مصطفى ملو *

أمام إصرار آلاف الأساتذة على مواصلة إضرابهم المفتوح الذي سيدخل شهره الثاني بعد أيام,والذي لا يتوقع له أن ينتهي إلا بعد تحقيق جميع مطالبهم,أمام هذا الوضع الذي ينذر بكارثة في المدرسة العمومية بسبب عزم المعتصمين مقاطعة الامتحانات الإشهادية التي ستجرى على بعد أسبوعين على الأكثر و تشبثهم بعدم تسليم نقط المراقبة المستمرة,مما يهدد آلاف التلاميذ بسنة بيضاء,لم تجد الوزارة المعنية غير لغة التهديد و الوعيد لثني الأساتذة عن مواصلة درب نضالهم,فبعد أن فشل أسلوب الاقتطاع الذي كانت تراهن عليه الوزارة  فأسلوب التعنيف و الاعتقال الذي طال العشرات,ثم إصدار بلاغات تدعو فيه الوزارة جميع النيابات و الأكاديميات لمباشرة مسطرة الانقطاع,التي فشلت هي الأخرى في شوطها الأول بفضل رفض العديد من المدراء الشرفاء تسجيل أساتذة مؤسساتهم كمنقطعين,و التأكيد بدل ذلك على كونهم مضربين إضرابا قانونيا مؤطرا نقابيا,و التشبث باعتبارهم مدافعين عن حقوقهم و ممارسين لحق من حقوقهم الدستورية ألا و هو حق الإضراب.

فشلت كل هذه المحاولات,لتدخل الوزارة شوطا آخر  دشنته تارة بالتسول و التوسل إلى المديرين العارفين بالقانون و المدركين لخطورة تطبيق مسطرة غير قانونية,و تارة أخرى بتهديدهم هم أيضا باتخاذ الإجراءات الصارمة بحقهم في حالة رفض مباشرة هذا الإجراء الظالم في حق الأساتذة المضربين,أي إجراء الانقطاع,ناهجة أسلوب الوعد و الوعيد,الترغيب و الترهيب في وجه كل من يقف ضد تعنتها و "سياساتها" الجائرة.

كل الذي تقدم يدفعنا إلى التساؤل عن النتائج التي ستترتب عن هذه السياسة الخرقاء للوزارة,وعما ستؤول إليه الأوضاع في حال إقدامها على تطبيق هذا الإجراء الذي لا شك ستكون عواقبه وخيمة على كل المستويات,فهل الوزارة مستعدة لتحمل تبعات كل ذلك؟.


*الفاتورة المالية التي ستنتج في حال تطبيق الانقطاع.
تبرر الحكومة ومعها الوزارة تعنتها و رفضها الاستجابة للمطالب البسيطة للأساتذة المضربين,بما تمر به البلاد من "أزمة مالية",وهي مبررات واهية و غير مقنعة,لأن الأزمة المالية حتى ولو افترضنا وجودها فعلا, فلن يحلها الاحتجاز و الاستحواذ على الدريهمات المعدودة للأساتذة,بل إن الحكومة بترويجها "لمقولة الأزمة المالية" و رفعها في وجه كل مطالب بحقه,وفي المقابل إجبار المدراء على تطبيق مسطرة الانقطاع,يوقعها (أي الحكومة) في تناقض واضح.

فهب الوزارة باشرت فعلا هذا الإجراء,فبمن و كيف ستعوض أكثر من 3000 أستاذ مازالوا يواصلون إضرابهم,بل أنى لها أن تعوض حتى 2000 أو 1000 أو500 أستاذ؟هل قامت الوزارة بإحصاء الكلفة المالية التي ستنتج عن إجرائها هذا؟لنفترض أنها عزلت هذه الألوف,فهل ستفتح مباراة لتوظيف أساتذة جدد لتعويضهم؟ و إن هي فعلت,فهل قامت بحساب كم ستكلفها تلك المباراة من الأموال التي ستخصص للتصحيح و الإعلان و أوراق الامتحانات و باقي التكاليف؟بل الأكثر من ذلك:هل وضعت في الحسبان كم أموالا سيكلفها الأساتذة الجدد طيلة مدة التكوين,خاصة و نحن نعلم أن أستاذا واحدا يكلف الدولة 500 درهما على الأقل في كل وضعية مهنية,و باحتساب مجموع الوضعيات المهنية التي تصل إلى العشرات لآلاف الأساتذة الذين سيتم توظيفهم لتعويض "الأساتذة المطرودين"و أجرة الأساتذة المكونين  و مباراة التخرج و الكفاءة سنحصل على ملايير الدراهم؟.

أم هل تعوضهم بأساتذة سد الخصاص غير مكونين ضاربة جودة التعليم بعرض الحائط,و تضطر في كل سنة إلى عقد الاتفاقيات مع الجمعيات المهتمة  التي تكلفها ملايين الدراهم,لتجد نفسها في الأخير أمام مطلب من نوع آخر و هو مطلب أساتذة سد الخصاص بالإدماج و الترسيم في السلم العاشر.

