حنان الشاد - جديد انفو
 
ككل عام، يحتفل العالم في الثامن من مارس بعيد المرأة، فهناك من يهديها وردا وهناك من يهديها شعرا ، وهناك من يكرمها في حفل أو تظاهرة، والغريب في الأمر أن هناك من لا يتذكر هذا اليوم أو لا يعترف به.
 
في هذا المقال، ليس بأمر ضروري أن أتطرق إلى موضوع المرأة في علاقتها بالثامن من مارس على أنه مناسبة تستوجب التهنئة والمباركة بالعيد فقط، بل من الواجب الوقوف للحظات وقفة تأمل شامل لأوضاع المرأة بالعالم بشكل عام ، وبالمغرب بشكل خاص. صحيح أن الشكلي في تناول قضية المرأة الإنسان والفاعلة في المجتمع أحرز تقدما جد ملموسا في علاقته بالتنافسية والتطورات العالمية والنوعية التي تعرفها القوانين التنظيمية للدول المتقدمة خاصة منها الأوربية، إلا أن التطبيق والتفعيل على أرض الواقع لا زال حبيس العديد من المشاورات المتخوفة والمترددة من اتخاذ الخطوات الحاسمة والجريئة للإعتراف التام بوجود المرأة مساواة أو مناصفة في ممارسة جميع الحقوق الكونية منها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنقابية..
 
في الآونة الأخيرة وما يعرفه المغرب من نقلات نوعية في جميع المجالات موازاة مع الانفتاح على وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، يمكن الحديث عن مصالحة ايديولوجية شبه عامة بين المجتمع المغربي بكل شرائحه وبين المرأة كمفهوم وكوجود,حتى في المجتمعات المحافظة أصبحت النظرة تختلف وتتطور من مفهومها المتقوقع والنمطي الى المتفتح الايجابي، ما يعني أن مقاربة النوع صارت تترسخ بشكل تدريجي بالمجتمع المغربي من خلال الممارسات والنضالات التي تقوم بها مختلف منظمات المجتمع المدني والحركات النسائية التي في سيرورة نضالاتها على مر عقود، استطاعت أن تحقق مكتسبات مطلبية هامة تعد جزءا من التعديلات الدستورية والقوانين التنظيمية المتعلقة بمقاربة النوع وتحقيق مبدأ المساواة والمناصفة، ترسيخ الديمقراطية التشاركية في كل المجالات فيما يخص تمثيلية النساء كما ونوعا،في انتظار استيقاظ هيئة المناصفة ومكافحة جميع أنواع التمييز من أجل التفعيل الجاد وتحقيق التكامل مع مختلف الفعاليات خاصة منها السياسية التي تعد قوة اقتراحية هامة داخل القبة التشريعية، والتي تضم طبعا الجنسين.
 
صحيح أن "البلابلا" سهلة والخطابات متعددة، وزوايا النظر تختلف،والتصفيقات تكاد تملأ أرجاء البلاد، إلا أنه لايمكن إنكار الوضع الواقعي الذي نعيشه حاليا كنساء مغربيات، وضع مُقنًع بمعنى الكلمة،كما يقول المثل" المزوق من برا آش خبارك من الداخل"، مادمنا نرى الآن مظاهر عنف متكررة اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا تمارس على النساء في وضح النهار بالبيت، في الشارع، وبأماكن العمل، والتي صارت تصور بفيديوهات تتناقل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بكل برود وبدون تدخل من طرف مكونات المجتمع. الوعي بقضية المرأة يتطور فعلا لكن بشكل خاطئ، إذ توقف الأمر عند نية المتعاطفين مع المرأة في الاهتمام بقضاياها من خلال استغلال أوضاعها اللاسوية والمعاناتية ومتابعة مشاهدتها تتعرض لأبشع السلوكات حتى النهاية وربما إلى درجة فقدان الحياة دون الشعور بواجب التدخل السريع في إطار رد الفعل قبل التصوير كمرحلة اثباتية..لكن الأهم من هذا هو كيفية تعاطي السلطات مع مثل هذه الفيديوهات المروجة والمنتشرة والتي تتعدى إلى حدود العالمية، وكذا مواقف منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان في الحد من تكرار هذه الآفة المجتمعية التي صارت تكرس مقاربة من نوع آخر تتجلى في الاستمتاع بمعاناة المراة واستغلالها كمادة إعلامية فقط دون تحقيق العدالة أو تحريك المساطر الجنائية مادمنا في دولة الحق والقانون بشكل فوري وجاد.
 
قضية المرأة بالمغرب لا تقتصر فقط على تحقيق المناصفة والمساواة والمطالبة بالرفع من تمثيليتها بمختلف الهياكل و مناصب القرار، قضية المراة يجب أن تكون إنسانية حقوقية بالدرجة الأولى وفق ما تقتضيه الاتفاقيات الدولية وما تلزم به من تطبيق فوري للقوانين والعقوبات الزجرية، رغم الأرقام والإحصائيات التي تقدم من طرف المجلس الوطني لحقوق الانسان ومختلف المنظمات الحقوقية والنسائية الأخرى، إلا أن لغة الأرقام لم تنجح لحد الساعة في الارتقاء إلى مستوى تلك الاتفاقيات في التعاطي مع قضايا المرأة في مختلف المجالات خاصة قضايا العنف بشتى أشكاله وبمختلف مظاهره.
 
تأثيث مختلف المؤسسات بالنساء لا يعد مكسبا بقدر ما يعد جبرا للخواطر وتلميع للصورة النمطية فقط، أمر يتطلب التفكير بإمعان في اتخاذ استراتيجيات جديدة و جدية في مجال الترافع استعدادا للمرحلة التشريعية القادمة التي قد تعرف مخاضا قويا، يؤدي الى استمرارية الوضع أوإلى ثورة انسانية جديدة في مجال حقوق المرأة بالدرجة الأولى تكون ورقة ظاغطة لا منازع فيها تحتم التفعيل الفوري لمقتضيات الدستور..
 
لذلك، وكأي امرأة تعيش بهذا البلد وتطمح للاعتراف بوجودها كفرد من المجتمع إلى جانب الرجل يتشاركان وظائف الإنجاب والتربية وتحقيق العيش الكريم داخل وطن واحد مستقل حداثي ديمقراطي حقيقة ومضمونا لا شكلا، أتمنى "عيدا سعيدا" كبداية أخرى جديدة للنضال والكفاح والنفس الطويل..