مولود بوفلجة - تنغير / جديد انفو

أجرت قناة الجزيرة في شخص الصحفي أحمد منصور ،في برنامجه ”بلا حدود”، حوارا من حلقتين مع رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران حول حصيلة ثلاث سنوات منقضية من عمر حكومته وحول تحدياتها و طموحاتها المستقبلية.و هذه مجموعة ملاحظات مستخلصة من هذا اللقاء الذي استهله  السيد بن كيران خارج سياق السؤال بقوله  المثير إن من يحكم المغرب هو ملك البلاد .

  خطاب رئيس الحكومة:

تحدث السيد بنكيران بلغة عربية بسيطة تجمع بين دارج القول و فصيحه معززا كلامه ببعض الاستشهادات من التراث الاسلامي . و اتسم خطاب الرجل بالانفعالية و خلا في الغالب من الأدلة و الحجج و من أي معطيات رقمية،فجعل المتحدث نفسه مركزا للخطاب من خلال تكرار ضمير الأنا في تمجيد واضح للذات  فتحدث بصيغة الامتلاك عن الشركاء:عندي وزراء مستقلين.. عندي وزير ديال...كما وظف فعل الأمر ” اسمع” مرات عديدة في وجه محاوره حتى لا يترك له فرصة التعليق و ذلك لاحتواء النقاش و توجيهه الى حيث يريد . كما قسم رئيس الحكومة المشهد السياسي المغربي الى أنا و من معي و الى المعارضين الذين  فضل تسميتهم خصوما مثيرين للشفقة.و في لحظة الحديث عنهم  تخلى رئيس الحكومة عن كل أقنعة اللباقة و انفلتت منه الكلمات فوظف ألفاظا لا تحصى من قاموس السب و الشتم في وصفه شباط بالبلطجة و السفالة و العباطة و لشكر بأنه  طاغية دمر حزبه و تنظيماته السياسية ، و دعاهما في تحد و انفعالية واضحة إلى الخروج إلى الشارع إن هم أرادوا الإطاحة به. وقدم بنكيران نفسه للشعب المغربي  في صورة المخلص الواثق من فوز حزبه في قادم الاستحقاقات  في نوع من تضخم الأنا المدعوم ،حسب ظنه بتفهم الشعب المغربي و معرفته بمن يخدم مصلحته .

الخطاب  جاء مغرقا في  الاعتزاز بالذات الفردية و الحزبية و الجماعتية في نوع من الوثوقية والطهرانية حين الحديث عن الكيان الانتمائي،وبكثير من  الاستخفاف و التبخيس و ضحكة الاستهزاء  حين الحديث عن  الاخر المعارض أو المخالف. فأصبحنا أمام حملة انتخابية لم تراع السياق و لا المقام و لم  يُستحضر فيها  أن المخاطَب المفترض هو المشاهد العربي  و ليس المغاربة فقط .

 

أسئلة و مواضيع مغيبة:

اتسم الحوار بكثير من البرود و الرتابة و غابت فيه المباغته و لم يحمل جديدا غير المتداول مما نعرفه و ربما مرد ذلك إلى التوافق الاديولوجي الواضح بين الضيف والصحفي الذي أصبح مقتنعا على غير عادته بكل كلام ضيفه..وبدا لنا  أننا أمام أسئلة تحت الطلب ،فغاب الحديث عن مجموعة من المواضيع المثيرة و مر الرجلان مرور الكرام عن كل ما يمكن أن يشعل الخلاف بينهما أو ما يجعل الضيف في موقف إحراج. فلم يتم التداول  فيما يقع في مصر خصوصا تنحية الرئيس مرسي و لقاء السيد بن كيران  بالسيسي و لم يتم استحضار المشاركة المغربية في ”التحالف العربي ضد اليمن” و كان الحديث عن الربيع العربي بشكل مداور و مغيب لحقائق الأمور. و حين أثيرت كلمة إرهاب في النقاش تهربا منها الرجلان و مرا الى الحديث عن المعارضة و خصصا لها حصة زمنية وفيرة من الجلد .و  أما على المستوى المحلي فلم يدقق السائل مع المجيب في مقولة عفا الله عما سلف.و في شأن الدولة العميقة صرح أحمد منصور ” ربما لمعرفته بالمغرب اكثر منا ” بأن الدولة العميقة عادت الى الوجود بكل البلدان العربية بعد ربيعها باستثناء المغرب الذي يعيش تجربة متميزة على حد قوله بل إنه دعا ضيفه إلى تقديم النصح للإخوان المسلمين ليقتدوا به.وتحدث الرجلان عن المعارضة و أسقطا من حوارهما فاعلا أساسيا في المشهد السياسي المغربي و هو جماعة العدل و الاحسان..لم يتم  أيضا الحديث عن الأجور العليا للوزراء و النواب  و لا عن زيجاتهم و لا عن شكلاطهم و لا عن حمامات مكاتبهم  و لا عن الكراطة الشهيرة حتى ….و لا عن غلاء المعيشة و ارتفاع معدل البطالة و أزمة التعليم… و لم يثر المستجوب  موضوع مهرجانات  الغناء و العري  و إهدارها  للمال العام و التي كان لبنكيران و جماعته موقفا واضحا منها قبل أن يدس رأسه في الرمل بعد توليه زمام المسؤولية  حيث انخرط في لعبة الرقص …إلى  غير ذلك من المواضيع المفترض أن يثيرها صحافي يفترض فيه الحياد و البحث عن الحقيقة.

الانجازات التي هلل لها رئيس الحكومة:

تحدث بن كيران في سياق استعراضه لما اعتبره انجازات حكومته عن  جرأته في إصلاحه صندوق المقاصة و بشر  بما وفره ذلك لخزينة الدولة مما لم يلمس منه الفقراء شيئا. و اعتبر رفع الدعم عن المحروقات اجراء لم يمس سوى مستعملي السيارات و تناسى ان المقهورين هم من اكتووا بلهيب هذه الزيادة في سفرهم و قوتهم اليومي و لم يتم استحضار قدر استهلاك حظيرة سيارات المخزن من المحروقات مما يؤدي ثمنه بسطاء هذا الوطن.كما تحدث الرجل عن انجاز لا يحتاج منا الى تعليق وهو الزيادة في فواتير الماء و الكهرباء و اعتبر  رئيس الحكومة المغربي أن إصلاح صندوق التقاعد يعد من أولويات اصلاحاته المستقبلية و أكد على أن الاصلاح آت لا محالة و معنى ذلك أن دور النقابات و من يسميهم شركاء سيقتصر  على إعطاء المشروعية للعملية. و استغربت من صمت الصحفي الذي لم يستفسر عن من أوصل هذه الصناديق لوضعية الافلاس ،ان صح أنها أفلست، و هل تمت محاسبتهم  كما  لم يستفسر عن أحقية الوزراء و النواب في الاحتفاظ بتقاعدهم السمين .. و عن موضوع الرفع من منح الطلبة فلا يخفى ان المنحة لم تعد معممة  على كل الطلبة ،كما كان في السابق ،و الحديث عمن يستفيد  و من يحرم منها  فيه نظر.

ملحوظة اذا لم يكن السيد ْأحمد منصور قاصدا الى إخراج البرنامج على هذه الشاكلة و ْإذا لم يكن متعمدا ” باش اعمر للرئيس الكواري مرة على الصدر و مرة على الراس و يكولوا تيري”  فإن معرفته بالمغرب سطحية إلى أبعد الحدود.