الطريف في الأمر أنه في حال إقدام الوزارة على طرد المضربين,فإنها تستحق أن تدخل كتاب كنيس كأغبى وزارة للتربية الوطنية في العالم,حيث ستطرد أساتذة ترفض إدماجهم في السلم العاشر,لتأتي بأساتذة تحتاج إلى تكوينهم ثم تخريجهم في السلم نفسه الذي ترفض إدماج المضربين فيه,أي السلم العاشر,أليس هذا هو الغباء بعينه؟! أليس الأفيد أن يتم إدماج هؤلاء المضربين الذين لا يحتاجون إلى تكوين في السلم العاشر و بذلك توفر الوزارة على نفسها ملايير الدراهم و هي التي تتذرع بالأزمة المالية؟!.


*الكلفة الاجتماعية و الأمنية.
طرد  3000 أستاذ أو أكثر من ذلك بكثير أو أقل بقليل,يعني حرمان نفس العدد من الأسر من مصدر عيشها,علما أن هناك من المضربين من يعيل أسرا تتكون من أفراد كثيرين,فهل تعتقد الحكومة أن هذا العدد الهائل من الأسر ستسكت في حالة وقع عليها هذا الظلم؟هل وضعت في الحسبان درجة الاحتقان و الخطورة التي ستنتج عن هذا الإجراء الأخرق؟هل تعرف مدى التهديد الأمني و المخاطرة باستقرار الوطن الذي ستسقط فيه بهذا الإجراء؟.
إن الإقدام على طرد الأساتذة سيكون بمثابة بركان سيأتي على الأخضر و اليابس,ولن يسلم منه أحد,وسيتجه بالبلد إلى وجهة مجهولة لا أحد يستطيع توقع عواقبها,فهل الوزارة مستعدة لتحمل مسؤوليتها التي ستنجم عن إشعال الساحة؟.

 

*الكلفة العلمية و التربوية.
استمرار إضراب آلاف الأساتذة لما يقارب الشهرين مكلف جدا ليس فقط من الناحية المالية و الاجتماعية,بل الأهم من الناحية العلمية و التربوية,إذ إن أكثر من نصف مليون تلميذ مازالوا محرومين من آلاف الحصص الدراسية نتيجة هذا الإضراب,مما يفوت عليهم فرصة الاطلاع على "آلاف المعلومات و المهارات و القدرات",خاصة في المواد التي يدرسونها لأول مرة كمادة اللغة الإنجليزية و وحدها الوزارة هي التي تتحمل كامل المسؤولية في ذلك,لأنها هي التي تماطل و لا تبالي بحقوق مشروعة و عادلة لا غبار عليها.


*الكلفة القانونية و الأخلاقية.
إضراب الأساتذة هو إضراب قانوني تؤطره نقابات معترف بها و لها وزنها,و ليس تغيبا غير مبرر أو انقطاعا عن العمل أو تركا للوظيفة كما تناور الوزارة و تراوغ متلاعبة بالرأي العام,فالقانون واضح وضوح الشمس في هذا الشأن,وعليه فتطبيق الانقطاع هو خرق سافر لهذا القانون,وهو ضرب خطير لحق من الحقوق المنصوص عليها في الدستور.
الكلفة القانونية لإجراء الانقطاع ستكون باهظة جدا,لأنه سيرجع المغرب عقودا إلى الخلف و يعود به القهقرى إلى عهد السيبة لما كان البقاء للأقوى هو "القانون'' السائد,فإذا أقدمت الحكومة على خرق القانون ممثلة في وزارتها في التربية الوطنية و هي الأجدر أن تعطي دروسا في احترامه,فلن نلوم بعدها المواطنين العاديين إذا خرقوه,فهل فكرت الوزارة في هذا الأمر؟.

يتضح من الناحية القانونية أن تطبيق إجراء غير قانوني سيشكل فضيحة أخلاقية و قانونية  من العيار الثقيل للحكومة,بل و للدولة المغربية و سيجعلها في مأزق أمام مواطنيها أولا و أمام الهيئات و الإعلام الدولي المتابع للملف ثانيا,وسيفقدها مصداقيتها و هيبتها و يضع احترامها في مهب الريح,إذ كيف سيحترم المواطن حكومة لا تحترم القانون و سلطة المؤسسات؟,و كيف سنربي الأجيال القادمة على قيم المواطنة و احترام حقوق الإنسان و طاعة القانون و الحكومة هي أول الخارقين؟.

يبدو مما تقدم أن طرد الأساتذة المضربين ستكون عواقبه وخيمة في مختلف النواحي,و يبدو أن الحل الحكيم هو تسوية ملفهم في أقرب الآجال,عوض التماطل و التمادي في سياسة صم الآذان و لغة التهديد و الوعيد التي لن تزيد الأمور إلا تعقيدا و تأزما.

فهل في الوزارة و هل في الحكومة حكماء يجنبون الوطن و أهله ويلات ما ستؤول إليه الأوضاع؟و هل سترجع الوزارة إلى لغة الحكمة و التعقل و تعترف بالخطأ,والاعتراف بالخطأ فضيلة فتسوي المشكلة بلا مزيد من الضجيج؟ أم ستتمادى في سياستها التي لن تأتي سوى بالندم يوم لا ينفع الندم؟
أسئلة ضمن أخرى ننتظر جوابها في القريب العاجل قبل أن تحل الكارثة.

 

*عضو التنسيقية الوطنية للأساتذة المجازين المقصيين من الترقية بالشواهد