرجل لأن هذا الأخير سيصنع معروفا لوالدها بتزويجه اياها،عادات لا علاقة لها لا بديننا ولا بالمنطق فقط مجرد حلول بدعية تخدم المصالح الشخصية وتروي عطش النفوس الجشعة.

والمشكل الأكبر من ذلك هو الضغوطات النفسية والمعنوية التي تمارس من طرف أسرة الزوج على العروس داخل البيت الذي يضم العائلة بأكملها، إلى درجة أن هناك من يجعل منهن خادمات فقط قابلات للتغيير عن طريق الطلاق الاتفاقي الذي يخدع به أغلبية الرجال تلك النساء الجاهلات للقانون ولحقوقهن، وإن كان "ولد الناس" سيرسل معها مهرها الذي أحضرته معها، وقد سجلت بعض حالات الانتحار بتناول سم الفئران او بشرب "الماء القاطع" أو بالشنق خوفا من الرجوع لبيت الأهل الذين لا يتقبلون فكرة طلاق ابنتهم بعد فترة قصيرة من الزواج وتحميلهم إياها المسؤولية. وأذكر أنه سجلت حالة انتحار فتاة بإحدى مناطق الجنوب الشرقي لأن أخ زوجها كان يغتصبها ولجات لأهلها من اجل رفع شكوى ضده وطلب الطلاق من زوجها الذي كان يعلم بالأمر ويصمت لكون أخيه هو المعيل الوحيد له وللعائلة، لكن أهلها رفضوا بحجة أنها السبب في إغوائه فاضطرت للإنتحار لوضع حد لمعاناتها..حتى في موتها يكون الدفن في أغلب المناطق بدون طبيب شرعي، فتردم تحت التراب مع أسرارها التي تحفظها جدران البيت عن ظهر قلب.

والصورة الثانية للمرأة المتحررة المستقلة والعاملة و البارزة بالمجتمع في مناطق الجنوب الشرقي. هذا النوع من النساء لا يسلم من الانتقاذات وتبخيس القدرات الا من رحم ربي لان العقليات الذكورية السائدة بهذه المناطق والانانية المتسلطة لدى اغلبية الرجال بالرغم من انفتاحهم ووعيهم بالحراك الديمقراطي الذي يعرفه المغرب، فإن عامل التربية والنشأة يلعبان دورا أساسيا في التشبع والتطبع والاقتناع التام بدونية العنصر النسوي، والذي عبر عنه الكثيرون بالعياقة والفياقة وفي غالب الأحيان بالانحلال الأخلاقي و قلة التربية.قلة من هم يقفون بصف المرأة القوية المكافحة ويحترمونها لشخصها ولكونها إنسان وليس فقط مشروعا جنسيا أو وسيلة لربح الصفقات،هؤلاء القلة يعترفون بأن المرأة بالدرجة الأولى هي الأم لتكون بعد ذلك الأخت والزوجة والإبنة.

مجتمعات الجنوب الشرقي بمختلف ايديولوجياته وأعراقه ومكوناته الاجتماعية والثقافية ، لازالت بحاجة لفترة من النقاهة، والتعريف أكثر بدور المرأة والوعي بأهميته. هذا الوعي والاعتراف بالوجود سيتحقق يوم يعترف المشرع بسن قوانين زجرية تصون كرامتها وتضمن لها حقوقها، ليس بمدونة الأسرة التي جعلت من العلاقة بين الرجل والمرأة شبه انتقامية لما خولت لها من صلاحيات معقولة ، وإنما بتطبيق القانون بنزاهة بعيدا عن المحسوبية والفساد الاداري، خاصة في البث في بعض قضايا العنف والاغتصاب التي لا تحكم لصالح القاصرات والنساء بمقابل رشاوى وشهادات الزور.

ولعل المغرب لا ولن ينسى أن معاركه ضد المستعمر، كانت بطلاتها نساء خاصة النساء المجاهدات بالجبال والسفوح الجنوب الشرقية والريفية ،النساء البسيطات اللاتي صنعن من حفنة دقيق طعاما لجنود المقاومة وداوين جروحهم وسترن أسرارهم وحفظن علم بلادهن ليمتزج بدمائهن ولون التراب،القلائل منهن من يشهد لهن التاريخ، لكن الماء والهواء كل حبة سنابل تشهد لهن ولازالت أمثالهن في حاضرنا إلا أن الظلم فيه والخسارة أكبر وأعظم من الحق والقانون.