منذ أسابيع وآلاف الأساتذة يخوضون إضرابا وطنيا غير مسبوق بالمغرب، حيث زحف أغلبهم نحو الرباط لتجسيد هذا الإضراب المصحوب بأشكال احتجاجية متنوعة، كلفت المحتجين عددا من الاعتقالات والإصابات التي كان بعضها خطيرا، الأمر الذي أعاد كرامة الأستاذ والقضية التعليمية برمتها وما يتخبط فيه هذا القطاع الحساس من مشاكل إلى الواجهة.

بهذا الخصوص وجب توضيح مجموعة من الأمور بخصوص مطالب هذه الألوف المحتجة.

*أولا: لماذا رفض المباراة؟

تحاول الوزارة و من يجري في فلكها من إعلام متواطيء الترويج لأكذوبة مفادها أن آلاف الأساتذة الرافضين للمباراة، إنما يرفضونها لأنهم يشككون في قدراتهم على اجتياز المباراة بنجاح و أنهم لا يتمتعون بالثقة الكاملة في أنفسهم وفي كفاءتهم وقدراتهم المعرفية، وهذا تضليل للرأي العام، وتفسير مجانب للصواب، إذ إن الأسباب الحقيقية لرفض المباراة تكمن فيما يلي:

-أن المباراة تحدد نسبة 11 في المئة من الأساتذة المتبارين كحد أقصى للناجحين مما يؤكد أن الوزارة لا يهمها-أصلا-اختبار كفاءات الأساتذة وقدراتهم مادامت نسبة النجاح محسومة سلفا.

-أن المباراة ملغومة,إذ تفرض على الأساتذة »إعادة التعيين »,وكأن الأستاذ الذي قضى عشر سنوات في القسم تخرج لتوه، ما يعني إمكانية نقله من مكان اشتغاله إلى منطقة أخرى نائية قد تكون تلك التي بدأ منها مشواره,ليعود إلى نقطة الصفر في انتظار حركة انتقالية قد تأتي و قد لا تأتي.

-أن المباراة تلغي تماما أي أثر رجعي مالي و إداري, مما يعني ضياع آلاف الأساتذة في مئات السنوات من العمل,سواء من الناحية الإدارية أو من الناحية المادية !
إن السؤال المطروح على الوزارة و التي تزعم أن المباراة ستكون عبارة عن مقابلة شفوية »بسيطة » و »شكلية » هو التالي:


إذا كانت المباراة بسيطة و شكلية,فما الفائدة منها أصلا؟ !


*ثانيا: الترقية

إن كل ذي ضمير حي,لا يسعه إلا أن يستنكر الظلم الذي طال فوجي 2012 و2013,المقصيين من الترقية بدون موجب حق,إذ كيف يعقل أن تتم ترقية الأفواج السابقة ,في حين يقصى أساتذة آخرون لهم نفس الشواهد؟! و ما فائدة هذه الشواهد إذا لم تكن تضمن الترقية المادية و الاجتماعية لأصحابها؟و ما أهميتهما العلمية مادامت الوزارة التي تمنحها هي في نفس الوقت التي تقصيها و تفقد الثقة في الحاصلين عليها؟
هذا يعني ضمنيا أن الوزارة متناقضة مع ذاتها,فاليوم تمنحك شهادة بتوقيع الوزير و غدا تحرمك من الترقية بها !

كيف يطيب لأستاذ أن يعمل بكرامة وإلى جانبه في المؤسسة أستاذ له نفس الشواهد لكنه »أرقى منه » مع أنه تخرج حديثا و ليست له أي تجربة ولا أقدمية؟ (الحديث هنا عن المتخرجين بالإجازة).

كل هذا يدل دلالة واضحة على أن الترقية بالشواهد حق مشروع و إقصاء الفوجين ظلم وحيف كبير بحقهم.

*ثالثا: تغيير الإطار

تبرر الوزارة تعنتها و تشبثها برفض تغيير الإطار للأساتذة المطالبين بذلك، بكون ذلك الإجراء سيخلق بلبلة وفوضى في المؤسسات، لكون أساتذة الابتدائي-مثلا- سيغادرون المدارس باتجاه الإعداديات، وأساتذة الإعدادي سيهرولون نحو الثانويات مما سيخلق خصاصا كبيرا في هذه المؤسسات.

إنه لمبرر واه ولا أساس له من الصحة، فالسبب الحقيقي في منع الأساتذة من تغيير الإطار، يكمن في رغبة الوزارة في حرمانهم من الوصول إلى خارج السلم وبالتالي توفير مبالغ مالية هائلة وفق منطق الوزارة -طبعا- وإن كانت تتستر على ذلك، فإذا كانت الوزارة متقاعسة و لا تجتهد في إيجاد الحلول، فنحن نقترح عليها إجراء بسيطا سيكفيها »شر الخصاص » الذي تتعذر به. كيف ذلك؟

يمكن للوزارة أن تسمح للأساتذة بتغيير الإطار شريطة أن تفرض عليهم توقيع التزام يلتزمون بموجبه بالبقاء في مستوياتهم الأصلية (ابتدائي، إعدادي، ثانوي) و »مريضنا ما عندو باس »!

*رابعا: الاقتطاع من الأجور

إنه لمن الأمور المشينة أن يكون واضع القوانين هو أول من يخرقها، بل إنه لمن العار فرض قوانين فوقية غير عادلة، و لعل من »أهم » هذه القوانين الجائرة قانون الاقتطاع من أجور المضربين، بل إن هذا القانون-أصلا- غير قانوني، لماذا؟

-أولا : لا يحق لأحد مهما بلغت مكانته السلطوية أن يقتطع من أجور الموظفين المضربين، لأن ذلك مس خطير و خرق سافر لأهم مقتضيات الدستور التي تنص على الحق في الإضراب.
-ثانيا : الاقتطاع غير قانوني مادام القانون المنظم للإضراب لم يخرج بعد للوجود، فما الذي يمنح الحق لحكومة بنكيران لتطبيق هذا القانون الظالم وغير المتوافق عليه وطنيا وحتى دستوريا؟
-ثالثا : حتى و إن افترضنا جدلا بأن الاقتطاع إجراء قانوني فإن تطبيقه يتطلب المرور عبر مجموعة من المراحل، أهمها الإشعار المسبق للموظف المعني بالاقتطاع، وهذا ما لا يتم الالتزام به و لا تطبيقه.

-رابعا: أستغرب كيف أن بنكيران صرح ذات مرة بعظمة لسانه قائلا »مسطرة الاقتطاع نجحت في تقليص موجة الإضرابات التي كانت تعرفها بعض القطاعات العمومية » !!!
و هذا كلام لا يمكن أن يصدقه أحد، إذ إن اقتراب إضراب آلاف الأساتذة من استكمال شهرها الأول يدحض كليا إدعاءات بنكيران.

إن الهدف الحقيقي من وراء الاقتطاع، ليس كما يزعم بنكيران، لكن هدفه الحقيقي هو تكميم الأفواه، إنها محاولة لإسكات كل صوت حر وشريف ينادي بالحرية والكرامة والعدل.

إن استمرارية و صمود آلاف الأساتذة رغم الاقتطاعات، رغم الاعتقالات رغم العنف رغم التهديدات، كلها مؤشرات على أن رهان بنكيران,رهان خاسر !.