بقلم حنان الشاد
 
الحياة بين اليوم والماضي، أشواط عبرناها بوثيرة متسارعة، لدرجة أننا لا نوشك على تذكر أهم اللحظات وأسعدها، لكثرة انشغالاتنا وضيق حيز الزمان، والخوف المتكرر من نفاذ المال وتشوه صورتنا بالمجتمع.
 
حالة الكثير من البشر بهذا العالم، بمختلف انتماءاتهم الثقافية والاجتماعية والدينية والجغرافية..رغم اختلاف اللغات، هناك لغة واحدة قد توحد بين سكان الكرة الأرضية الا وهي العلاقات، اجتماعية ، أسرية ، عملية ...كيفما كان نوعها، فهي تظل المعيار الوحيد لمختلف الظواهر التي نتعرض لها بالمجتمع، خاصة منها ظاهرة الطلاق التي كانت ولا زالت تكتسح أعلى المعدلات بالعالم، هذه الظاهرة التي تعد أبغض الحلال عند الله تعالى، لكنها في معظم الأحيان حلا مريحا إذا ما تعددت أسباب الشقاق بين الطرفين وصارت الحياة شبه مستحيلة..لكن هل فعلا يعد الطلاق الحل الوحيد والأنسب لفض النزاعات والتخلص من المعاناة والمشاكل؟
ففي المجتمع المغربي ومنذ صدور مدونة الأسرة، فاقت نسبة الطلاق للشقاق الخمسين بالمئة، والغريب في الأمر أن ظاهرتي الطلاق والزواج لأجل التعدد متناسبتان، بل وتجمعهما علاقة سببية وطيدة بغض النظر عن أسباب أخرى كإهمال الأسرة والعجز والعنف، إلا أن العامل الأساسي المؤدي إلى نتيجة الطلاق هوانعدام الوعي المتداخل في مفهومه مع العادات والتقاليد.
لكن تبقى الذات الإنسانية لكل شخص المتدخل الرئيسي في نجاح العلاقة الزوجية أو فشلها، أولا بالاختيار والبحث عن التوافق بين الطرفين فكريا ومبدئيا وتوجها، ثانيا انطلاقا من استقلالية الشخصية واتخاذ القرارات دون تدخل أطراف أخرى قد يكون لها تأثير سلبي على مسار العلاقة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعد التشبع بالأخلاق والقيم الانسانية والدينية وازعا أساسيا في بناء أسس العلاقة الزوجية المثينة والسليمة، لكن ليس بالمظاهر فقط وإنما بالإلتزام والتوافق بين الطرفين في جو من الحوار والتسامح والاحترام وبالتالي تحقيق المودة والرحمة اللذين يعدان من الشروط الأساسية لقيام الحياة الزوجية واستمراريتها.
 
في زماننا كثرت الفتن والمغريات من تطور تكنولوجي وانترنت وانفتاح على العالم بشتى مكوناته، الشيء الذي، في غياب الوعي، قد يؤدي إلى تعقيد الحياة بين الافراد والتسبب بالنزاعات وتربية الحقد بين الرجال والنساء خاصة تحت سقف بيت الزوجية..فتصبح الارضية جاهزة لحدوث الطلاق، ويصبح الطرفان أمام صراعات أنانية على حساب استقرار الأطفال، وإن لم يحدث الطلاق فإن الخيانة تعد المنفذ الوحيد للانتقام من النفس ومن الآخر، وهو غالبا ما يلجلأ إليه أغلبية الرجال والنساء في مجتمعنا في حالة عدم تمكن أحد الطرفين من طلب الطلاق بسبب التكاليف والصوائر التي في غالب الأحيان تكون عبئا ثقيلا على الرجل و عبئا أثقل على المرأة إن لم تكن ذات استقلالية مادية، إذ في هذه الحالة تكون هي السباقة لطلب الطلاق بمقابل قبول ضمني للرجل رغم ادعائه العكس..
 
العلاقة الزوجية من المفروض ان تكون علاقة انسانية توقض روح الطفولة التي بداخلنا حيث الرغبة في تحقيق السعادة والتوازن، ليس فقط علاقة نكاح ومتعة جنسية فقط، فإن لم يتحقق شرط السكينة فلا بد من حل الميثاق، ولتفادي هذا الأخير يجب تفادي الأسباب المؤدية إلى النتيجة منذ أول لقاء بين الطرفين، حتى آخر لقاء يكون فيه الطرفان على حقيقتهما دون اقنعة ولا تصنع ولا ادعاءات كاذبة، يجب أن نتعلم حب الآخر كما هو عليه وتقبله بأخطائه وهفواته وحماقاته وعفويته، لأنه لا أحد كامل والكمال لله، ولا أحد يخلو من العيوب، وكأننا نتأثر ببعض الأفلام فنرغب في تحقيق حياة مثالية لا وجود لها بالواقع. فنجد النساء تختفين خلف الماكياج والألبسة الفاخرة على أساس إثارة إعجاب الرجال الذين بدورهم يركزون على المظاهر فقط غافلين عن الروح والاخلاق والفكر والمستوى الثقافي، صدق من قال" البس قدك يواتيك"، والحقيقة غير ذلك تماما، الخطأ في اختيار البعض للبعض يبدأ غالبا من المظهر والشكل، الا انه في علاقات اجدادنا بجداتنا في الزمان الماضي زمان البركة والحشمة والاحترام والمسؤولية بين الرجل والمرأة، كانت الزيجات ناجحة ب تسع وتسعين بالمئة، ومع وجود التعدد أحيانا، العشرات من الأولاد والجميع يعيش في سعادة واطمئنان، لكن يبقى السؤال يطرح نفسه، من المسؤول عن استقرار الحياة الزوجية ونجاحها، أهو الرجل أم المرأة؟
 
طبعا الطرفان يساهمان معا في نجاح مشروع الزواج بكل مكوناته عندما يكون الرجل مسؤولا وتكون المرأة حكيمة، وفي كل الأحوال لابد من الصبر المتقاسم بين الطرفين لأن الحياة ليست دائما بلون الورود فهناك أوقات عصيبة قد يمر بها المرء حينها تمتحن مدى صلابة ومثانة العلاقة بين الزوجين بدءا بالصبر والتضحية وانتهاءا بالاخلاص والوفاء المطلقين.